راهنت اكثر الأطراف الدولية والإقليمية, على تصور تبلور لديهم بعد سقوط النظام البعثي عام 2003, نابع من انطباع عن الجيش العراقي بشكل عام, وعن الشعب العراقي بشكل خاص, بأن هذا الشعب لا يستطيع ان يدير أمور نفسه, وأن جيشه وأبنائه لا يستطيعون الدفاع عن قضايا بلدهم المصيرية, بلا تدخل ومساعدة خارجية مباشرة وكبيرة! لذا كان الجانب الدولي الذي كان في نيته أن يشكل قوة دولية, لتحرير اراضي العراق من عصابات الإجرام الإرهابي, يعتقد جازما بأن تدخله هو من سيحسم مصير المعركة!.
تشكيل قوات الحشد الشعبي البطلة بعد فتوى سماحة الإمام السيستاني, وضع معادلة جديدة على أرض العراق, معادلة العقيدة (الوطنية الدينية), أي ان المقاتل من الحشد الشعبي, ومن فصائل المقاومة الإسلامية المختلفة ومن أبناء جيشنا, لم يعد قتالهم على أرض المعركة, نابعٌ عن روح وطنية فقط, أو عقيدة دينية فقط, بل ان هناك حالة امتزاج قوية وواضحة بين المعنيين, أدت وستؤدي في المستقبل, الى بروز حالة اجتماعية واضحة, نابعة من موقف وأزمة قوية مرت بالبلد, تم التعاطي معها بشكل ايجابي من مختلف فصائل المجتمع العراق, انتجت وحدة صف وموقف, ووحدة أسس تستطيع أن تقف عليها قضية انشاء الدولة العصرية العادلة.
ملامح القوة التي برزت بعد انتصارات الحشد الشعبي, والتي نتج عنها ملامح قوة في توحيد المواقف, لدى اغلب مكونات الشعب العراقي, كما هو الحال في وقفة أبناء العشائر السنية في المنطقة الغربية, مع المتطوعين من أبناء الحشد الشعبي, كل ذلك أجبر الأطراف الدولية على تغيير قرائتها للموقف, خاصة وان هذه القوة الدولية بكل امكاناتها وعدتها, وضعت خطة مرسومة للقضاء على داعش, في مدة أمدها سنتين, بينما نجد أن الحشد الشعبي استطاع ان يكسر معادلة الزمن, وتمكن من قطع شوط كبير عبر انتصارات متواصلة على أرض المعركة, وهذا الأمر خلق الكثير من حالات التعجب والذهول لدى القوى الدولية, حيث ثبت مرة أخرى خطأ قرائات مراكز بحوثهم الإستراتيجية!
انتصارات معارك الحشد الشعبي, مع انها معارك حصلت بالسلاح, إلا أن تمازج الروح الوطنية والعقائدية فيها, جعلها تسير بطريق تطوير خطاب التسامح والتقارب, خاصة بعد أن لمس اهالي المناطق المحتلة من قبل عصابات داعش, حسن أخلاق وتعامل أغلب قوات الحشد الشعبي والجيش العراق, الذين حرروا هذه الأراضي, وكذلك ستؤدي لغة التسامح الناشئة الآن, إلى إعطاء فرصة لبعض القيادات السياسية السنية, خاصة بعد إفلاس اغلب خطاباتهم ووعودهم السياسية, بعد سيطرة داعش على أراضيهم, حيث ان هناك فرصة مهمة لهم, لإعادة انتاج خطاب أكثر اعتدالا وتلائما مع المفهوم الجديد للدولة العراقية.
ما يؤكد هذا التوجه لدى البعض, منهم هو ما أتى على لسان رئيس البرلمان سليم الجبوري, والذي أكد على ضرورة وجود توافق من أجل امضاء وثيقة الإتفاق السياسي, حيث تعد هذه إحدى الرسائل المهمة الى رغبة الكثير من سياسيي السنة, البدأ بصفحة جديدة وتبني خطاب أكثر وطنية, بعيدا عن الطائفية والتطرف.
اذا تغافلنا عن الدور الإقليمي والدولي في هذه المعركة, فإننا سوف نبني قراءاتنا على أسس مخطوئة؛ والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه اللحظة الحرجة: هل ستوافق القوى الخارجية, بما تحقق على الأرض ؟!
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة.
https://telegram.me/buratha