من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي وتاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية النجف الاشرف
لقد كرم الله (تبارك وتعالى) سيّد الشهداء الأمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) بأعظم وسام؛ وأعطاه أرفع منزلة في الدنيا والآخرة، خص بها عباده المخلصين؛ وذلك عندما كرّمه بالشهادة, بل خصه باسمى درجاتها, ولهذا كان من مختصاته أن ْيلقب (سيد الشهداء) دون غيره من أهل البيت (عليهم السلام),لم يدانيه فيها أحدً مِنَ العالمين في تلك المنزلة الرفيعة، وهذا هو المقام المحمود في اعلى عليين الجنة التي أُعدت لعباد الله المُخلَصين, فتشرّف عرش الشهداء في الجنة بأن تربع عليه سيّدهم ـ سيّد الشهداء (عليه السلام).وقد حدثنا التأريخ بأن اعظم ملحمة بطوليّة سُجلت فيه هي ملحمة عاشوراء الخالدة التي شهدتها كربلاء ببطولة الامام الحسين (عليه السلام) وصموده امام الطغاة من بني أمية(لعنه الله) حتى الشهادة؛ التي تُعد أعظم نصراً سجله التاريخ الاسلامي, بل تاريخ العالم على مرِّ العصور.ولهذا حازت البقعة المطهرة التي ضمّت بين جنبيها البدن الطاهر المخضب بدم التضحية والفداء من اجل اعلاء كلمة التوحيد الحقة وردع الظلم واتباعه من حكام الجور والطغاة من جنود الشيطان، على وسام الشرف والافضلية على جميع بقاع الارض, فاصبح مشهدها أشرف المشاهد المشرفة _ مشهد الحسين (عليه السلام) ـ بحلول الجسد النورانيّ المقدس لسيّد الشهداء في تربتها, وهي تزهو شرفاً وكرامةً, وتفتخر فخراً لا يضاهيه فخر من بين الاراضي والبقاع المقدسة.ولذا أصبحت البقعة الطاهرة بحلول مرقد الحسين وحرمه فيها أفضل مسجداً أُسس على التقوى، تهوي إليه أفئدة الكثيرمن الناس؛ بل أصبح حرم الحسين صرحاً شامخاً تشع أنواره في السموات والارض يهتدي به الاولياء والصالحين, وتحرسه الملائكة المقربون, ففي رواية بكر بن محمد الازدي, عن ابي عبد الله, إنه قال: «وكّل اللهُ تعالى بقبر الحسين (عليه السلام) سبعين الف ملك»( ).وعليه كان النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله), يؤكد على زيارة الحسين, بل بيّن الفضل العظيم الذي يحظى به زواره (عليه السلام) لسابق علمه (عليه السلام) بمكانة الحسين (عليه السلام) عند الله تعالى, فعن النبي | مخاطباً لابن عباس قال: «ياابن عباس مَنْ زاره عارفاً بحقه كتب لـه ثواب الف حجّة والف عمرة, ألا وَمنْ زاره فكانما زارني, ومن زارني فكانما قد زار الله, حق الزائر على الله أن لايعذبه بالنار»( ).وأي حث اعظم من هذا على زيارة الحسين (عليه السلام)، على لسان رسول الله, (صلى الله عليه واله), ولقد كان لأئمة اهل البيت العصمة الدور الكبير في الحث على الاهتمام بزيارته, عندما كانوا يحثون شيعتهم على زيارة سيد الشهداء (عليه السلام), وكثيراً ما كانوا يرغّبون أتباعهم فيها.فعن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام), مصرحاً بفضل زيارة الحسين, إنه قال: «مَنْ أتى قبر الحسين (عليه السلام) تشوقاً إليه كتبه الله من الآمنين يوم القيامة, وأعطاه كتابه بيمينه, وكان تحت لواء الحسين (عليه السلام) حتى يدخل الجنة فيسكنه في درجته»( ).نعم!.. هذا هو فضل زيارة الحسين, وهذه هي الحكمة من الاهتمام بها عند رسول الله وأهل بيته المعصومين (صلوات الله عليهم)؛ بل اكثر من ذلك فقد كان اهل البيت (عليهم السلام) يوقّرون زوار الحسين, ويبشّرونهم بالمقام العظيم لهم عند الله تعالى.روي عن حمدان قال: زرت قبر الحسين (عليه السلام) فلمّا قدمت جاءني أبو جعفر (عليه السلام)( )ومعه عمر بن علي بن عبد الله بن علي (عليه السلام) فقال لي أبو جعفر (عليه السلام): «إبشر يا حمران فمن زار قبور شهداء آل محمد | يريد بذلك وجه الله, خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»( ).وكان الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يرى أَنَّ زيارة الحسين (عليه السلام) أفضل مِنْ زيارة الإمام إذا كان حيّاً وزرته في حياته.فإذا كان الإمام الصادق (عليه السلام) ـ مثلاً ـ حياً وذهبت الى خدمته وتكلّمت معه، وتكلّم معك، فزيارة الحسين (عليه السلام) الآن أفضل من ذلك, كما عن إبن أبي يعفور, قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) لمّا زرته: دعاني الشوق إليك أن ْتجشّمت, إليك على مشقة.فقال لي: «لا تَشْكُ ربك, فهلا أَتيْتَ مَنْ كان أعظم حقّاً عَليْكَ مني؟فكان قوله: فهلاّ أتيت مَنْ كان أعظم حقاً عليك مني، اشد عليّ من قوله: لا تَشْكُ ربك.قلت: ومَنْ أعظم عليَّ حقاً منك؟قال: الحسين بن علي (عليه السلام) إِنْ أتيت الحسين (عليه السلام)فدعوت الله عنده، فَشْكَوتَ إليه حوائجك»( ).بعد هذا الاهتمام المؤكد من قبل الائمة الأطهار (عليهم السلام), إلتزم شيعتهم ومحبيهم بالمواظبة على زيارة أبي الأحرار (عليه السلام), حتى أصبحت فريضة عليهم إقتداء بأئمتهم المعصومين (عليهم السلام).وهل يمكن لمن يدّعي حُبَّ الحسين، بعد هذا وذاك أن يترك زيارته؟ أم كيف يصبر على تركها، وقد عرف منزلة إمامه الحسين عند ربه العلي القدير طوما لزيارته من الآجر الجزيل والثواب الكثير؟أقول: فما علينا ونحن طلبة علومهم, وندعي الولاء والمحبة لهم, إلاّ أن نحث الناس على زيارتهم عامة، وزيارة إمامنا سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام) خاصة، ونبيّن مكانتهم وسمو فضيلتهم وعلو مقامهم، وكل ذلك امتثالاً لهم(عليهم السلام) كما أمرونا.قال الإمام الباقر (عليه السلام): «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (عليه السلام) فإن إتيانه مفترض على كُلِ مؤمنٍ يقرٌّ للحسين بالإمامة من لله عزَّ وجلَّ»( ).والحاصل، فهذه خمس مقدمات تمهيديّة، تمهّد لهذا البحث أهم ما يرتبط به، ولا مجال لذكره في ثناياه؛ وذلك لرفع موارد الإبهام التي قد ترد في ذهن القارئ الكريم.
https://telegram.me/buratha