قرأنا عن وزراء إستقالوا، وآخرين إنتحروا، في دول متقدمة.. أو متخلفة تقدمت في ما بعد؛ وذلك عند ثبوت خلل ما، في عمل إحدى الدوائر التابعة لوزاراتهم.
والحالات الأكثر، من قبيل إنتحار وزراء؛ لأن الفساد تسرب من تحت مقاعدهم، هي تلك التي وقعت في اليابان بالدرجة الأولى، تليها السويد، ثم ألمانيا بعدد محدود ربما حالة واحدة، ولكن برغم محدوديتها، لا شبيه لها في العراق، ولن يقع لها شبيه او يتعظ بها مسؤول عراقي على الإطلاق.
وأحدث تلك الوقائع إنتحار وزير أمريكي، داخل المحكمة؛ ليس لثبوت الفساد عليه؛ إنما لمجرد إتهامه! وإستقالة وزيرة ألمانية، تعرضت للمساءلة لإستخدامها البطاقة العامة في تعبئة سيارتها الشخصية بالوقود؛ لأنها نسيت البطاقة الشخصية في البيت، وجاءت في اليوم التالي وسددت المقتطع العام من البطاقة الشخصية، لكنها إستقالت وعادت لعملها الوظيفي قبل الإستيزار، من دون المطالبة براتب تقاعدي، كما يفعل الوزراء والنواب في العراق!
لن ينتحر أي عراقي؛ عند ثبوت فساد في دائرة مسؤوليته؛ لأننا مجتمع يؤمن بلعبة المشاطرة، بدءاً من الزوجة، مع زوجها، مرورا بسائق الكيا والركاب، وليس إنتهاءً بالموظف في إستقبال المراجع، ولا الوزير إزاء المال العام!
ما يعني لو أن (آفة) الضمير تفجرت فجأة في عراق رمضت فيه المروءة، وجف ضرع الشهامة، ولم يعد سوى الفساد سيدا خصب التناسل، مثل الأرانب؛ لتطلب الأمر إنتحارا جماعيا.. الشعب والحكومة.. معا. وبعيدا عن تشاؤمنا، فلنتحدث عن تفاؤلهم.. الوزراء الذين المنتحرون ردا على فساد غفل خدعهم، شهداء عند الله، ولو ليسوا مسلمين؛ لأنهم عمدوا بدمائهم، قدوة حسنة، يستظل بفيئها المخلصون.
والدليل، تلك البلدان الثلاثة.. اليابان والسويد وألمانيا، هي دول الفائض الإقتصادي في العالم، ولأن الخير يخير، فهي بلدان الرحمة أيضا.. للغريب وعابر السبيل والأسير والمحكوم عليه في وطنه بالضياع.. تؤويه وتطعمه وتطمن وجوده، مؤمنة له عيشا كريما! فما قامت حضارتهم إلا لأنهم شعب آمن بالحياة، حد الشعور بأن لا مكان فيها لمغفل يتبوأ مسؤولية، لا يحسن أداءها، من خلال الحفاظ على المال العام، دون الفساد!
عودا الى واقعنا الشؤم، مسؤولونا يتهافتون على المناصب بقصد الفساد، يعني مع سبق الإصرار، على التنكر للطروحات المثالية التي يتاجر بها حزبه؛ لأن الأحزاب تعد الوزارات المنسبة لها، بموجب المحاصصة، مصدر مالي غير مشروع تحلله على نفسها، قسرا للدين والدستور، من خلال إلزام الوزير بتمويل الحزب من إبتزاز المراجعين.. عراقيين ذوي معاملات بسيطة او مستثمرين محليين وخارجيين، حتى لو لم ينجز المشروع؛ فالمهم ان تصل حصة الحزب الى (الملاج).
فمن ينتحر والضمائر تخشبت مستصخرة في جوف بركان يستعر بمنصهر من حمم تمور لهبا فظيعا، بينما نظيرنا المتحضر.. وهو ليس مسلما، ولا يجلد إبنته بحجاب محنك وقفازات تتعرق لها الأصابع الغضة.. يحتكم الى نقطة الصفاء الإلهي في وجدانه، مقوما للسلوك الأمثل، الذي يحتوي النفس التي لن تأمر بالسوء؛ إنسجاما مع نشأة أقرت الصح صحا والخطأ خطأ، من دون مواربة، بإعتبار دستورنا.. القرآن الكريم، حمال أوجه؛ أفاد منه العباسيون بتحويل حركة الفتح على الألف المهموزة والكسر تحت الكاف، في "أَنكِحوا غلمانكم" بمعنى زوجوهم، الى كسرة تحت الأولى وفتحة على الثانية: "أِنكَحوا غلمانكم" مشرعنين اللواط بأبشع أداءاته!
إذن نحن أمة تلوي كلام الله، محرفة القول عن مواضعه؛ لن يبارك بنفطنا الذي هبطت اسعاره ولن ترتفع؛ إذ "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
*مدير عام مجموعة السومرية
https://telegram.me/buratha