=================
مدخل
=================
منذ معاهدة سايكس بيكو , لم تشهد حدود دولة في العالم , فوضى وتخلف كما هو حال حدودنا العراقية البرية , بل ان حدود العراق سجلت خلال ثلاثة عشرة سنة خيانتين منظّمتين يستحق منفذوهما المحاكمة العسكرية والتجريم , وكان من نتائج الخيانة الاولى ان دمرت البنى التحتية للعراق وسالت بسببها انهار من دماء المدنيين , وكان من نتائج الثانية منها , انهيار الجيش وسقوط ثلث مساحة البلاد بيد ارهابيي داعش .
وسنبين في مداخلتنا هذه , الطرق الكفيلة بحماية الوطن من نقاط تخومه الحدودية وكيفية انشاء بنية تحتية لقوات الحدود والمنافذ الحدودية السائبة , وتاثير ذلك على الانتعاش الامني والاقتصادي في ان واحد .
===================
حقائق جغرافية وامنية بالارقام
===================
يبلغ طول الحدود العراقية كاملة في 3631 كم , منها 1400 كم مع ايران , و331 مع تركيا , و605 كم مع سوريا , و181 كم مع الاردن , و814 مع العربية السعودية , و242 مع الكويت , بالاضافة الى 58 كم كحدود بحرية مطلة على الخليج . واعلى نقطة حدودية هي في منطقة جبل هلكرد حيث يبلغ ارتفاعها 3600 متر فوق سطح البحر , واقل نقطة حدودية هي بمستوى سطح البحر , في الحدود البحرية للبصرة .
ان المتعارف عليه عالمياً , وفق السياقات العسكرية , ان الحدود المنبسطة التي ليست فيها عوائق جغرافية تعيق العدو او المتسلل (بلا عوامل تهديد), فان الحاجة البشرية هي فردان مدربان يتناوبان على حراسة الحدود لكل 100 متر , اي 20 فرد لكل كيلومتر , بحساب ان نصفهم ينزلون باجازات منتظمة . وهذا يعني اننا لم نكن نحتاج في اسوأ الظروف واشدها تخلّفاً الى اكثر من 75000 عسكري لحماية الحدود , بمافيهم القادة الاداريون واللوجستيون , وبالطبع فان اي توافر للتقنيات وللمعرقلات الحربية الكلاسيكية يقللان بشكل كبير من الاعداد المطلوبة لحماية حدود البلاد .
================
خيانتان
================
لقد نُكب العراق ايّما نكبة , من خلال خيانتين حصلتا عند حدوده , وكان لهما تأثيراً خطيراً حتى هذه اللحظة , ويستحق المسؤولين عنهما لاقصى احكام التجريم .
كانت الخيانة الاولى قد بدأت منذ 2003 وحتى 2011 , فطيلة تسع اعوام تعمدت القوات الامريكية التي كانت مسيطرة على المفاصل العسكرية (ومنها قوات الحدود) الى فتح الحدود على مصراعيها وعرقلة اي جهد لضبطها , وساعد خنوع الساسة العراقيين والبعض من القادة العسكريين الى التقاعس في السيطرة على حدودنا , فكان تسلل الارهابيين من حدودنا الغربية بمثابة نزهة , بلا ادنى مخاطرة .
وكان السبب واضحاً لكل ذي عينين , ففي لحظة تاريخية كان هنالك توافق (او اتفاق !!!!) شيطاني بين بعض الدول العربية والقوات الامريكية في ضرورة تسلل عناصر القاعدة والتكفيريين للعراق , فالامريكان من جهتهم (برغم امكاناتهم التقنية الهائلة) اتاحوا للافغان العرب ان يتوجهوا لمقاتلتهم في العراق , باعتبار ان مقاتلة جنود بن لادن في هضاب وسهول العراق , اسهل بكثير من مقاتلتهم في جبال تيرا بورا , فكان العراق وفق تخطيط القوات الامريكية بمثابة قطعة الجبن الشهية التي يضعها صائدوا الفئران , وكان الامريكان يعلمون ان هنالك دولا خليجية واقليمية مجاورة للعراق تشجع الارهابيين بفتاوى جاهزة لقتال الكفار الامريكان والرافضة!!في العراق , وغضّ الامريكان الطرف , فتدفق الاف العرب الافغان والافراد المغرر بهم الى الحدود العراقية التي أريد لها ان تكون رخوة , فحقق الامريكان تكتيكهم باختيار ارض المعركة , فيما ذبح الشعب العراقي من الوريد الى الوريد وسط هذه المحرقة . وكان لخنوع الساسة الممسكين بزمام الامور في العراق , العامل المساعد في تغوّل الامريكان والارهابيين في آن واحد .
ثم جائت الخيانة الثانية الاشد من الاولى في الفترة من 2011 حتى 2014, فَبُعَيدَ انسحاب القوات الامريكية من العراق عام 2011 واندلاع حرائق ثورات الربيع العربي , وصلت الحرائق سريعا الى اذيال الثوب السوري الغارق في البنزين والعبوات الناسفة اصلا , فقد كان السوريون يلعبون بالاساس لعبة خطرة من خلال استجداء تعاطف دول الخليج , وبدافع احمق يتمثل بدفع ضرر الاحتلال الامريكي في العراق بحجة ان افضل طريقة للدفاع هي الهجوم وان من الافضل ان يغرق الامريكان في المستنقع العراقي , فكان ان تعاونت اجهزتهم الاستخبارية على اعلى المستويات لتسهيل عبور الارهابيين (الفوضى) الى العراق من خلال الحدود السائبة , الامر الذي سهّل امتداد نيران الارهاب الى الاراضي السورية .
وفي خضمّ اندلاع المعارك في سوريا , ووصول المجاميع الارهابية الى مدن سورية متاخمة لحدود العراق ,وتزامنها المسبق (بلا اية صدفة) مع ماسميت بساحات الاعتصام في الانبار والموصل وصلاح الدين , جائت الخيانة والجرم الثاني , حيث تغافلت المؤسسة السياسية الحاكمة والمؤسسة العسكرية المتواطئة معها (وممكن مع غيرها ايضاً) عن تحصين الحدود العراقية الغربية المحاذية للاردن وسوريا , وهو امر غريب وغامض في الاعراف العسكرية .
فالمتعارف عليه , ان اية دولة في العالم تسارع فوراً الى استنفار قواها العسكرية الحدودية , في حال وقعت اية اضطرابات في مدن حدودية لدولة مجاورة , بل ان هنالك دول استنفرت جيوشها عند الحدود لاسباب تافهة تتعلق باللاجئين المدنيين من نساء واطفال عزّل كما في هنغاريا في ازمة اللاجئين الاخيرة .
فكان وضعاً مريبا ان تصل معارك الارهابيين الى دير الزور والقامشلي المتاخمة للموصل , وتصل دفعات الارهابيين الى صحراء الرمادي والجزيرة , ولاتقوم الحكومة وقواتها المسلحة وقوات حدودها بأية اجراءآت استثنائية لتعزيز القوات العسكرية واستنفارها على حدود سوريا !!!!.
واذا بالقوات العراقية وقائدها العام يتحصنون داخل المدن في الموصل وصلاح الدين والانبار , ويتركون الحدود تلتهمها نيران الارهاب وتدفقات وتسليح وتدريب المجاميع الارهابية , دون ان تحرك ساكناً , فكانت قواتنا تدفن رأسها في الرمال فيما كان الدواعش يمهدون خطوطهم الاستراتيجية اللوجستية , ليصبح سقوط الموصل وباقي المدن غرب العراق مسألة وقت لاأكثر .
ان هاتين الخيانتين لايجب ان تمرّا مرور الكرام , ولابد من ان يحال مسببوها الى المحاكم العسكرية بجريمة الخيانة العظمى
==================
كي لاتقع الكارثة مجدداً
==================
لايكفي في مثل هذه الظروف بأن نندب حظنا , او في ملاحقة المتسببين بالكوارث الامنية , فلابد من ان نلتفت الى اسلم الطرق لتعويض مافاتنا كي لاتتكرر المأساة , وان ننطلق في تأسيس البنى التحتية الامنية والاقتصادية لحدودنا .
ذكرنا في مقدمة مقالنا ان الحاجة للجهد البشري في تحصين وحماية الحدود تقل كلما طورنا اساليب المعرقلات المحيطة بحدودنا .
والمعرقلا ت تتمثل ببنى كلاسيكية واخرى تقنية , فالبنى الكلاسيكية الواجبة هي مشاعل العثرة والاسيجة المكهربة والاعتيادية وحقول الالغام وغيرها مما يجب ان تتوافر بشكل كامل على طول الحدود .
وهنالك تقنيات باتت تستخدمها جميع دول العالم , منها كاميرات المراقبة الالكترونية والرادارات الحرارية والنواظير الليلية العملاقة (خصوصا في النقاط الجبلية والمرتفعة ), وكذا في استخدام طائرات بدون طيار مزودة بكاميرات عالية الدقة .
وهنا علينا ان نسجل استغرابنا من عدم امتلاك قوات الحدود لأية طائرة هلكوبتر من اي نوع !!! , وهو امر شنيع في ظل العوائق البرية والطرق البائسة الرابطة للحدود.
==================
طرق حدودية
==================
تتكون قوات الحدود , من نوعين من المجاميع , احداها مجاميع مرابطة على النقاط الحدودية مهمتها بمثابة الانذار المبكر , ضد اي عدوان او تسلل او تهريب او تجاوز على الحدود , ويتم ذلك من خلال توافر نقاط حدودية متقاربة , وتسيير دوريات مابين تلكم النقاط , واستخدام التقنيات التي نوهنا عنها لمراقبة الحدود , أما النوع الاخر من قوات الحدود , فهي الافواج الساندة التي تتدخل عند الحاجة وتنسحب في حالة استتباب الامن .
وكلا النوعين يلزم توافر سهولة حركة تحقق الانسيابية, مما يلزم بناء طريق معبد على مستوى عالٍ , يسمح حتى لهبوط الطائرات النفاثة عند الاضطرار (مهبط للطوارى).
ويكون هذا الطريق بمحاذاة الحدود من اقصاها الى اقصاها , وتتفرع منه طرق فرعية تصله بالمدن العراقية القريبة وبمعسكرات القوات الساندة وأخرى إلى المخافر الحدودية, ويكون هذا الطريق بمثابة النقطة الاخيرة للعراقيين القادمين من داخل المدن , ويبعد بمسافة بضعة كيلومترات عن الحدود وتكون المنطقة المحصورة بين الطريق والركائز الحدودية مواقع لحقول الالغام ومشاعل العثرة ومختلف المعرقلات وأرض حرام , وتبنى معسكرات قوات الحدود بمحاذاة ذلك الشارع العملاق .
وقد كان للقوات العراقية في عهد صدام الطاغية خلال حربه مع الجارة ايران شارعين من هذا النوع هما الشارع التعاوني (1) و(2)
ويتيح مثل هذا الطريق المقترح والجوهري , تقارب وتكامل النقاط الحدودية بسهولة بالغة , من خلال توفير آليات سريعة ومتينة (ونسجل هنا ان وزارة الداخلية قد تخبطت حين جعلت سيارات السلفادور الضخمة الصالحة لبيئة وطبيعة عمل الحدود , جعلتها بيد الشرطة داخل بغداد والمدن وحرمت منها قوات الحدود التي استعاضت بسيارات دفع رباعي اصغر واقل كفاءة).
وحين نقول ان مثل هذا الطريق الحيوي سيتيح التقارب والتكامل بين النقاط الحدودية , فليس معنى ذلك ان نرضى بتباعد النقاط تلك , ففي قواطع من حدودنا يصل بعد النقطة الحدودية عن الاخرى الى قرابة العشرين كيلومتر , وهو امر غير منطقي بالمرّة في الحالة العراقية بالذات .
==================
الافاق الاقتصادية للمنافذ الحدودية
==================
لايقتصر العمل الحدودي على الجنبة الامنية فقط , فالحدود بطبيعتها هي منافذ للتجارة والترانسيت والسفر والتجارة الحرة والكمارك وغيرها من النشاطات الاقتصادية المهمة ضمن عجلة الاقتصاد والاستثمار لأي بلد , ولاداعي للاسهاب في توصيف المنافذ الحدودية الخربة لدينا , فهي مهملة ورديئة الخدمات (إن وجدت) .
فالمنافذ الحدودية في دول العالم هي مجالات استثمارية ممتازة , ولاأسهل من تنشيط البيئة الاستثمارية في المنافذ الحدودية العراقية , من اجل بناء منافذ حدودية متكاملة الخدمات للسفر وللتجارة , من خلال بناء صالات حديثة ومريحة للمسافرين وتحوي على سلسلة مطاعم وكافيهات نظيفة ومنظومات صرف صحي وحمامات وموتيلات للاستراحة ,ومساجد , ومخازن وكراجات للسيارات الصغيرة وسيارات الحمل وسلسلة محلات للتسوق وسوق حرة , ناهيك عن مراكز للاتصالات ومراكز طبية وورش لتصليح العجلات ومسقفات خزن , بالاضافة الى استثمار المنافذ الحدودية لبناء مناطق تجارة وصناعة حرة , وبالامكان ان يتم الامر من خلال نظام التشغيل المشترك بين الشركات الاستثمارية ووزارة الداخلية , شريطة ان تكون هنالك منظومة محاسبية وادارية صارمة, تحد من الفساد المالي والاداري المستشري في الوزارات.
وبذا تتخلص الداخلية من اعباء ادارة المنافذ الحدودية وتنحصر مهامها في ادارة الكمرك والجوازات , وحينها ستكون لدينا منافذ حدودية ربحية وعاكسة لصورة حضارية , وتكون تلك المنافذ محمية من قبل افواج قوات الحدود القريبة منها , ونكون قد زاوجنا بين العمل الامني وتحريك العجلة الاقتصادية في مفصل اخر من مفاصل قواتنا الامنية , والله الموفق.
https://telegram.me/buratha