بسم الله الرحمن الرحيم
في فترة حكم الطاغية كانت العلاقات العراقية السورية منعدمة تماما ً كما هو معلوم حتى عام 2000 عندما بدأ الاعلام يقدم لنا اعمالا ًسورية على شاشة التلفاز وكان هذا امر غير مألوف وفـُتح باب السفر لها للتجار شريطة دفع ضريبة السفر الكبيرة بالنسبة لمواطن يعيش حالة حصار اقتصادي وأيضا كان هذا الانفتاح على سوريا من الامور المستغربة .
الى ان الاغرب هو ما حدث في احدى صباحات شهر كانون الثاني عام 2003 حينما اطل علينا مذيع على التلفاز بعد فاصل موسيقي يسبق الاخبار المهمة ليخبر الشعب الاسير من ان لا ضريبة بعد اليوم على سفرهم ؟! وقد كانت الاخبار جد متوترة من ان حربا ً ستقع على العراق .
وما ان هلّ شهر شباط حتى اكتضت دائرة الجوازات بالناس حيث عطلة نصف السنة اذا انه يمنع على الطالب مغادرة البلاد الا في هذه الفترة ووجدت نفسي مع عائلتي في منطقة الصالحية مع عشرات المواطنين نركب الباص الذي يقلنا الى سوريا في سفرة قصيرة ان لم تحدث حرب والا فهي مفتوحة الى ما شاء الله وكانت الحافلة تقل اربعة الى خمس عوائل لا اكثر والباقي كلهم شباب دون الثمانية عشر عاما ً ملئوا حضن امهاتهم دموعا ً قبل صعود الحافلة في منظر يقطع القلوب هروبا ً من ازمة ربما تحدث وبحثا ً عن عمل او للهروب الى لبنان كما كان يتحدث الشباب .
وصلنا الى الحدود عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل وجمع السائق الجوازات على امل ارجاعها بعد ختم الخروج ولكن الملفت للنظر ان كما ً كبيرا ً من الباصات كان هناك ومرت الساعات ولا شىء وتحولت الباصات الى ثلاجات بمعنى الكلمة اثر البرد القارص ذلك العام واعلن الفجر عن صباح يوم جديد ولا جديد حتى تبادر الى اذهاننا من انهم سيرتبون لنا مقبرة جماعية بسبب الهروب حيث كان الضباط يرموننا بجمل التخاذل وما ان بدئت الشمس بالارتفاع حتى قدمت شاحنات كثيرة , عشرات الشاحنات عبرت الى سوريا ولا احد يعرف ما فيها وامام مرأى الناس ولكن بدون ان يتحدث الى سائقيها احد فلقد كانت قطاعات من العسكر معهم .
ومن ما زاد مخاوفنا في ذلك اليوم ان ضباط الحدود قد نادوا من كان عربي الجنسية من بيننا واركبوهم حافلات ودخلوا سوريا مما يدل ان المنظومات ليس فيها شيء والا كيف عبر هؤلاء وكلما سألنا قالوا ننتظر اوامر من بغداد !! عبرت الشاحانات لساعات طويلة من بداية الصباح حتى ما بعد الظهيرة وباللهجة العامية ( عين عينك ) فالبعض تهامس من كون المحتوى ما تبحث عنه امريكا وقد تم تأمينه في سوريا واخرون توقعوا سلاحا ً او نقوداً او كنوز العراق ونحن منتظرون .
وعند الساعة الثالثة ظهرا قالوا تجمعوا امام شباك وصاروا يقرأون الاسماء وقد خلطوا جوازات الجميع بحيث من المستحيل ان تخرج حافلة لانه ليس جميع ركابها حصلوا على جوازاتهم وكأن الامر متعمد والتدافع كان كبيراً لتحصل على جوازك او تسمع اسمك ففي ثواني ان لم تصل يرميه ويقرأ غيره استمرت المسرحية لمدة ثلاث الى اربع ساعات حتى ادركنا المغرب وعبرنا وقد متنا الف مرة وكنا من الاوائل الذين دخلوا سوريا قبل شهر محرم وما ان حل محرم حتى بدأ التوافد بشكل غير طبيعي وكنا نسأل عن تعاملهم وقد ساء جدا ففي تلك الايام باتوا يضعون الجوازات في اكياس ويرمون المحتوى من الاعلى فتتلاقف الناس جوازاتهم من الارض فينزل عليهم الضباط ضربا ً بالعصا .
الاسئلة التي تدور الان في ذهني بعد هذا الطرح و خاصة بعد احداث سوريا هي :
لماذا انفتح العراق على سوريا في تلك الفترة الحرجة بعد انقطاع دام لاكثر من عقدين ؟
ما نوع ما تم تهريبه الى سوريا في تلك الايام ؟ ( ان كان تهريباً )
ما سبب عدم رؤية جوازات العائدين الى العراق في نيسان رغم وجود قوات امريكية على الحدود مع عراقيين واكتفوا بان انزلوا الرجال وتأملوهم لدقائق وعبرت عشرات الحافلات لاسابيع بمعدل 10 حافلات او اكثر في اليوم الواحد .
لماذا تم رفع الضريبة وهل نزلت الرحمة في قلب صدام على شعبه ان اذهبوا وانا اقاتل وحدي ؟ وان كانت مكرمة فلماذا الاهانة عند المعابر الحدودية ؟
هل كان دفع الضريبة حافز لدخول سوريا ؟ ولماذا ؟ لترجع معنا حافلات ارهابية بدون ان يشعر احد؟
هل هناك من دبر لكل هذا ؟ هل هذا مخطط له لمرحلة ما بعد صدام ؟
هذا ونترك الامر لخيال القارىء الكريم لينسج مما طرحنا ما يقنعه ولكن ومهما بلغ مكر الماكرين بالعراق واهله فلن يقف بوجه الارادة الالهية ان قررت نصرنا اذا ما توجهنا اليها باخلاص اللهم بحق هذه الليالي المباركة نسألك ان تنصرنا على القوم الكافرين.
اختكم المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha