الأنبار تعاني من عدم الإستقرار الأمني, وعلى مدى السنين السابقة, حصلت فيها الكثير من الحملات العسكرية, التي تراوحت الإنتصارات فيها بين قوى الإرهاب وبين الجيش العراقي.
سخونة الأنبار شبه الدائمية, تعود لعدة أسباب, منها ماهو متعلق بطبيعة المدينة وبالتركيبة السكانية فيها, ومنها ما متعلق بموقعها الجغرافية, ومحاذاتها لحدود سوريا المضطربة, والأردن حيث مأوى الإرهابيين، إضافة الى الصحراء الكبيرة والمترامية الأطراف فيها, ما جعلها ملاذا آمنا للعديد من الخارجين عن القانون, ومن الإرهابيين العابرين الحدود.
قبل عام أو أكثر, كانت الأنبار تمثل حدثا سياسيا مهما, بالنسبة للمنظومة السنية في المنطقة وفي العراق, حيث أجتمع في ما كانوا يسمونه منصات الإعتصام, الآلاف من أبناء المدينة, ومئات من رجال دينهم وشيوخ عشائرهم ووجهائهم, في نوع من أنواع العصيان المدني, تحول لاحقا الى منطلق لصيحات الإنتقام والطائفية والقتل, ومع سوء تعامل الجانب الحكومي في ذلك الوقت مع هذه الفئة, تم استغلالها وتوظيفها من قبل دول اقليمية وعالمية, وتم زرع الإرهابيين في هذه التجمعات, وتحولت تلك المنصات الى منابر لتجنيد الإرهابيين.
بعد الإنتصارت التي حققها الجيش وقوات الحشد الشعبي البطلة وفصائل المقاومة الإسلامية, في عملية تحرير مدينة تكريت وباقي مناطق صلاح الدين, ومع انهيار دفاعات داعش, وخطوط تمويله, وخسارته واندحاره في كل المعارك تقريبا, وبعد أن لمس العالم الى قوة الإرادة الشعبية العراقية, وقوة فصائله المسلحة وتكاتفها, بدأت الخطط تأخذ منحى آخر, حيث أن تسليم الأنبار الى الحشد ليطردوا داعش منها, ليس بالأمر السهل الذي ستوافق عليه القوى الكبرى!
اهل الأنبار, وبعد هذه السنين الطويلة من الشد والجذب الطائفي, كانوا مخدوعين بأن هناك قطيعة طائفية بينهم وبين أهل الجنوب, قطيعة تم تغذيتها وبشكل محترف من قبل شيوخ السوء والفتنة في تلك المناطق, لذا نجد أن منصّاتهم السياسية, وتصريحات مسؤوليهم, كانت تصدح دوما بالعداء لمن أسموهم بالصفوية, من أخوانهم الشيعة.
انقلاب الموازين في الأنبار, وتغير خطابها الشعبي المطالب بأن يقوم الحشد بتحريرهم من داعش, أوقع السياسيين السنة ورجال الدين السنة في احراج كبير أمام جمهورهم, وأمام نظرائهم في دول المنطقة, فقبل عام من الآن, كانت أغلب أصواتهم تطالب حكومة المالكي بسحب الجيش العراقي من مناطقهم, وتتهمهم بأنهم صفويين تابعين لإيران, وبأنهم يقومون بعمليات تصفية وقتل ضد أبنائهم, وبدأوا تباعا بإصدار فتاوى التحريض والفتنة, من أجل ما أسموه الجهاد ضد الصفويين!
دخول داعش الى الموصل والأنبار وتكريت, أظهر كذب ادعائهم, فقد قتل داعش المئات من أبنائهم وذبحهم, ولم ينبري أي صوت من علماء دينهم أو سياسييهم (المنتخبين!) ب الإستنكار او التنديد, والذي حصل هو العكس من ذلك, حيث تعالت أصوات أهل تلك المناطق، راجين دخول الحشد الشعبي لتخليصهم. أبناء الأنبار هذه المرة يجب أن يواجهوا مصيرهم, لأن المعركة هذه المرة هي معركتهم المصيرية وهم بالذات من يجب ان يقف بوجه داعش, خاصة بعد أن اكتوى الحشد الشعبي بنار الإعلام الفاسد والمغرض لسياسي وشيوخ المنطقة الغربية, وهم يوجهون للحشد أبشع الإتهامات الكاذبة؛ فأبناء الأنبار, هم أولى بتحرير مدنهم والتضحية في سبيلها.
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآيديولوجيات السياسية المعاصرة.
https://telegram.me/buratha