المقالات

مشروع التقسيم الأمريكي, وخيارات انهيار المنطقة.

1392 19:40:22 2015-05-02

قد تكون قضية تأخير عملية تسليح العشائر السنية من قبل الحكومة العراقية, في المناطق الساخنة أو المحتلة من قبل ارهابيي داعش, وكثرة الضغط الإعلامي الذي يحمل مناشدات العشائر السنية بتوفير السلاح لها, هي إحدى أهم الأسباب التي تحاول الحكومة الأمريكية التعكز عليها, من أجل تمرير قانونها بتسليح البيشمركة وعشائر السنة, كلٌ على حده, وأن تتعامل معهما كأنهما دولتين منفصلتين !

التصريح الذي صدر عن لجنة الشؤون الخارجية الأمريكية, يحوي في ثناياه قراءات متشابكة ومعقدة, ولكن النتيجة لمشروع التقسيم هذا إذا أريد إمضائه فعلا, هو إغراق المنطقة بحروب تمتد لعقود. 

تقسيم العراق الى مكونات ثلاث, يذهب بإتجاه تكوين جيوش صغيرة, سوف يتم تسليحها تسليحا كاملا, كما حصل في تقسيم يوغوسلافيا الى دول صغيرة: البوسنة والهرسك والكروات, إلا أن التجربة العراقية سوف تختلف كثيرا, فالعراق ليس كيوغسلافيا, والصراع الموجود في العراق يختلف عنه في كرواتيا, بإعتباره صراع يحمل جنبتين, عقائدية طائفية, وصراع عرقي, خاصة إذا ربطنا بين موجة الغضب العارمة, التي اجتاحت الأوساط العراقية السياسية والشعبية, بالضد من هذا المشروع, مع أعداد مئات الآلاف من النازحين السنة في المناطق الشيعية! 

تقسيم العراق سوف يوفر إمتدادا خصبا للقوى الإقليمية, ليكثر حظورها وتواجدها في العراق, وعبر مشروع التقسيم هذا, ستزداد حدة الصراعات بين الدول الإقليمية المتنافسها, والمحاور التي تدور في فلكها, خاصة وأن المنطقة تغلي بتنافس محموم بين طرفين, أحدهما يحاول وبطريقة هوجاء أن يثبت وجوده, وأقصد به الجانب السعودي- اسرائيلي, ومعه بعض دول الخليج, والثاني يحاول أن يخضع الكبار لطاولة مفاوضاته, وأقصد به إيران.
لا تحيط بالعراق في هذه الفترة أجواء مستقرة, لنتمكن من القول بأن مشروع الفدرالية سوف يقود الى تكوين بلد فدرالي, فالإصطفاف الطائفي الإقليمي على أشده, والحروب الإقتصادية مستعرة بين طرفين دوليين كبيرين, كل يريد انهاك الآخر اقتصاديا, وتداعيات هذه الصراعات لها امتداداتها الصغيرة في العراق, وأسسها القوية في الدول الإقليمية, وتداعياتها الكبيرة في القوى العظمى.

إذن أي عملية تقسيم ستحاول الإدارة الأمريكية القيام بها في العراق في هذه الفترة, إنما يعني سحب سلسلة متواصلة من العلاقات السياسية والإقتصادية الى الخراب والتشطي والتقسيم, إضافة إلى إزدياد الإصطفافات, بين الأطراف الصغيرة والكبيرة, خاصة إذا ربطنا كل ذلك بمحاولات التسلح المحمومة التي تجري في الدول الإقليمية, كل ذلك يقودنا الى أن عملية التقسيم المراد اجرائها, سوف تهيئ المناخات المناسبة لإشعال حرب كبيرة في أهم منطقة استراتيجيا وجيوسياسيا في العالم, وقد لا تقتصر تداعياتها على نفس الأطراف المتنازعة في المنطقة, بل إن فايروس الإصطفافات سوف يمتد ويتوسع لكل مكان في العالم.

وهذا هو تفسير المناشدات السياسية العراقية العقلانية, التي تذهب الى أن استقرار العراق وقوته, إنما يعني إستقرار المنطقة وقوتها, ومن ثم إستقرار العالم وقوته, وان تقسيم العراق انما يعني تشظيه, وتشظي المنطقة. 

جاء مشروع القرار الأمريكي هذا, في فترة مثلت فيها انقلاب للموازين لم يكن متوقعا, فإيران التي كانت ضمن محور الشر, بدأت تتحول شيئا فشيئا الى دولة صديقة, خاصة بعد عقد الإتفاق النووي مع الدول الكبيرة. في العراق, الحكومة التي كان من المتوقع أنها ستنهار, والدولة العراقية التي تأمل الكثير من المعادين, للتجربة السياسية العراقية الجديدة أنها ستنهار على يد داعش, أثبتت تلاحما وقوة, خاصة بعد الإنتصارات السريعة والمذهلة التي حققتها قوات الحشد الشعبي, وفصائل المقاومة الإسلامية المسلحة بمعية الجيش العراقي, مما رجح كفة القوة لطرف دون طرف.
لذا نجد أن قرار التقسيم هذا جاء, في ظاهرة ورقة تهديد وتخويف للحكومة العراقية, من أجل ما أسموه: ضرورة اشراك الكل بالعملية السياسية!, ولكن باطن الأمر يثبت أن هناك خوفا دوليا من قوة الإنتصارات التي تحققت لفريق وطائفة دون أخرى.
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآيديولوجيات السياسية المعاصرة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك