من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي وتاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية النجف الاشرف
لعظم وشرافة المرقد الحسيني المطهر على مرِّ التأريخ, وخلوده على مدى الدهور, وطول العصور, بقي صرحاً شامخاً, ومشعلاً للحريّة والثورة, ورمزاً لثورات الأحرار بصورة خاصة, وبقيت الأحداث التي مرت عليه -التي صدرت من قبل طغاة العصور المتقدمة, وخصوصاً بني العباس- منهجاً يدرس لمعالجة الظالمين وكيفية التعامل معهم؛ بل للوقوف بوجه قمعهم وردعهم بصورة عمليّة من خلال الثبات على زيارة مرقد الحسين وحرمه(عليه السلام).كل هذه الأحداث التي يصدّرها الظالمون والبغاة ضد شموخ الحرم المطهر, إنّما هي ناتجة عن المخاوف التي يُثيرها ولاء زوار الإمام الحسين(عليه السلام)؛ والذي هو تعبير عن ثورة الأحرار ضد المستكبرين الفجار, وصورة لأخلاص هؤلاء الزوّار لسيّد الشهداء(عليه السلام)، ناتجة عن بصيرتهم باهداف ثورة الحسين, ومعرفته العميقة بمنهج اهل البيت(عليهم السلام), الأمر الذي أدى لرعب الطغاة على مرَّ العصور.فالدماء الطاهرة التي سالت على أرض كربلاء أخذت تجني ثمارها حينما يثور شيعة آل محمد بوجه الطغاة إينما كان, خصوصاً في العراق الحبيب, وأينما حلوا, مستمدين عزيمتهم في مجاهدة هؤلاء مِنْ يوم عاشوراء العظيم, وبذلك تهوي عروش الحكومات المنحرفة عن خط أهل البيت، مهما أستمرت بها الايام وطالت لها المدة, فما هوت العروش المزعومة لبني أمية إلاّ من جراء ظلمهم للحسين وآله واصحابه (صلوات الله عليهم), وما إنهدت أركان الدولة العباسية، إلاّ ثأراً وضريبةً غالية الثمن, أثر اعتداءاتهم على حرم الحسين الطاهر ... وهكذا المصير سوف يكون لكل منْ يحاول ذلك، تبعاً لأسلافه المارقين.وهكذا بقي ذلك الحرم المقدس شامخاً يصّدر ثورات الولاء والمحبة لأهل البيت(عليهم السلام), وشعاراً يهتدي به شيعة آل محمد؛ بل محبوا الحرية, ومنهجاً إصلاحيّاً الأصلاح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وهذا هو الهدف الاساس في ثورة سيد الشهداء(عليه السلام).وتبقى زيارة الحسين ـ في نظر الطغاة ـ كابوساً جاثماً على صدور الظالمين, حكّاماً وغيرهم, يهدد عروشهم الخاوية, وينكّل بسلطاتهم الظالمة, وحتى عصرنا الحاضر والى الأبد ما بقي الدهر.لذلك نجد الظلمة في كل عصر، يهرعون إلى تخريب الحرم الحسيني المطهر, ومنع زواره من أداء شعائرهم الحسينية فيه, أو خارجه, محاولين بذلك صرفهم عن خط الولاء للحسين وآل الحسين (صلوات الله عليه), وتغيير المسير الظافر لعقيدتهم الحقّة, لكنهم لم يجنوا إلاّ الخيبة والخذلان, ولايسجل لهم التاريخ إلاّ وسمة العار, والفشل الضريع في كل مايرمون إليه.ويبقى حرم الحسين(عليه السلام) شعاعاً يضيء درب الحرّية والجهاد, وتبقى زيارته رمزاً للتضحية والفداء في مسيرة جهادية خالدة ضد الطغاة.ولهذا عقدنا هذا المبحث, لبيان أهم الأحداث في العصرين, المتأخر والحديث, والتي صدرت ممن حذا حذو بني أمية وبني العباس في البغض لآل علي (صلوات الله عليهم), وذلك في فرعين:-
الفرع الأول: حملات الوهابيّة على الحرم الحسيني:الوهابية, هم فرقة من الفرق المتفرعة عن المذهب الحنبلي, بدليل أنَّ مؤسس هذه الفرقة؛ هو محمد عبد الوهاب( ) -الذي نسبت إليه الوهابية-.كان حنبليّاً، وقد درس الفقه على مذهب أحمد بن حنبل ـ أمام الحنابلة ـ .فبعد أن تصدى محمد بن عبد الوهاب إلى إنشاء معتقداته الفاسدة, تمكّن من نشر أفكاره في الحجاز, خصوصاً بعد أن إعتنقه أميرهم سعود بن عبد العزيز؛ الذي قويت به شوكت الوهابيين.وبذلك شدوا أحزمة العداء والبغض لأهل البيت (صلوات الله عليهم), وأخذوا يشنون الحملات المكثفة, ويثيرون الشبهات المتوالية حول التشيع, من أجل إسقاط هيبة الشيعة الامامية (لاسامح الله), لذا سيطر آل سعود على الحرمين الشريفين, وأصدر زعيمهم بياناً بهدم قبور أئمة البقيع(عليهم السلام)( ) بغضاً لآل البيت (صلوات الله عليهم), وذلك بحجة واهية, ألا وهي أنَّ البناء على القبور بهذا الشكل-يقصدون تشييد الاضرحة المقدسة- بدعة في الدين, وسيأتي إن شاء الله بطلان هذا المدعى.هذا ما حصل من الوهابيين في مجال تواجد سكناهم التي خضعت في أغلبها لسيطرتهم, ولم يكتفوا بالأعتداء على ما كان بجوارهم من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) إلى آخر عهد الملك سعود في سنة 1179 هـ عندما تمركزت سلطة أبيه عبد العزيز وستحكمت قوة حكومته( ), بل إتجهوا إلى أكثر من ذلك, فحصل منهم ما كان في خارج ديارهم, فحملوا بشدة, حملات عديدة على العتبات المقدسة في العراق, ومن تلك الحملات, الهجمة البربرية على مدينة كربلاء وإنتهكوا حرمة الحرم الحسيني المقدس, >فذبحوا ما يزيد على ثلاثة آلاف من السكان ونهبوا البيوت, والأسواق, ونفائس الضريح المقدس؛ وقد أخذوا على الأخص صفائح الذهب بعد أن إقتلعوها من مكانها, ثم هدموا الضريح المطهر<( ).ففي تاريخ المملكة العربية السعودية, ذُكر بأنه .. >كانت تأتي قوافل من نجد إلى العراق ومعها رجال من عرب الوهابية, فقدمت قافلة في سنة(1214) هجرية, فباعت القافلة ما عندها في بغداد، وحملت ما أرادت وعزمت المسير إلى بلادها, وتوجه معها من العراق بقصد الحج جماعة, وساروا حتى وصلوا المشهد فوجدوا هناك فرقة من الخزاعل, فنظر فوارس الوهابية إلى أمير الخزاعل يقبل عتبة باب حجرة الإمام علي(عليه السلام) فحملوا عليه فقتلوه, ودام القتال ثلاث ساعات, وقُتل وجُرح من جماعة الوهابية مائة، رجل ومثلهم من عرب الخزاعل, ونهبت أموال الحاج العراقي وجمال الوهابيين وخيلهم, وتوجه إلى نجد من سَلِمَ وعاد إلى بغداد الحاج العراقي.هذه الحادثة هي التي غرست بذور الشحناء والعداوة عند الوهابيين, علاوةً على ما عليه الوهابية من النصب والبغضاء لكل مسلم ... وبعد هذه الحادثة كانت الغارات الوهابية تشن على كربلاء ... ففي سنة (1216) هجرية تعرضت كربلاء والحرم الحسيني لهجمة بربرية قامت بها الجماعة الوهابية بقيادة سعود بن عبد العزيز, الذي أستغل ذهاب معظم أهالي كربلاء إلى النجف الأشرف لزيارة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب في يوم الغدير ... وتمكن جماعة من هذه القوة الوصول إلى بلدة كربلاء في شهر ذي القعدة من هذه السنة, وحاصروها, وتسّوروا جدرانها ودخلوا عنّوة, وقتلوا أكثر أهلها في الأسواق والبيوت<( ). وفي موسوعة العتبات المقدسة, قال لونكريك: >في أوائل سنة(1801) أن تفشى الطاعون في بغداد, فاضطر الباشا (سلمان باشا الكبير) وحاشيته للالتجاء إلى الخالص حيث أبتعد عن منطقة المرض.وأضاف ... إلاّ أنه ما كاد يغادر بغداد حتى وافت أخبار هجوم الوهابيين على كربلاء ونهبهم إياها, وهي أقدس المدن الشيعية وأغناها ... أما الوهابيين الخشن فقد شقوا طريقهم إلى الأضرحة المقدسة, وأخذوا يخربونها, فاقتلعت القضب المعدنية والسياج ثم المرايا الجسمية, ونهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشوات ... وكذلك سلبت زخارف الجدران، وقلع ذهب السقوف, وأخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر ... وبذلك رجع وحوش نجد الكواسر إلى مواطنهم ثقالاً على إبلهم التي حُملّت بنفائس لا تثمن<ووصف هذه الأفعال العدوانية والفاجعة الأليمة التي تعرض لها الحرم الحسني المطهر من تخريب ونهب وسلب قائلاً:>ان الفاجعة الكبرى كانت قاب قوسين أو أدنى, تلك الفاجعة التي دلت على منتهى القسوة، والهمجية، والطمع الأشعبي, وأستعلمت باسم الدين ..!<( ).هذا, .. وقد ذُكِرتْ حوداث كثير من قبل هؤلاء, تنص على شدة بغضهم لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم, فالشاهد على ذلك تخريبهم للأضرحة المقدسة، وسلب ما فيها من أشياء نفيسة( ), وقتلهم لزوارهم والتعامل معهم بقسوة بشعة حتى في عصرنا الحاضر, خصوصاً في مواسم أداء الحج وزيارة قبر النبي ومسجده الطاهر', ويرمون الشيعة بالشرك والبدعة.
https://telegram.me/buratha