بعد الويلات والويلات التي لحقت بهذا الشعب الصابر, وبعد الخراب والدمار الذي لحق بهذا البلد بكل تركيبته السياسية والإقتصادية, بل وحتى المجتمعية؛ وبعد كل ما لحق العملية السياسية من خراب وتشظي, وتَحَوّلٌ في نمطيات التعاطي الأصولية التي تهدف الى البناء, لا الخراب؛ أقول مع كل ذلك, تحققت إرادة التغيير.
المشكلة هنا, أو الموضوع الرئيسي في مفردة التغيير, يحتاج الى وعي بمضامينه ومساراته؛ فليس تغيير الأشخاص هو الهدف النهائي المناط من مفهوم هذا الفعل, بل أن التغيير يُقصد منه تغيير آليات عمل, ومتبنيات وقناعات فكرية, وأدوات تعاطي, سواء أكانت أدوات وظيفية, أم أدوات إجرائية, تكون محكومة بمجموعة قيم وأفكار, تؤمن بها مجموعة قائمة على الحكم وماسكة لزمام السلطة .
إذن, فما حصل من تغيير توافقت عليه كل القوى المؤثرة والحاكمة في العراق, والمرجعيات الدينية, وأكثرية كبيرة من الشعب العراقي, بل وتوافقت عليه حتى القوى الإقليمية والدولية؛ أقول أن هذا التغيير لم تكتمل مراحله بعد, ولم تُختم حلقاته الى الآن؛ فما حصل هو تغيير شخص المالكي فقط؛ ولكن, هل أن شخص المالكي الوجودي, فقط هو ما كنا نحتاج الى تغييره؟ طبعا لا. لأن المالكي قد أسس بنية سلطوية قائمة, تحمل ثقافة سلطة بنكهة معينة, توافق عليها أغلب المؤثرين في سلطته؛ إضافة الى وجود آلية ونمطية للتفكير, وثقافة حكم قد ترسخت على مدى الأعوام الثمانية الماضية, لدى معظم القادة السياسيين المتعاطفين معه.
لقد انقسمت الإرادات السياسية في العراق الى فئتين: أقلية تريد تشكيل سلطة الأغلبية, وهي المتمثلة بالسيد المالكي وأغلب رجال كتلته, وبعض المتعاطفين معه. فئة أخرى نادت بأن يكون الحكم هو حكومة شراكة, يتم فيها تمثيل المكونات, وهذا الرأي كان يمثل رأي أغلبية القوى السياسية المعارضة للمالكي, وتبعها رأي المرجعية الدينية الشريفة, مؤيدا ومؤكدا, وكذلك أيده الموقف الدولي والإقليمي؛ لذا نجد أن هذه القوى المتعددة والقوية والمؤثرة, والتي مثلت " إرادة جمعية", قد ساعدت على طي مشروع الأغلبية بكتاب النسيان, وإبعاده عن ساحة العراق, التي بدأت تشتعل فيها الكثير من نيران الفتن والمشاكل, فكانت الرؤية المعارضة لهذا المشروع, رؤية صائبة؛ إذ لو سُمِح لمشروع الأغلبية بأن يرى النور في خضم هذه الأحداث, لكان كالوقود الذي يُسكب على النار فيزيدها انفجارا وحرقا وإحتراقا!
بعض رجال قادة دولة القانون من أتباع المالكي, يحاولون الضغط على السيد العبادي, ليتبنى خيار حكومة الأغلبية, بعد أن مرت عملية تشكيل الحكومة, ببعض المخاضات والصعوبات, وفي رأيي أن هذه الصعوبات هي مسالة طبيعية جدا, فكل تشكيل وكيان سياسي يأتي الى المفاوضات, وهو محمل بآمال وبسقف للمطالب, وليس بالضرورة أن يحصل الكل على ما يريدون, بل أن الأرقام والنسب, وقوة المفاوضين, هي من تجعل السفينة تسير بعد ذلك بمسارها الطبيعي, دون أن تهتم بالعواصف أو الأمواج العاتية.
نصيحتي الى إثنين من صيادين السمك السياسي في هذه العملية, أن يرجعوا الى ضمائرهم قليلا, ليجنبونا ويلات ندائاتهم الغير سوية, وهم:
السادة من دولة القانون الذين يغردون بحلم حكومة الأغلبية.
وقناة العراقية (الرسمية!) التي بدأت تتناغم معهم في تغريداتها الإعلامية!!
إلى ذلك, وددنا التنويه.
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة.
https://telegram.me/buratha