المقالات

(نيسانُ) العِراقي (١)

986 01:47:33 2015-04-07

هُوَ أسوأ أشهر السّنة بالنسبة للعراقيين، لما يختزن في ذاكرتهم من مآسي وآلام على مختلف الاصعدة، ولولا تزامن ذكرى سقوط الطاغية الذليل صدام حسين ونظامه البوليسي الاستبدادي في هذا الشهر (٩ نيسان ٢٠١٣) لفكّر العراقيّون، ربما، في ان يمحوه من حياتهم وذاكرتهم حتى لا تتكرر أوجاعهم وآلامهم القاسية مع حلول ذكرياتها كل عام. صحيح ان (نيسان) هو شهر الكذبة المشهورة باسمهِ، الا انها في العراق تحولت الى حقيقة مؤلمة وقاسية للاسف الشديد.

كلّ شعوب العالم تتناقل كذبتَهُ بفرحٍ ومرحٍ، الا الشعب العراقي الذي يتناقلها بحزن وأسى وألم!. ولانّ ذكرياته قاسية ومؤلمة جداً، لذلك فانّ تجاربها ودروسها وعِبرها عظيمة جداً، وربّما لهذا السّبب يحتفظ العراقيون بها، في محاولة منهم لاستذكار التجربة وما تعلّموا منها للحيلولة دون تكرارها.
في هذه الحلقات من هذا المقال، سأحاول ان استذكر مع العراقيين بعض هذه الآلام لأستخلص من كلِّ واحِدَةٍ منها درساً، فالجيل الجديد ربما لم يعرف شيئاً عنها، او انّه سَمِعَ بها ولكّنه نسيها، ومن الواضح فانّ من ينسى التاريخ لا يقوى على فهم الحاضر والتخطيط للمستقبل، ولذلك فليس عبثاً ان لهواً ان يدوّن القرآن الكريم الكثير من تجارب الامم والقرون الماضية، انّما لنتعلّم منها الدّروس والعبر، فالتجارب الانسانيّة ملكٌ مُشاع لكلِّ البشرية، لا يمكن لاحدٍ ان يحتكرها او يحصرها في زمانها ومكانها ابداً.

اولاً؛ ففي نيسان عام ١٩٤٧ تأسّس النهج العروبي القومي العنصري الشوفيني، كحزبٍ (سياسي) يرنو بعينه الى السلطة ليستولي عليها بأيّ شكلٍ من الأشكال، لينتقلَ الى العراق بسرعة البرق، بهدف تدمير الأسس الوطنيّة التي ظل العراقيون يحتفظون بها، على الرّغم من سياسات التتريك مثلاً ومن ثم السّياسات الطائفيّة والعنصرية وغير ذلك.

ولقد سعى هذا النهج الى تحقيق غاياته المدمّرة من خلال ما يلي؛

الف؛ التركيز على (العلمانيّة) السّلبية وليست الإيجابية، من خلال استعدائه للدين وما يتعلق به من فكر وثقافة ومؤسسة وشعائر وكلّ شيء.

باء؛ ترسيخ النّهج الطائفي بشكل واسع جداً، سواء من خلال السّياسات العامة التي كان ينتهجها، او من خلال الثقافات الطائفيّة التي كانت تمتلئ بها كل وسائله الإعلامية فضلاً عن المناهج التعليمية، بمختلف مراحلها الأولية والجامعية، وكذلك على مستوى التأليف والنشر.

جيم؛ صناعة الطّاغوت من خلال تكريس ظاهرة عبادة الشخصية، عندما لخّص هذا التيار الدّولة والسّلطة والنظام وكل المؤسسات بشخصٍ اعتبرهُ ابواقهُ وجوقة المطبّلين والمزمّرين القائد الضرورة والرمز الأوحد.

ولقد لعبَ جيشٌ من اساتذة الجامعات المنتمين لهذا التيار الشوفيني دورٌ في تكريس ظاهرة عبادة الشخصية، من خلال تشجيع طلبة العلوم الانسانية في الجامعات العراقية على الكتابة والبحث في كل حركةٍ وسَكَنةٍ تبدر من (القائد الضرورة) لينالوا بها شهاداتهم (الأكاديميّة) و (العلميّة) العالية وبدرجات التفوّق مسبقاً!.

دال؛ إضعاف قيم المواطنة والانتماء الوطني من خلال سياسات التّمييز الطائفيّة والعنصريّة التي كرّسها النظام على مختلف المستويات، فضلاً عن الحروب العبثيّة التي ظلّ يشنها على هذه الشريحة من المجتمع او تلك، الغرض منها تفتيته ليسهل عليه إحكام قبضتهِ الحديديّة.
لقد ملأ هذا التيار (العروبي الشوفيني) مناهج التعليم بالقيم الشوفينية والعنصرية، ما اثار ردودَ فعلٍ صامتةٍ في نفوس المجتمع، عندما بدأ يشعر كلّ مواطنٍ انّ انتماءه الوطني مُستهدف من قبل هذا التيّار، تارةً بانتمائه القومي، الكرد والتركمان وغيرهم، وتارةً بانتمائه المذهبي، الشيعة تحديداً!.

هاء؛ تكريس مفهوم السّلطة كمحورٍ أوحد على حساب مفاهيم الدولة التي ألغاها هذا النهج الشوفيني بشكلٍ كاملٍ، وذلك من خلال؛

ا/ تسخير القوّات المسلّحة كأداةٍ وحيدةٍ في عملية بناء السلطة.
٢/ تصفية كلّ مظاهر المعارضة وبشكل مرعب.
٣/ بناء منظومة أمنيّة وظّف فيها المواطن كجاسوسٍ ومخبر، حتى تحوّل العراق، وبجدارةٍ، الى ما سمي بدولة المنظّمة السريّة.
٤/ حوّل العراق الى بلد الميليشيات المتعددة والتي بسط يدها بالكامل، فكانت تحمل اسماء وعناوين متعدّدة تنتشر في المجتمع.
٥/ تبنّي سياسة العدوان كمنهج ثابت في فرض أجنداته في المنطقة، من خلال شنّه للحروب العبثيّة ضد الجميع.
٦/ كذلك اعتماد منهجيّة (صناعة الأزمات) سواء في الداخل او مع الجيران والمجتمع الدولي، انتهت بالعراق الى الاحتلال والغزو وضياع سيادته واستقلاله.
يتبع

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك