عادل العتابي
محمد حسين شريف
هذا الرجل هو مدير عام الشركة العامة لتسويق الادوية والمسلتزمات الطبية في وزارة الصحة، من مواليد عام 1953 في النجف الاشرف، عمل قبل ان يكون مديرا عاما بصفة مدير معهد المصول واللقاح التابع للشركة ثم مديرا لقسم الاستيراد قبل ان تقفز به مؤهلاته وخبرته وتفانيه الى الموقع الاول في الشركة، كنت على علاقة طيبة به لكوني اعمل مديرا لمكتب المدير العام في الشركة وكان هو يرأس احد الاقسام المهمة فيها، يعرفه الجميع بأنه واحد من اكثر الرجال في الشركة اناقة فقد كان حريصا على ما يرتديه من ملابس ويجعلها من ناحية الالوان والموديل مطابقة لقوة شخصيته، يمتلك شكلا جميلا ووجها بشوشا الى ابعد الحدود فلون الوجه ابيض مع حمرة خفيفة ولون عيونه خضراء فاتحة مع شعر اصفر فيه القليل من الشيب الابيض.في احدى المرات كانت هناك سيدة اميركية تقود فرق التفتيش عن الاسلحة البايولوجية والكيمياوية وغيرها من اسلحة الدمار الشامل التي كان الغرب واميركا يفتشون عنها في العراق، وكانت شركتنا من ضمن المواقع المشمولة بالتفتيش، عندما دخلت تلك المفتشة الى غرفة المدير العام وكنت بصحبتها حتى اوصلها الى داخل الغرفة ثم اخرج لاترك فريق التفتيش مع المدير العام والملاك الاداري العالي في الشركة المتمثل بمدراء الاقسام ومساعديهم يبدأون اجتماعهم، اول ما وقع نظر تلك المفتشة على المدير العام محمد حسين شريف وهو بكامل اناقته صاحت من دون وعي منها ياالهي انك جميل جدا! وبكامل اناقتك ! فضحك المدير العام خجلا ومعه مدراء الاقسام. اجتاز المدير العام قبل ان يكون في ذلك المنصب عددا من الدورات التخصيصة في مجال عمله بعد ان انهى الدراسة الجامعية وحصل على بكلوريوس في الكيمياء، وقبل ان يعمل في الشركة كان مديرا عاما لمعمل ادوية سامراء التابع الى وزارة الصناعة، ويؤكد اغلب الذين عملوا معه في المصنع انه كان متميزا في عمله ومبدعا على الدوام الا انه حدث في احدى المرات ان اختلف مع عدد من رجال التصنيع العسكري وقادته فتم نقله الى وزارة الصحة مع معاقبته ليبدأ من جديد بناء موقعه الوظيفي بعصامية قل نظيرها، فهو المجتهد دوما والطامح الى ان يكون في المنصب الاول في الشركة، وكنت قد عملت مع اربع مدراء عاميين من قبله فجاء هو ليكمل مسيرتهم بابداع من دون ان يتعرض لاي منهم باي سوء سواء كان ذلك امامهم او عند غيابهم، وهذه واحدة من صفاته الجميلة.حرص محمد حسين شريف على ان يسهر الليالي لانجاز البريد اليومي للشركة على كثرته، ففي الغالب كنا نغادر الدائرة في ساعة متأخرة من الليل لنوصله انا والسائق الى بيته ولنعود صباح اليوم التالي لنجده قد انهى البريد بأكمله وبهوامش واضحة وصحيحة، وفيها من القوة الادارية مايؤكد بأنه يقرأ كل البريد، وهامشه واضح وصريح على مذكرات المدراء في اقسام الشركة والتي تتكون من اكثر من عشرة اقسام منها ما يخص الادارة والمال والقانون، ومنها ما يخص التوزيع او الاستيراد، ويحرص على انجاز ذلك البريد قبل ان ينام، اذ يترك ذلك السهر اليومي الى ساعة متأخرة لونا احمر في بياض العين يمكن تميزه بسهولة، الا انه كان يرفض الخلود الى الراحة واخذ قسطا كافيا منها.في يوم حضر الى اللقاء به ممثل احدى الشركات الفرنسية وكان قد التقى به قبل ما يقارب العام وبعد ان انتهى من اللقاء قال لي المترجم وهو يجلس للراحة في غرفتي مع ممثل الشركة المذكورة:-ان ممثل الشركة كان يظن ان المدير العام يستعين بحاسوب شخصي (لاب توب) للاجابة على استفساراته، الا انه تمعن كثيرا في منضدة المدير العام فلم يجد اي حاسوب عليها، الا ان المدير العالم كان يجيب حتى على الاسئلة التي تم طرحها قبل عام مضى على اللقاء الاول بينهما، قلت لايوجد حاسوب شخصي (لاب توب) في كل الشركة وان هناك حواسيب في عدد من الغرف في الشركة حرص المدير العام على تجهيزها من قبل الشركات التي يتم توقيع العقود الاسترادية معها.وعلى ذكر التجهيزات التي كان يطلبها المديرالعام من الشركات فقد كانت متنوعة وليس الحواسيب فقط بل وصل الامر الى تجهيز السيارات الخاصة بالمدراء العامين في الوزارة وسيارات الباص والحافلات التي تخص خطوط نقل الموظفين، ومن احدث الاصناف وارقى الشركات، كما تم تجهيز غالبية غرف الوزارة بالتجهيزات المكتبية المختلفة ومنها القرطاسية وغيرها، وفي جانب اخر فأن بعض الشركات كانت تقوم بترميم الغرف واضافة البناء الحديث في عدد من مرافق الشركة المختلفة في طوابقها في مبنى الوزارة او في اقسام الشركة المختلفة خارج المقر، ولم يكن ليتأخر لحظة واحدة في تنفيذ ما يطلب منه من قبل المدراء العامين في دوائر الوزارة المختلفة في دعم دوائرهم باقامة الاحتفاليات والندوات والدورات التطويرية وايفاد عدد منهم الى الخارج للاطلاع والفائدة، اضافة الى عدد اخر من الاعمال التي كانت تصب في صالح الوزارة.عملت المخابرات العراقية على مراقبة محمد حسين شريف واخذت تجمع ادق التفاصيل عنه من خلال احد مجنديها في الشركة والذي كان يقوم بأيصال كل كبيرة وصغيرة الى المخابرات حتى قررت المخابرات العراقية تشكيل لجنة للتحقيق مع المدير العام، عندما يعود المدير العام من التحقيق في جهاز المخابرات فأنه يتعامل معي باسلوب غير الاسلوب المعتاد، اذ اخذ يشك بأني اقوم بأيصال تلك المعلومات وكان ذلك من حقه كوني اشكل امين السر بالنسبه له، ومع الايام كانت الشبهات تزول عني في نظر المدير العام لانهم في ذلك الجهاز اخذوا يسألون عني وعن تاريخي اذ ان اخي الكبير الملازم عدنان العتابي كان قد تم تنفيذ حكم الاعدام بحقه في 21-1-1970 وهو يشارك في حركة انقلابية ضد نظام البعث، كما اني لم اكن بعثيا وسبق لي ان عملت مع حزب يساري لسنوات، فكيف يجعلني مديرا لمكتبه؟ هذا ما كانت المخابرات تستفسر عنه!عندها وبعد ان اطمأن لي طلب المساعدة في معرفة الموظف الذي يتعاون مع المخابرات فعجزت عن ذلك بسبب تاريخي السياسي، الا اني كنت متأكد من انه احد الموظفين في السكرتارية من الذين يعملون في المساء فقط وان عددهم لايتجاوز اصابع اليد الواحدة! وفعلا كشفت الايام من هو، بعد عدد من الجلسات التحقيقية قررت المخابرات العراقية حجز المدير العام في احدى الغرف الحمر في جهاز الحاكمية (حنين) وكان ذلك في السادس عشر من كانون الثاني من عام 2000، وبعد اربعة ايام فقط كنت احل ضيفا على تلك الغرف الحمر في تاريخ لايمكن نسيانه مطلقا لانه اليوم نفسه الذي تم فيه اعدام اخي وهو الحادي والعشرين من كانون الثاني عام 1970 ، وتم تنفيذ امر القاء القبض بحقي من قبل المخابرات العراقية بعد ثلاثين سنة بالتمام والكمال من تاريخ اعدام اخي.لم التقي بالمدير العام في جهاز الحاكمية الا في مرات قليلة جدا وهي حفلات الضرب والاعتداء من قبل المحققين وجلاديهم وكانت مؤثرة بالنفس الى حد بعيد فقد كان المدير العام يتعرض امامي الى الضرب وبكل انواعه، رغم اننا سوية كنا معصوبي العينين! فقد كنت اسمع كبير المحققين يقول للجلاد اضربه بقوة على رأسه وعلى عينيه وعلى ظهره، الا انه كان يكرر اضربه بشده على عينيه ربما لانهما الاجمل في شخص محمد حسين شريف.وعندما حان موعد محاكمته سمعت رئيس المحكمة الخاصة بجهاز المخابرات يقول للمدير العام ومن دون اية مقدمات:حكمت عليك المحكمة بالسجن عشر سنين واثنتا عشرة سنة وخمس وعشرين سنة ووو المجموع (93) سنة اخرج! بكيت من دون شعور ثم ضحكت وصحت من دون وعي (دمبلة)!!!! الا ان ذلك لم يكن كافيا ليشبع نهم المخابرات من النيل من شخص محمد حسين شريف فأعيدت محاكمته ثانيا بعد اقل من شهر ليكون الحكم الجديد السجن لمدة (25) عاما وبتهمة سياسية لااعرف من اين اتت بها المخابرات، وكان الغرض من ذلك الحكم حتى لايتمكن من مغادرة السجن حتى في حال اصدار قرار بالعفو لانه في الغالب لايستفيد المحكوم لاسباب سياسية من قرارات العفو! لذا فأن تقليص مدة الحكم لاتعني ان المخابرات ارادت خيرا بالمدير العام.بعد سقوط النظام زرت المدير العام مرات عديدة وطلبت منه في احداها ان يعود الى دائرته والشركة التي خدمها كثيرا الا انه لم يكن متحفزا لذلك وكأنه يقول ما الذي جنيته من عملي في الشركة؟ ، وبعد اشهر من تلك الزيارة ترجل محمد حسين شريف عن جواده ليعود الى مدينته النجف الاشرف وهذه المرة ليس لزيارة والده او اخوته وانما كان جثة هامدة استقرت في مقبرة وادي السلام قريبا من امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، لتشكو تلك الروح لله الواحد الاحد مالحق بها من ظلم كبير وقسوة اكبر، فيما بقت روحه الطاهرة تحوم فوق بيته لتتفقد اولاده وعائلته وهم يشقون طريق النجاح والابداع كما كان محمد حسين شريف يفعل في حياته.
https://telegram.me/buratha