حافظ آل بشارة
انقضت ايام عاشوراء ، لكن اللوعة ستطول ، فكل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء ، الحسين(ع) قتيل العبرة ماذكره مؤمن الا بكى ، وما دامت الارض حافلة بالظلم والجور فيجب ان يستمر المأتم البشري مفجوعا بالعدالة المفقودة ، لان العدالة واهل البيت مظهران لشيء واحد . كثير من الجهلة واعوان الطغاة في هذا العصر لا يفهمون معنى البكاء على الحسين (ع) ويروجون الاوهام ، يشجعهم على ذلك النواصب وورثة يزيد واهل التكفير ، يدعون انها قضية شيعية ، وهم يعلمون انها قضية اكبر من المذاهب واكبر من الزمان والمكان ، فالبكاء على الحسين (ع) ميل تكويني لدى كل انسان يؤمن بالله ورسالاته ، ومنذ فاجعة كربلاء تغير العرف العربي الذي يستنكر بكاء الرجال ويشجع على قسوة الطباع والجفاء ويعد ذلك من المروءة ، واقعة الطف ادخلت البكاء عنصرا جديدا في المزاج العربي وجعلته اداة تعبير انساني ، المؤرخون والمحققون من غير الشيعة اثبتوا سر تواصل البكاء على الحسين (ع) ومنهم : الماوردي ، المتقي الهندي ، ابن عبد ربه الاندلسي ، احمد بن حنبل ، ابي يعلى ، ابن سعد ، الطبراني ، انس بن مالك ، ابن عساكر ، الترمذي ، السمعاني ، السدي ، سبط ابن الجوزي ، ابن حجر ، وغيرهم ، فهم يرسمون في كتبهم خارطة تأريخية لظاهرة البكاء على الحسين (ع) ويجمعون على ان اول من بكاه جده النبي (ص) ولم يزل طفلا عندما اخبره الوحي انه سيقتل ، فنصب له اول مأتم ، وقد بكته حيا امه الزهراء وابوه علي واخوه الحسن (عليهم السلام) ، وعندما اراد الخروج الى كربلاء ، قال له اخوه محمد بن الحنفية : يا أخي تعلم انك مقتول ثم اجهش بالبكاء ، ولحقه عبد الله بن عمر (رض) يحاول رده وحين عجز قبله في نحره باكيا وقال : انك لمقتول ، فيما ودعه اهل المدينة وهو خارج الى كربلاء ببكاء المفجوعين ، وليلة العاشر من محرم ، بينما كان الحسين يعالج سيفه سمعه الامام السجاد والنسوة ينشد ابياتا مطلعها (يا دهر اف لك من خليل...) فعرفوا انه يرثي نفسه فضج المخيم بالعويل ، وبكى عليه اعداؤه ! فقد نظر قاتله عمر بن سعد الى مصرعه وبكاء زينب فدمعت عيناه وصرف بوجهه عنها رغم ما عرف عنه من القسوة ، وحين نقلوا السبايا الى الكوفة ضج اهلها بالبكاء والنحيب وقد خطبت زينب وام كلثوم بالناس فلم يبق فيها أحد الا بكى ، وفي 12 محرم جاء بنو أسد الى كربلاء لدفن الشهداء فاقاموا هناك مأتما كبيرا ، وعند قدوم السبايا على يزيد في دمشق ضج اهل الشام بالبكاء وكان اول من بكى الحسين نساء البيت الاموي وامرأة يزيد نفسه ! وعند قدوم السبايا الى كربلاء عائدين من الشام الى المدينة اقامت النسوة مأتما هناك وقد حضر بعض الهاشميين والصحابة بينهم جابر بن عبد الله الانصاري ، وعند عودة السبايا الى المدينة استقبلهم الناس بالنحيب ، وكانت كل من الرباب زوجة الامام الحسين (ع) واخته زينب (ع) وام البنين وهي ام العباس واخوانه الثلاثة امثلة نادرة في دوام الحزن والبكاء ، وقد توفيت النساء الثلاث المفجوعات كمدا بعد وقت قصير من الفاجعة ، وبعد عودة زينب (ع) الى المدينة التف حولها خلق كثير ، فخاف يزيد ان تؤلب عليه الناس فطلب خروجها من المدينة فاختارت مصر واستقبلها المصريون بالبكاء والنحيب وذلك بعد واقعة الطف بسبعة اشهر ومنذ ذلك التأريخ عرف التشيع في مصر واحياء العاشر من محرم ، ولم تكن الدولة الفاطمية هناك لاحقا الا امتدادا لهذا الحدث ، ولم تكن الثورات التي عصفت ببني امية كثورة المختار وثورة التوابين الا امتدادا للبكاء المتجدد على الحسين (ع) وفي العصور اللاحقة ، في ظل ائمة اهل البيت (ع) وهم يقاومون ولاة الجور تحول البكاء على الحسين(ع) الى تعبئة سياسية ، واصبح اداة لنشر ثقافة الثورة والتمرد ، وكثير من الدول القوية في تاريخ الاسلام انما اسسها اصحاب المواكب والمراثي والدموع التي لا تنقطع ، وكل ما يصيب العراق من خير انما هو ببركة مآتم عاشوراء ، يحاول الطواغيت في كل عصر منع مآتم عاشوراء لأنهم يدركون تماما انها مطر سماوي ينبت الثورات .
https://telegram.me/buratha