المقالات

العنصرية العربية وتصريحات مبارك عن شيعة العراق

2882 19:16:00 2006-05-02

وأشد العرب المعاصرين هوساً بالعنصرية والتعصب ضد الفرس هو الطاغية صدام حسين، الذي أتبع القول بالفعل، فكانت حربه الخائبة، التي خرج منها العراق أشلاء وطن والعرب حطام أمة، ( بقلم : د. حامد العطية )

تعيد تصريحات الرئيس مبارك إلى الذهن الجدل الفلسفي حول الفروق بين الإدراك والواقع، ومدى دقة الإدراك والحواس البشرية في تكوين صور ذهنية واقعية ودقيقة عن الواقع المرئي، هذا جدل أورثه الفلاسفة لعلماء النفس الاجتماعي والتربوي، ولايزال محط اهتمامهم وموضوعاً رئيسياً لبحوثهم، ولا نحتاج لشهادة من هؤلاء العلماء والباحثين ليتأكد لنا ضرورة التطابق بين الإدراك والواقع للفكر والاستنتاج العقلاني وكذلك الاتصال والتفاعل بين البشر، ومن أدق تعايير ومؤشرات الاختلال النفسي والعقلي افتراق الإدراك عن الواقع واستبداله بصور تخيلية، وما الهلوسة إلا الحالة المتطرفة لانحراف الادراك عن الواقع. يقال أن الخيط الفاصل بين الحقيقة والوهم رفيع، ولكنه خيط هام.

العرب كما وصفهم أحدهم ظاهرة صوتية، وأفهم من ذلك بأنهم قول بدون فعل، وحديث بدون عمل، وتهديد ووعيد بدون تنفيذ، ووعود بدون وفاء، وقد جبلوا على ذلك من القدم، ويشهد تاريخهم على أن التغيير الوحيد الذي طرأ على أحوالهم منذ بدء تاريخهم المدون هو تحولهم من قبائل رعوية إلى قبائل ريعية، فقد كان معظمهم قبل الإسلام قبائل من رعاة الإبل، ولم تتحقق غاية الإسلام العليا في تحويلهم إلى أمة، واستمروا على قبليتهم، وحتى الذين سكنوا المدن منهم محافظون على روابطهم الاجتماعية والثقافية والنفسية مع قبائلهم، لذا فلو أردنا تصنيفهم على سلم التطور الحضاري، الذي شهد ثلاث مراحل رئيسة، على أساس أسلوب الإنتاج، وهي الصيد والرعي، والزراعة، ومن ثم الصناعة وما بعدها، لاستنتجنا بأن العرب لا يزالون في أول درجة من درجات هذا السلم، وهم وإن تحول معظمهم من الرعي إلى الزراعة لكنهم يحنون إلى عصر البداوة، ويختلقون صورة مشرقة عنه، مغايرة تماماً للواقع.

ولا زالت القيم والعصبيات القبلية متحكمة في أنماط تفكيرهم وسلوكهم، وهم لم ينبذوا الرسالة التحضرية والتطويرية للإسلام لقصور في الإدراك والفهم، بل بالاختيار والعمد، لأنهم عندما خيرهم الإسلام بين أعرافهم وعاداتهم القبلية وبين القيم والمباديء الإسلامية اختاروا القبلية على الإسلام، وإن نطقوا بالشهادتين ومارسوا شعائر الإسلام، لذا فقد كان إسلامهم خاوياً، مثل قوقعة بحرية متروكة على شاطيء بحر، يعجبك منظرها لكنها بدون حياة، وبدلاً من أن يتركوا للإسلام، ورجاله المؤمنين المخلصين، قيادتهم إلى طور الأمة المتحضرة والمتطورة، امتطوا الدين ليكون وسيلتهم إلى فرض هيمنتهم على الأمم المجاورة، واتخذوه شعاراً وراية لغزوات، لم يكن أجدادهم محترفوا الغزو يحلمون بها، وكانت حصيلة تلك الغزوات تحولهم من رعاة إلى رعويين، فبدلاً من التعيش من رعي الأبل تحولوا إلى طبقة طفيلية تقتات على كد وعرق سكان البلاد المفتوحة وجيوش الرقيق.

 وبينما استولت الطبقة الحاكمة على أموال الجباية، استحوذ القادة القبليون والعسكريون على الأراضي الزراعية في البلاد المفتوحة، وتحولوا إلى اقطاع، واقصوا وهمشوا الأقوام والشعوب الأخرى التي دخلت بالإسلام طمعاً أو خوفاً أو إيماناً، وأسسوا لمبدأ التفوق العنصري للعرب والعروبة، بدعوى أن الله فضلهم بنزول الوحي على النبي الأعظم وباختيارهم رسلاً لنشر رسالته إلى الأمم الأخرى، وتعاملوا مع المسلمين من الأمم الأخرى باستعلاء، فأطلقوا عليهم تسمية الموالي، ولم يعاملوهم بمبدأ المساواة الإسلامي، لذا فلا عجب أن يتربص بهم هؤلاء، ويسعون مراراً وتكراراً للتخلص من سيطرتهم وظلمهم، وما تاريخ الأمويين والعباسيين سوى سلسلة متواصلة من الثورات وحركات التمرد، التي كان للأقوام غير العربية دور رئيسي فيها، وأوضح الأمثلة على ذلك الدور الفارسي الاستراتيجي في اسقاط الدولة الأموية، واضعاف ثم تقويض الدولة العباسية على يد المرتزقة الأتراك في جيش بني العباس.

هذا عرض تحليلي مختصر لمسيرة العرب نحو التحضر منذ الجاهلية حتى يومنا الراهن، وهي وجهة نظر، وصحتها ليست بالضرورة مطلقة، ولكن أجزم بأن لا يوجد عربي، وحتى الشيعة المتهمين في عروبتهم، لن يستشيط غضباً لقرائته، لماذا؟ لأنهم جبلوا جميعاً على تنزيه وتعظيم الذات العربية، وفي الوقت الذي تطورت الأمم الأخرى نتيجة قبولها بالنقد الذاتي اصيبت الحضارة العربية بالشلل التام بسبب رفضها للنقد الذاتي، وكان مصير من يجرأ على ذلك في الجاهلية القتل أو النفي ليصبح صعلوكاً، وفي العصور الأموية والعباسية كانت تهمة الشعوبية مترافقة غالباً مع الرمي بالزندقة والكفر، وبالتالي أجاز الحكام قتل الشعوبيين، وهم تعريفاً كل من قال بفضل غير العرب عليهم، أي أن لا فضل لغير العربي بالمطلق، خلافاً للمبدأ الإسلامي بأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.

تقوم العنصرية على تصنيف وترتيب للأقوام البشرية على سلم الرقي، ويضع العنصري قومه في أعلى الدرجات، تليها تلك الأقرب إليه، وهكذا، والمثال على ذلك اعتقاد النازية بالتفوق العنصري للأمة الآرية، وهذه العقائد خليط من الحقائق والأوهام، فالواقع الحقيقي الذي ابتنى عليه هؤلاء العنصريون مبدأهم هي الصفات الإيجابية في الأمة الألمانية، ولكنها غير كافية لتبرير عقيدتهم العنصرية لذا أضافوا إليها أوهاماً وتخيلات، ولأن العنصرية مبدأ باطل، فلابد أن تشكل الأباطيل والأوهام، التي يدركها أو يتوهمها العنصريون كحقائق لا تقبل الجدل، جزءاً غير يسير من أي عقيدة عنصرية، ونتيجة تدهور أوضاع العرب، وتدمير امبراطوريتهم، وتسلط غير العرب عليهم لأكثر من ألف عام، واجهتهم مشكلة التوفيق بين نزعتهم العنصرية ووقائع أحوالهم المريرة التي تناقضها، لذا لجئوا إلى ترقيع هذه الهوة بين صورة الذات العنصرية وواقعها الهابط بالأوهام، ولأن كل الأمم الأخرى التي تعودوا على مقارنة أنفسهم بها تجاوزتهم بمراحل وأشواط على مسار الرقي والتطور كان لا بد لهم من الإصرار على دعوى التفوق العنصري على أمة واحدة على الأقل، ولم يختاروا الأتراك على الرغم من أنهم حكموا العرب بالحديد والنار، وحقروهم وتعصبوا ضدهم لقرابة ألف عام، وبالتحديد منذ أن استعملهم المعتصم جنوداً مرتزقة، ومؤخراً نبذوا الإسلام واعتنقوا العلمانية واستبدلوا الحروف العربية باللاتينية؟ كلا، لأن العصبية للمذهب الواحد تجمع بينهم، فعادوا إلى الهدف الرئيسي لعنصريتهم القديمة الحديثة، وهم الفرس.

 وأشد العرب المعاصرين هوساً بالعنصرية والتعصب ضد الفرس هو الطاغية صدام حسين، الذي أتبع القول بالفعل، فكانت حربه الخائبة، التي خرج منها العراق أشلاء وطن والعرب حطام أمة، فهل اتعظوا من ذلك؟ كلا لأن العنصريين منهم مدمنون على هذا الفكر المريض، ولأنهم متيقنون من فشلهم أمام القوة المتنامية لإيران حولوا حرابهم العنصرية إلى الشيعة، ظانين بأنهم هدف سهل وبديل للإيرانيين، بعد أن اشاعوا بأنهم من غير العرب وموالين لإيران، على الرغم من الحقائق الساطعة التي تقطع بعروبة شيعة العراق ونقاء سلالاتهم، وبأن الذين يشككون في عروبتهم هم في الواقع أما من غير العرب أو هجين من تزاوج أقوام شتى من العرب والأتراك والرومان والشركس والمماليك والبربر والصليبيين والزنوج وأحفاد المسترقين، وهذا هو السياق الفكري والعقائدي لتصريحات مبارك، وهو دليل على أن الجبهة العنصرية نفسها التي وقفت مع النظام البعثي الفاشي ضد إيران ترص صفوفها اليوم ضد شيعة العراق، وهذه حقيقة يجب أن لا تغيب عن أذهاننا، وبالإخص قادتنا المفرطين بحقوقنا والمتراخين أمام أعدائنا.أجزم، إعتقاداً مني بإن الله ينصر من نصره، بأن الحرب التي يشنها أدعياء العروبة والإسلام العنصريون على شيعة العراق ستمنى بالفشل كسوابقها، وسيهدمون بيوتهم من القواعد ويحفرون قبورهم بأيديهم، ولعلنا سنشهد بعد ذلك اهتداء من سينجوا منهم إلى الصراط القويم.

د. حامد العطية

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك