لم يحدثنا تأريخنا العربي والأسلامي على مر العصور بأن أي خليفة ,سلطان ,ملك أو رئيس وصل الى السلطة برغبة من شعبه بإنتخابهم له فجميعهم إستحوذوا عليها إستحواذاً او حصلوا عليها عن طريق الوراثة ثم آتى عصر الأنقلابات الدموية التي عاثت فساد على ما هو فاسد .
وبأستعراض سريع لما حدث في تأريخنا الأسلامي وبعد إنتقال خير البشر الى الرفيق الأعلى وإجتماع القوم في سقيفة بني ساعدة للتخطيط لمرحلة ما بعد النبوة برغم من حظورهم يوم غدير خم ومبايعتهم لامير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين , الإ أن ما جرى كان مؤامرة وأنقلاب على آمر رسول الله صل الله عليه وآله فأقبل الناس طوعا وكرها وبالتهديد والوعيد للمبايعة , وما أن انقضت أيام الخلافة الأولى حتى سلمت الى الخليفة الثاني وهكذا الثالث الذي تمسك بها كرداء أرتداه بآمر إلهي حتى عندما طالبه أهل الأمصار بعزل نفسه عن الخلافة أو تنحية الولاة من أقربائه وعزلهم كان يردد قوله " ما كنت أنزع قميصا قمصنيه الله" .
وكما إعتبر معاوية أبن ابي سفيان السلطة هبة الله إليه ! وقوله لإهل العراق : (ما جئت أقاتلكم على الصوم والصلاة واعلم أنكم تقومون بها ولكني أقاتلكم لإتأمر عليكم فقد أمرني الله عليكم) , هذا أساس الشجرة الخبيثة وأساس الفتن التي حدثت وتحدث بعد ذلك يعتبر ما بيديه بأمر من الله تعالى !! . ولم يختلف أمراء بني العباس بنظرتهم للحكم والسلطة فكان المنصور يصف نفسه "سلطان الله في الأرض" وتواتر الورثة من بعده على عرش الخلافة . هكذا عاشت أمتنا الأسلامية حالة من القهر والأستبداد والتفنن في آليته والأساليب المتوحشة في الحكم فأسهم بشكل مباشر في تأخير أمتنا وتدهور حالها منذ بداية نشأتها والى يومنا هذا بأستثناء (الأربع أو الخمس أعوام التي حكم فيها أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب عليه السلام) أما بقية التأريخ فتنوع ما بين الطغيان والتسلط والتعسف والفردية الحاكمة , السلطة المطلقة , الاستعباد , الديكتاتورية , والقائد الضرورة , بتسلط طبقة حاكمة معينة وحاشيتهم على رقاب البشر ومصادرة حقوقهم وحرياتهم , وهم من يتحكمون بمقدرات البلد فيعطوا لمن يشاؤوا ويمنعوا عن من يشاؤوا ,كما إنهم كانوا اليد الضاربة للحاكم المستبد على مدى العصور بدون إستثناء , فبهم يقوى ملكه وسلطانه ومرتكزات دولته بأعطائهم صلاحيات عليا ليصبحوا ملكيين أكثر من الملك , متذرعين بنظرية الطاعة لخليفة الله على الأرض تجنبا لإحداث الفتن بالضحك على عقول الناس السذج بإستخداهم الترهيب الديني وتخويفهم من التعرض لغضب الله بعدم إطاعة خليفته على أرضه وهو الحاكم طبعا !!.
وهم يحثون السير نحو دول الأستبداد والحكم المطلق للحاكم الأوحد وسلطته القمعية بدون مساءلة أو رقابة لتصبح الدولة ومقدراتها ملكا خالصا للحاكم وزبانيته .هذه التراكمات التأريخية (المختصرة) التي عششت في بلداننا العربية خصوصا وأغلب الدول الأسلامية عموما ,كوّنت هذه النزعات السياسات العامة المتبعة لجميع الدول التي عاشت تحت ظل ذلك النظام وتآثرت به وإنعكس سلبا على الوضع العام وعلى نفوس البشر التي أنقسمت ما بين المستسلم الخاضع لامرسلطانه وبين المتمرد على وضعه لا يقبل بالظلم والاستبداد يعشق الحرية ويبذل الغالي والنفيس من أجلها ومن أجل أن تعم بين الناس , بعموم العدل والمساواة في دولة العدل الألهي الذي لابد وأن يكون موعدها قريب .
فما يحدث في العراق اليوم ليس بعيدا عن تأريخنا الذي كرس مفهوم الإستبداد على أراضيه من حقبة حكم الى آخرى ومن ثورة الى آخرى ومن انقلاب الى ثاني ومن ظلم وطغيان الى الاحتلال . وبعد سيل الدماء وتقطيع الاشلاء وتهجير الأخلاء التي كانت بمثابة الضريبة التي دفعها شعبنا وأهلنا من أجل أن يتنفس هواء الحرية بعيدا عن ظلم الطغاة والدهاة فبعد أن كان الشعب أغلبه جهة معادية أنعكست المعادلة وأصبح الشعب بيده حق الأختيار لمن يراه مناسب في تجربة ديمقراطية فريدة في عالمنا العربي في التداول السلمي للسلطة ,الا ان مفهوم الديمقراطية بدا وكأنه شعار لكل من الأحزاب المتنفذة التي تسلّمت مقاليد السلطة وبدأت تبحث عن جذورها الإستبدادية التي ورثتها عبر التاريخ فشوهت مبدأ النظام الجديد بخرق الدستور وتجاوزه والتفرد بالسلطة وتغليب جهة على آخرى وتقريب المقرب وتسليطه وإستعماله كيد ٍ ضاربة وكأنما تعاد علينا سياسية رموز تاريخية كانت سبب التخلف والاستبداد طوال القرون الماضية بأعادة مفهوم خليفة الله على الأرض !.
أربع سنوات ونصف مرّت منذ إنتخاب المالكي كمرشح تسوية عن الائتلاف العراقي الموحد خلال الإنتخابات الماضية عقب الأختلاف للتجديد للجعفري لولاية ثانية الذي كان بمنافسة السيد عادل عبد المهدي , فتقمصها المالكي فكانت المسيرة حافلة في عراقنا الجديد نتيجة انعكاس لتلك السياسيات ان يعم الفساد وتبدد ميزانية البلد التي بلغت بحدود 300 مليار دولار خلال الأربع سنوات الماضية وما الاستقتال والتمسك بالسلطة والتضحية بمستقبل شعب ومقدراته وأمنه من أجلها الا لتوفير غطاء قانوني على ملفات الفساد في حكومته فمن وزارة التربية التي صنفت منظمة اليونسكو وزيرها خضير الخزاعي بأنه أفشل وزير تربية بالعالم والفساد المستشري سواء المالي أو الاداري في وزارته ولسنا بعيدين من ما حدث بوزارة التجارة ووزيرها الهمام عبد الفلاح السوداني المقدام وعقود البطاقة التموينية والاغذية الفاسدة وإستيراد المواد الإنشائية من مناشئ رديئة , ولا ننسى هنا صاحب السعفة الذهبية التي كرمه بها المالكي نتتيجة إهداره 17 مليار دولار على مشاريع ومحطات كهرباء والنتيجة 20 ساعة قطع باليوم !! في أغلب مدن العراق أما القرى فما زالوا يعيشوا في زمن القرون الوسطى ! لا ماء ولا كهرباء ولا مدارس وأن وجدت فهي أما من القصب أو الطين !!! , ومع ذلك المالكي يصف وزير الكهرباء المستقيل وحيد كريم بالمجاهد الكبير ويدافع عنه بضراوة !! .
فمن سيطالب حكومة المالكي اذا قدر لها ان تتسلم رئاسة الوزراء لاربع سنوات القادمة بتقديم الحسابات الختامية لموازنات السنوات الأربع الماضية قبل التصويت على موازنة العام 2011 ؟؟ الوضع الاقتصادي في البلاد لم يتحسن ومعدلات البطالة ارتفعت على الرغم من تخصيص تلك الميزانية الضخمة للسنوات الأربع الماضية، فمن حق الشعب أن يعرف في أي الطرق صرفت بموجبها تلك المبالغ . وبدورنا نتسائل كيف ستكون ياترى السنوات الأربع القادمة في ظل وجود نفس المافيات ونفس رؤوس الفساد وآلياته ؟ .
عراقيـــة
https://telegram.me/buratha