من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي وتاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية النجف الاشرف
لقد كان لتربة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) شرفاً عظيماً عند الله تبارك وتعالى؛ لانها من تلك البقع المشرفة التي خصها (سبحانه) بكرامات تكاد لا تحصى؛ بل أفضلها , فهي اكثر من أنْ تذكر في هذه الاسطر المحدودة.وقد ورد شرف هذه التربة الطاهرة وقدسيتها في السنة المطهرة على لسان النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) والائمة المعصومين (صلوات الله عليهم) وذلك الشرف الذي حظيت، إنما هو لأجل أنّها ضمّت الجسد الطاهر لسيّد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي بن أبي طالب‘، فتشرّفت بذلك الحلول فها.
فضل تربة المرقد الطاهرومن هنا جاءت كرامتها عند الباري الحكيم (جلت قدرته)؛ لأنَّ المزايا والخواص لبقعة من البقاع الطاهرة, إنما تحصل باعتبار إضافتها لمن فيها, وأرض كربلاء أُضيف للإمام الثائر مِنْ أجل رفع كلمة «لا إله الاّ الله محمداً رسول الله», ولكي تبقى هي العليا, ألا وهو الحسين (عليه السلام).وأيُّ عاقل لا يفرق بين البقعة التي رَقْدَ فيها سيّد الشهداء, والموضع الذي قُبر فيه أشقى الاشقياء, شتان ما بينهما عقلاً وعرفاً وشرعاً.شتان ما بين الطهارة والرجس, فباضافة التربة الى المضاف اليه تتميز ويعرف قدرها,ومن هذا ينتزع حكم البقعة المقدسة الخاص بها؛ لشرافتها بمن فيها, وبمن تنتسب اليه, وتربة مرقد سيّد الشهداء تشرّفت بانتسابها لـه ورقوده فيها شهيداً مظلوماً, كتشرف سائر الامكنة المقدسة,كانتساب الكعبة بأنّها بيت الله الحرام.. وهكذا الحال بالنسبة لمسجد النبي ومراقد الائمة الطاهرين (عليهم السلام).وعلى هذا نستطيع أنْ نفسّر حب شيعة آل البيت لتربة الحسين وتعلقهم بها, بل تأكيد الشارع المقدس لها بأحكام خاصة, وعليه أيضاً يمكن أن يعرف لماذا جاء أمين الوحي جبرائيل (عليه السلام) للنبي الأعظم | بقبضة من تراب كربلاء وأعطاها لـه.. فشمّها وقبلها وفاضت عيناه بالدموع( ), ولماذا احتفظت أم سلمة بقطعة من تراب كر بلاء وصيّرتها في قارورة( )؟ولماذا كانت الزهراء ÷ تأخذ من تراب قبر أبيها الطاهر وتشمه؟ ولماذا عملت سبحتها من تراب قبر أسد الله وأسد رسوله |( )؟ولماذا بكى أمير المؤمنين (عليه السلام)حين مرَّ بكر بلاء، وأخذ قبضةً من ترابها فشمه وبكى حتى بلّ الأرض بدموعه وهو يقول:«يُحشُر مِنْ هذا الظهر سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب»( ).كل هذا حصل لهذه التربة الطاهرة, بما لها من الشرف المعنوي والقداسة الالهيّة، باعتبار آية من آيات صمود الحق بوجه الطاغوت,وتعبيراً حيّاً على ما فعله الحسين، وآله، وأصحابه (عليهم السلام)من الايثار بأنفسهم، لأجل الله عزَّ وجل,وبقيت آثار بقعهم الطاهرة ومراقدهم الشامخة رمزاً لعزة الإسلام وأهله,وفي الوقت ذاته تُعبر عن مقامهم عند ربهم,وأنّهم أحياء في الدنيا والآخرة من جهة,وصورةً لإظهار مظلوميّتهم بشكل عام ومظلوميّة الإمام الحسين بشكل خاص, وبالنتيجة بقيت البقعة الطاهرة التي ضمّت بين جنبيها الجسد الطاهر لسيّد الشهد اء (عليه السلام) شعاراً لثبات الرسالة الالهيّة، ونبراساً للحريّة الحقيقيّة في طريق الحق على مدى الحياة.ولهذا حث أئمة آهل البيت (عليهم السلام) شيعتهم على التبرّك بتربة قبر الحسين (عليه السلام)، وذلك أخذوا يحملونها معهم للبركة والسجود عليها في الصلاة, ولقد دلت الروايات على حُرمةِ الطين والتراب مطلقاً - سواء كان للتبرّك أو الاستشفاء - إلاّ التبرّك بتربة مرقد سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام), فقد روى الصدوق بسنده عن الإمام الكاظم, إنّه قال: «لا تأخذ من تربتي شيئاً لتتبركوا به فإنّ كل تربة لنا محرمة( ) إلاّتربة جدي الحسين(عليه السلام), فان الله عزّ وجلّ جعلها شفاء لشيعتنا ولأوليائنا»( ).وذكر ابن قولويه رواية بسند الى محمد بن زيا د, عن عمته قالت: (سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّ في طين الحائر الذي فيه الحسين شفاء من كل داء, وأمانا من كل خوف»( ).هذا ما يتعلق بفضل تربة قبر الحسين (عليه السلام)باختصار.
فلسفة السجود عليهاإنّ السجود على الأرض والتراب سُنْة من السنن والتشريعات التي جاء بها الإسلام العزيز، بنص القرآن الكريم والسنة المطهرة. وكان من أوائل السنن الدينيّة في عصر صدر الاسلام, فعندما أُستشهد أسد الله ورسوله حمزة (عليه السلام) عم النبي, أمر رسول الله نساء السلمين بالنياحة عليه, وبلّغ المسلمين تكريمه وتعظيمه, فعملوا تسابيحهم من تربته تبركاً بها وتعظيماً لصاحبها، في مرأى ومسمع من النبي |, وبقي هذا الأمر الى أن أُستشهد الحسين (عليه السلام) فعُدِلَ اليه بالتعظيم والتجليل والتكريم, فأتخذ المسلمون تربته المقدسة للتبرك والشفاء والسجود عليها؛ وذلك لعظم مصيبته وجُلها على الشيعة.ولما رجع الامام السجاد (عليه السلام)هو وأهل بته الى المدينة, صار يتبرّك بتلك التربة ويسجد عليها, فأول من صلّى على هذه التربة واستعملها هو الامام زين العابدين (عليه السلام)( ).ثم تلاه ولده الامام الباقر (عليه السلام)، فبالغ في حثِّ أصحابه عليها ونشر فضائلها وبركاتها,ثم زاد على ذلك ولده الامام جعفر الصادق (عليه السلام) فإنّه نوّه بها لشيعته، وكما وقد إلتزم الامام (عليه السلام) ولازم السجود عليها بنفسه( ).وهكذا ثبت في سيرة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ابتداءاً بالامام زين العابدين (عليه السلام) وإنتهاءاً بالإمام المهدي (عليه السلام) في السجود على التربة الحسينية بما ليس فيه أدنى مجال للشك أو الابهام.وعلى هذا التزم شيعة اهل البيت بالسجود عليها, الامر الذي لايعني عدم صحة السجود على غيرها، إقتداء بأئمتهم, فاصبح السجود عليها من المستحبات الاكيدة, بعد أن ثبت كون السجود على مطلق الأرض فرض في الشريعة المقدسة, فالأولى السجود على أفضلها,ولا أفضل من تربة مرقد الامام الحسين (عليه السلام)؛ لهذا اصبح السجود عليها سنة قائمة منذ عصر الامام علي بن الحسين (عليه السلام) الى يومنا هذا, وأشتهر ذلك اكثر فاكثر منذ زمن الامام الصادق (عليه السلام)( ), وذلك لاضافتها الى اسم الأمام الحسين (عليه السلام) الذي تكمن فيه كل فضيلة، مع ما توحيه هذه التربة الطاهرة من التضحية في سبيل الله، والفداء من اجل الاسلام ونصرة الحقّ والعقيدة الحقّة.ولا أَرى مظهراً أجمل مِن أنْ يصلي المصلي ويسجد خشوعا ً لله تعالى على تربة الحسين (عليه السلام), بقلب سليم ونيةٍ خاصةٍ, وهو يتذكر ما جرى على الحسين, مجدداً العهد مع الله جل وعلا بأنه سيمضي على درب الحسين ولا تأخذه في الله لومة لائم.نعم ,.. هذا هو فضل تربة قبر الامام الحسين (عليه السلام) .. وهذه هي فلسفة السجود عليها, وكل هذا هو تعظيما لمقام سيّد الشهداء (عليه السلام).. وعظم مظلوميّته, ورفعه منزلته عند الله جلّ وعلا.كيف,لا؟وهي الارض التي قال عنها سيّد الاوصياء مولانا أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام): «طوبى لك مِنْ تربة ٍ تهرق عَليْكِ دماء الأحبة»( ).
الرابعة: فضل الحرم الحسيني المطهر:بعد أنْ إتضح لنا شرف تربة مرقد سيّد الشهداء (عليه السلام),والذي حصل لها باضافتها لاسمه الشريف, وتضمنها لجسده الطاهر, وقد تبيّن أنّها أفضل بقعة على وجه الارض, خصّها الله سبحانه وتعالى بهذه المنزلة الرفيعة, فماذا يجب أنْ يكون لِما يُشيد عليها ويظلّلها ليجتمع فيها زوارها ومُعظميها؟الجواب واضح: بالطبع لايكون أقل مرتبةً من ذلك, لأنّه يكون بمثابة الرمز الذي يشير اليها ويدل عليها, بل هو صرحها الشامخ الذي يتلألأ في سماء العالمين, لها حرمتها المعلومة لمن عرف قدرها,ولها الهيبة لمن لايعرفها؛ لان الله سبحانه جعلها حرماً آمناً لمن آمن به, كما صرح بذلك مولانا الامام الصادق (عليه السلام) قائلاً: «إنّ الله اتخذ بفضل قبره كربلاء حرما ًآمناَ مباركا قبل أنْ يتخذ مكة حرماً»( ).فما إستجار بها طالب حاجة إلاّ وأُجير ,ولحرم هذه البقعة المباركة من الفضل مالا يحصى, ولزواره من الثواب الجزيل مالا يوصف, لهذا فما مِنْ ملك في السماء ألاّ ويسال الله تعالى أن يرزقه زيارة هذا الحرم الطاهر.فعن الامام ابي عبد الله الصادق (عليه السلام), إنّه قال:«إنَّ لموضع قبر الحسين (عليه السلام)حرمة معلومة مَنْ عرفها واستجار بها أُجير, ثم قال: وقبره منذ دخل روضة من رياض الجنة ,ومنها يعرج فيه بأعمال زواره (عليه السلام) الى السماء, وليس ملك ولا نبي في السموات إلا ويسألون الله أنْ يأذن لهم لزيارة الحسين (عليه السلام) ففوج ينزل وفوج يعرج»( ).ومنْ هنا حاز الحرم الحسيني المطهّر على فضيلة عظيمة عند الله (تبارك وتعالى), باتمام الصلاة فيه، كالحرمين، ومسجد الكوفة بلا فرق, فقد روى أبو حذيفة بن منصور قال؛ حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام)يقول:«تتم الصلاة في المسجد الحرام , ومسجد الكوفة,وحرم الحسين( )».أمّا عن مكانة الحرم المطهّر عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام), فقد أحظى باهتمام من قبلهم (عليهم السلام) منقطع النظير؛ بل اهتماماً بالغاً لا مثيل لـه؛ لانهم يعلمون ما لَهُ من الفضل العظيم عند الله (جلّ وعلا), فكانوا يلجأون لزيارته؛ بل يتوسلون الى الله تعالى في ملمّاتهم ومهمّاتهم، إن سنحت لهم الفرصة والظروف السياسية آنذاك.إن هذه المنزلة لحرم الحسين عند أهل البيت (عليهم السلام)؛ لعلمهم بأَنّ الله (عزَّ وجل) يحبّ أن يتضرع اليه عند الحسين, فالحسين حبيب الله وعزيزه، فيستجاب لمن يدعوه فيه, بل يؤجره على ذلك.ففي رواية عن ابي هاشم الجعفري قال: «دخلت على ابي الحسن علي بن محمد ‘ وهو محموم عليل فقال لي:يا ابا هاشم ابعث رجلاً من موالينا يدعو الله لي, فخرجت من عنده فأستقبلني علي بن بلال، فأعلمته ما قال لي, وسألته أنْ يكون الرجل الذي يخرج, فقال: السمعُ والطاعة, ولكني أقول: أنه أفضل من الحائر, إذ كان بمنزلة مَنْ في الحائر, ودعاؤه لنفسه أفضل من دعاءنا لـه بالحائر.. فأعلمته (عليه السلام) بما قال, فقال لي:«كان رسول الله | أفضل من البيت والحجر.فقال: وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر, وإن لله بقاعاً يُحبُ آن يدعى فيها، فيستجيب لِمنْ دعاه والحائر منها»( ).وفي رواية صريحة عنه أيضا, عن الأمام الحسن العسكري (عليه السلام) في حديث طويل... إنه قال:«آن لله مواضع يَحْبُّ أن يُعْبَد فيها, وحائر الحسين من تلك المواضع»( ).لهذا كان الائمة المعصومين (عليهم السلام) يؤكدون كثيراً، ويحثون شيعتهم على زيارة حرم الحسين, ويركزون على ذلك بتاكيد متواصل ويرغبونهم بزيارته.
https://telegram.me/buratha