المقالات

أَلْحَشْدُ؛ هَوِيَّةُ وَطَن

976 02:27:26 2015-03-24

كلّما ترسّخت الهويّة الوطنيةّ عند العراقّيين، كلّما تقلّصت الهويّات الضيقّة التي يسعى الارهابيون لتوظيفها في هجمتِهم البربرية، يدعمُهم بذلك الاعلام الطّائفي والسّياسة الطّائفية لدول وجماعات وأفراد، والعكس هو الصّحيح، فكلّما ضعُفت هويّتهم الوطنيّة كلّما نمَت العنصريّة والطّائفية والتمييز المناطقي وغير ذلك.

ولهذا السّبب تؤكّد المرجعيّة الدّينيّة العليا، بمناسبةٍ وبغيرِ مناسبةٍ، على كلّ ما من شأنه ترسيخ الهويّة الوطنيّة التي ضعُفت بدرجةٍ كبيرةٍ في عهد نظام الطّاغية الذّليل صدام حسين بسبب سياساته العنصريّة والطائفيّة التي ظلّ يرسّخها في المجتمع العراقي على حساب الانتماء للوطن، فكانت ُتنتج ولاءات ضيّقة ومحدودة اضطّر لها المواطن رغماً عَنْهُ بعد ان ظلّ يفقد كلّ خصوصيّاته وامتيازاته الوطنيّة، ربما منها وعلى رأسها إسقاط الجنسيّة والذي يعني عدم الاعتراف بولادته على هذه الارض، كما حصل ذلك للملايين من العراقيّين من شريحة الكرد الفيليّين، او كما حصل لعدد من أعاظم شعراء العرب والعراق، منهم الشّاعر محمد مهدي الجواهري والبياتي وغيرهما الكثير.

ولقد فعلت اليوم خيراً مجموعة من العلماء الاعلام من الشّيعة والسّنة، عندما عقدوا في العاصمة الإيطالية روما [اللّقاء الاوّل لعلماء المسلمين] بمبادرة مشتركة من (دار العلم للامام الخوئي) و (جماعة علماء العراق) تمّ التاكيد في البيان الختامي للّقاء الذي دام ثلاثة ايام، على ضرورة ترسيخ الهويّة الوطنيّة في العراق لتجاوز كل انواع التمييز الذي ظلّت الأنظمة المتعاقبة تنتهجُه كثابتٍ سياسيٍّ لم يتغيّر منذُ تأسيس الدولة العراقية الحديثة مطلع القرن الماضي، وحتى سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ عندما سعى العراقيون لالغاء هذا الثابت من خلال أدوات الديمقراطية، ليواجهوا الدّم كثمنٍ لهذا التغيير، وللاسف الشديد!.

اتمنّى ان تتكرّر هذه اللّقاءات وتستمرّ وتتّسع لتشمل علماء بقية الأديان والمذاهب في العراق، من جانب، ومختلف شرائح المجتمع من مثقّفين ومفكّرين وإعلامييّن وناشطين ومنظّمات مجتمع مدني واساتذة جامعات، ومن مختلف مكونات المجتمع كذلك، لان هذه الحركة الفكرية والثقافية المشتركة ستساهم بشكلٍ كبير ٍجداً في تجاوز كلّ الانتماءات الضّيقة التي يعتاش عليها الارهابيون، من جهة، وتكرّس الهويّة الوطنيّة التي ستقضي على كل انواع التّمييز من جانب ثان، وتساهم في بناء دولة القانون التي تعتمد المساواة في الحقوق والواجبات بين كلِّ المواطنين من دون تمييز، من جانب ثالث، وتحمي العراق من التمزّق والتفتّت والصّراعات الدّاخلية والازمات السياسيّة التي يعتاشُ على نتائجها المدمّرة السياسيّون الطائفيّون والعنصريّون والفاشلون، من جانب رابع.

انّ المواطن في ايّ بلدٍ في العالم لا يشعر بمواطنيّته اذا تمّ التعامل معه على أساس انتمائهِ الديني او المذهبي او المناطقي او الاثني، فيتم تقسيم المواطنين الى درجات! لانّ كلّ هذه الهويات منفصلة تضيقُ بالمجتمع، وتسحق حقوق الانسان، وتبقى الهويّة الوطنيّة دائماً هي الهويّة الوحيدة التي تستوعب الجميع.

ولذلك، فعندما أكّدت المرجعيّة الدينيّة العليا، اكثر من مرّة، على وجوب ان لا يرفع الحشد الشّعبي المبارك، وبقية ابناء القوات المسلّحة، غير علم العراق في كلّ جبهات القتال ضد الارهاب، فانّما من اجل ان يظلّ هذا الحشد العظيم، عراقيّ الهوية والهوى والولاء وكلّ شيء ليستوعب المقاتلين من مكونات المجتمع العراقي بلا تمييز، كونه حشداً لتحرير العراق، كلّ العراق، والعراقُ للجميع وانتصاراته للجميع ونتائج المعركة للجميع.

بناءً على هذه الحقيقة، راينا كيف انّ المواطن الّذي يغلّب هويّته الوطنيّة على الهويّات الضيقة الاخرى وقف مع الحشد، بغضّ النظر عن دينهِ ومذهبهِ واثنيّتهِ ومناطقيّتهِ، امّا المواطن الذي يغلّب هذه العناوين على الهويّة الوطنيّة فلقد رأيناه كيف يطعن بهويّة الحشد ويتمنى لو انّه لا يحقّق انتصاراً يُذكر على الارهاب، كذلك بغضّ النّظر عن خلفيّته وانتمائه.

ان الالتزام بتوجيهات المرجعيّة الدينيّة العليا ستخلق من الحشد الشعبي هويةَ وطن تؤسّس لعراقٍ جديدٍ يتجاوز كلّ المسمّيات الضيّقة والهويّات المحدودة في بلدٍ يفتخر منذ القدم بتعدّديته وتنوّعه في كلّ شيء، الأديان والمذاهب والفرق والجغرافية والحضارات وكل شيء، وسيفشل فشلاً ذريعاً كلّ من يحاول تقسيم العراقيين الى درجات، فكلّ مواطن عراقي هو من الدرجة الاولى حصراً، فلقد ولّى زمن التّمييز، وانّ عقارب الزّمن العراقي لن تعودَ الى الوراءِ، عندما يكتب التّاريخ الجديد أبطال الحشد الشّعبي.
 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك