من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي وتاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية النجف الاشرف
بعد أَنْ هلك الرشيد المقبور؛ الذي حاول أن يطمس آثار المرقد الشريف والحرم المقدس للإمام الحسين(عليه السلام) ظاهراً, إستلم مقاليد الحكم إبنه الأمين؛ والذي إشتغل باللهو والطرب وترك الأمة وشأنها, والشعب على هواه, وقد إتجه اعوانه إلى التمتع بالدنيا وما فيها من ملذات في طريق الضلال, في الوقت الذي كان فيه رئيسهم منخرطاً في طيشه وإنحرافاته، تبعاً لأهوائه النفسية المنحرفة.كل ذلك ولّد المجال للناس بمختلف مذاهبهم وشتى ميولاتهم في ممارسة نشاطاتهم وأعمالهم وطقوسهم كل بحسب اعتقاداته, فاتجه شيعة آل البيت إلى زيارة العتبات المقدسة لأئمتهم, وبالخصوص زيارة سيد الشهداء ,أبي الأحرار الإمام الحسين(عليه السلام), ...زيارة يحفها الشوق, وتسوقها اللهفة الولائية؛ لأنهم كانوا قد حُرِمْوا من ممارستها بشكلها الطبيعي الحر؛ بعيداً عن الضغوط والتعامل الأرهابي, وذلك بأمرٍ من الرشيد, فلم يستذوقوا بروحيتها آنذاك؛ لشدة البطش والعدوان, والخوف الذي كان يحيط بهم, من جراء الممارسات الأرهابية التي كان يتبعها الأرهابيون من إعوان الرشيد مع محبي الحسين(عليه السلام) وزواره.ففي تلك الفترة -فترة سكون الأحداث- قام شيعة علي والحسين بإعادة البناء للحائر الحسيني المطهر وتعميره، بما لديهم من الامكانات والقدرات البسيطة -تحت أشراف أئمتهم في كل عهد يفسح لهم المجال لعمرانه وكان اتصالهم بالامام سراً وتقية؛ ليعيدوا بذلك العمران ملامحه التي تليق به, ويؤدوا طقوسهم الدينيّة وشعائرهم الحسينية؛ من إقامة مجالس عزاءٍ أو زيارة لإمامهم سيّد الشهداء الحسين(عليه السلام).وحينما نشب الصراع بين ولد الرشيد -الأمين والمأمون- على السلطة, ودارت بينهما وأعوانهما معارك دامية -حيث كان الأول على رأس الحكومة- وبعد ذلك إنتهت هذه الصراعات لصالح المأمون, بأنتصاره على الأمين وإقصائه من السلطة.وجاء المأمون على رأس الحكومة العباسيّة الجديدة بمنهج جديد, أراد بذلك أن يمتص نقمة الأمة على العباسيين, لِمْا رأى من ركود الأوضاع على جميع المستويات، نتيجة لما فعله الأمين من أهمال الأمور، وترك الأمة بلا متابعة عند رفع الضغوطات التي قنّنها أبيه, لكن المأمون لم يفعل كما فعل الأمين, وإنّما اتجه إلى اسلوب مغاير في سياسته يؤدي إلى نفس النتيجة, فأخذ يتظاهر باحترام العلويين؛ لذلك نراه قرّب الإمام الرضا( ) (عليه السلام), وفسح المجال للشيعة بممارسة نشاطاتهم الدينية؛ بل أعترف بسبقهم الفكري والعقائدي, وأتاحة الفرصة لزيارة الحسين(عليه السلام), واهتم بشكل ظاهر بالحرم المطهر مع ما يبطن من عقيدة تستمد جذورها من أجداده بني العباس.فقد أعاد المأمون موضع المرقد المطهر, وبنى عليه بناءاً شامخاً بقي حتى سنة (232) هجرية( ).وهكذا تمتع العلويون, والشيعة بفترة سكون وهدوءٍ نسبي ملحوظ أكثر من الفترات السابقة عليها, لكننا نعلم بأن الأعداء لا يروق لهم ذلك, وإنّما كانت الأوضاع والأضطرابات السياسية التي تحصل في حكوماتهم تقتضي ذلك؛ بل تجبرهم عليه.وبقيت الأحداث الساكنة على ما هيَّ عليه -بعد المأمون- في عهد المعتصم والواثق, وبقي بناء المرقد الشريف مصوناً شامخاً يطوف حوله حجاجة, فهو رمزاً وكعبةً لشعائرهم الدينية, وشعاراً لولايتهم لأهل البيت(عليهم السلام), ولم يحصل للحائر الحسيني، ولا لزواره مكروه حتى عهد المتوكل الذي قلب الأمور رأساً على عقب على الشيعة.
https://telegram.me/buratha