حسن الراشد
لعبت المرجعية الدينية الشيعية دورا بارزا في تاريخ العراق السياسي ولم يقتصر دورها فقط على العلوم الدينية والفقه والاصول بل تخطت لتصل الى محطات مهمة رسمت للعراق خارطته السياسية وحددت لها مسارا يحفظ للناس حقوقهم وللبلاد استقلالها ،فقد تحولت الكوفة تاريخيا ومن بعدها السامراء كربلاء والنجف الى مراكز قيادية تدار عبرها شؤون الامة والناس وكان الحكام واهل السياسة يحسبون الف حساب لرأي المرجعية الشيعية عندما ينوون اتخاذ اي قرار يمس بمصالح العامة وشؤون البلاد الاستراتيجية ولم يتجرأ الحاكمون تجاوزها الا غيلة او خلسة او بتدبير في ظلام !
وقد سعى السياسيون ورجال الحكم في فترات مختلفة ومتقاطعة تهميش دور المرجعية الدينية الشيعية واقصائها عن الحياة السياسية رغم دورها الارشادي وزهدها الاخلاقي في التدخل المباشر في الشأن السياسي الا انها وفي منعطفات تاريخية ولحظات حساسة من حياة الناس والامة كانت تترك بصماتها واضحة على كل الاصعدة سياسيا وثقافيا واجتماعيا وفكريا وحتى الاقتصادية وكان العراق بحكم موقعه الاستراتيجي وما كان يمثله من مركز اشعاع للعلوم وما كانت تمثله المرجعية من مصدر للاصلاح والتأثير الحضاري قبلة العشاق من مختلف البلدان ،هذا الموقع وهذا الدور للمرجعية دفع المستعمرين والظلمة لشن غزواتهم الاجرامية للعراق واحتلاله ولم يكن الاحتلال العثماني اوله ولا البريطاني اخره ولا الاحتلال الامريكي وثم التفكيري نهايته بل استمر الغزاة من مختلف المشارب باعتداءاتهم على العراق وكانت المرجعية الشيعية في صدارة المقاومين للغزاة بمختلف الطرق والوسائل وكانت مواقفهم الشجاعة وفتاويهم المشجعة على نصرة المظلوم ومحاربة الظالم محل اعجاب ومحور استقطاب ولم يشأ اي من الحاكمين ان يتجرأ على معاداة المرجعية الشيعية دون ان يفقدوا عروشهم ويتهاووا الى الحضيض وكانت النجف الاشرف تشكل ثقلا مرجيعيا دينيا قياديا ومحوريا تآمها الشعوب المسلمة من مخلتف الاصقاع وكانت تتبادل الدور القيادي مع سامراء رغم ان الاخيرة لم تكن مقرا دائما للمرجعية الشيعية الا انها حظيت في فترات خاصة بدورمهم في قيادة الثورات والانتفاضات ضد المستعمرين والمستبدين كثورة التبع او "التنباك" التي انطلقت في ايران وقادها المرجع الاعلى للشيعة في ذلك الزمان من سامراء وكان بفتوى من جملة واحدة يشعل النار تحت اقدام المحتلين وينهض الجماهير في ايران من اقصاها الى اقصاها ثم تعوة القياة مجددا الى النجف الاشرف حيث المركز والمحور لينتفض المرجع الاخر وهو الشيخ محمد تقي الشيرازي ويآزره كل مراجع الشيعة ضد الاستعمار البريطاني في العراق في ثورة العشرين المعروفة وتتحرك عشائر العراق جنوبا وشمالا وشرقا ووسطا ضمن جبهة مقاومة موحدة ترفع السلاح بوجه المستعمرين وتتبنى مواقف المرجعية الشيعية في النجف وتحارب البريطانيين في ملحمة لم يعرفها تاريخ العراق السياسي .
سقوط صدام وقيام نظام انتخابي برلماني في العراق اعاد للمرجعية الدينية الشيعية رونقها ودورها ولم يستطع الامريكيون الذين احتلوا البلاد لفترة ولا السلطات السياسية تجاهل دور المرجعية الشيعية الجميع كان يسعى لكسب رضاها رغم ابتعادها التدخل المباشر في الشؤون السياسية الا ان السياسيين ورجال الدولة كانوا يحسبون حسابها وتوخي الحذر في اثارة هواجسها الا ان الامور بدأت بعد تعثر عجلة الاصلاحات في البلاد وانكفاء حزب السلطة في شرنقة مصالحه الضيقة وابتعاده عن هموم الناس ومشاكلهم تتغير وتتجه نحو التصادم مع اهداف والمبادئ التي دعت المرجعية الشيعية لتحقيقها والمتمثلة في العدالة ونشر الامن ورفع الفقر والعوز عن الطبقات الاجتماعية وتوفير الحد الادنى من السكن الصالح وتوزيع الثروة وتطبيق بنود الدستور بشكل صحيح حيث ان السلطة السياسية التي استلم المالكي مقاليدها لفترة 8 سنوات ليس فشلت فحسب في تلبية حاجات الناس ومطالب المرجعية الشيعية بل توجهت نحو نهج الحكام السابقين وتجاهل دورها والسعي لاقصائها ومحاربتها ضمن برنامج حزبي فئوي خبيث يستهدف تهميش المرجعية الشيعية وابتزازها عبر اساليب ماكرة لم تضع مصالح المكون الاكبر في العراق وجعلت مستقبل الشيعة في خطر حقيقي خاصة بعد فشل حكومة االمالكي في استئصال الارهاب وضرب حواضنه ولجأت الى اساليب الافتراء والكذب والتدليس لتبرير فشلها .
واليوم المرجعية الشيعية تطالب بالتغيير وانتخاب الكفاءات وعدم تركيز السلطة بيد حزب واحد او طرف لم يفكر في مصالح المكون الاكبر ويترك مصيره نهبا للمجهول او للارهاب كما ان المرجعية الشيعية تريد من الشيعة المشاركة بقوة وبشكل اوسع في الانتخابات القادمة والتصويت لممستقبهم السياسي من خلال اختيار الافضل والاكثر حرصا على مصالح المكون الاكبر كي لا يعود العراق مجددا الى قبضة القتلة والمستبدين والطائفيين .
https://telegram.me/buratha