ثقافة الكراهية والدجل والقتل

تناقضات السلفية التكفيرية: ابن تيمية يعتبر”الأيزيديين” من أهل السنة والجماعة وتلامذته يستبيحون دماءهم ويسبون نساءهم

2153 13:22:43 2014-09-08

 

د. إبراهيم العاتي(*)

      يشكل تراث ابن تيمية الحراني (ت 728هـ) المرجعية الفكرية والفقهية للتيارات السلفية التكفيرية منذ بدايتها في القرن الثامن عشر على يد محمد بن عبد الوهاب (ت 1206هـ/ 1791م) وحتى ظهور الجماعات الاسلامية المسلحة كالتكفير والهجرة والسلفية الجهادية والقاعدة وداعش، منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا.

 وقد خالف ابن تيمية في أيامه جمهور المسلمين فاصطدم مع فقهاء الاحناف والشافعية والمالكية، بل والحنابلة أيضا، كما انتقد الاشاعرة –وهم المذهب الاعتقادي الأغلب لأهل السنة والجماعة- وهاجم المعتزلة والصوفية والشيعة بجميع فرقهم. كان الشيخ ابن تيمية يعتقد بالتجسيم والتشبيه، وينسب الى الله تعالى صفات الاجسام، كالوجود في جهة والاستواء على العرش حقيقة، والحركة والانتقال، وأن الوجه والأعين والارجل المذكورة في بعض الآيات والأحاديث إنما هي على الحقيقة دون المجاز، وقد أكد ذلك الرحالة ابن بطوطة فيما رواه عنه مشاهدة أن ابن تيمية كان يقول على منبر جامع دمشق: إن الله تعالى ينزل الى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر! (1)

 وكانت القضية الاخرى التي اصطدم فيها مع جمهور المسلمين هي موقفه السلبي من زيارة النبي المصطفى (ص) والتوسل به، وتكذيبه للأحاديث الصحيحة التي أجمع عليها أهل العلم والحفاظ المشهود لهم بالتضلع في السنة النبوية المطهرة. وقد وسع ابن تيمية الشقاق في هذه المسألة، (وأكثر من جداله فيها، حتى رمى جميع من لا يرى رأيه بالشرك، والمشابهة باليهود والنصارى، والغلو وعبادة القبور، ولم يسلم حتى اصحابه من نيل هذه الألقاب والقذف بها) (2).

 ولما كان ثابتا في السنن الصحيحة قول رسول الله (ص): ((من زار قبري وجبت له شفاعتي))، وأحاديث مشابهة اخرى كثيرة، فضلا عما درج عليه المسلمون منذ عصر الصحابة بزيارة القبر الشريف دون ان ينبزهم أحد بعبادة القبور او الشرك، فقد تصدى لهذه الفتنة أحد كبار فقهاء الشافعية في عصره وهو الإمام الشيخ تقي الدين السبكي (ت 756هـ) ورد على مشعلها ابن تيمية في كتاب سماه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) اعتبر فيها ان التشكيك في زيارة سيد المرسلين (ص) (مما القى الشيطان على لسان بعض المخذولين، التشكيك في ذلك في قلوب الموحدين، وإنما هي نزعة من مخذول، لا يرجع وبالها الا عليه، ولا يترتب عليها إلا ما ألقى بيده اليه) (3).

 وبسبب مواقف ابن تيمية تلك، ثارت عليه ثائرة علماء المذاهب السنية الاربعة، وردوا عليه، واتهموه بمخالفة مذهب اهل السنة في التوحيد والتنزيه. ورغم حماية سلطان المماليك له لفتاواه التي تدعو الى طاعة السلطان حتى وان كان فاجراً او ظالماً، فان سخط العلماء كان شديدا، فوضعه في سجن بقلعة دمشق، ولكن في قاعة حسنة، غير انه مرض مرضا شديداً ادى الى وفاته (4).

 كان التكفير اسهل كلمة يتفوه بها ابن تيمية ويحكم بها على مخالفيه، كما هو حاله مع المتصوفة عموماً، ومع الشيخ محي الدين بن عربي خصوصا. والناظر لما نقله ابن تيمية عن ابن عربي يجد أنه لم يرد على لسانه او في كتبه، بل هو تحريف واضح لأقواله حتى يسهل تكفيره واخراجه من الملة!! والشيء نفسه فعله مع الفرق الأخرى.

 ولكن ابن تيمية حينما يصل الى فرقة (الآيزيدية) أو (اليزيدية) نراه ناعما جداً ويلتمس لهم الأعذار، بل ويعتبر زعيمهم من أهل السنة والجماعة!!رغم الشبهات التي تحوط عقائد هذه الجماعة ومخالفتها لمباديء الإسلام، كغلوهم في يزيد بن معاوية وتقديسهم لإبليس وغير ذلك من العقائد التي تخرجهم من الدين -حسب ثوابت ابن تيمية- لو كان عشرها موجوداً عند فرق أخرى.

 وقد كتب لهم رسالة مطولة سميت (الوصية الكبرى) يبدو فيها ناصحاً وصديقا محباً، فيقول: ( من أحمد بن تيمية إلى من يصل اليه هذا الكتاب من المسلمين المنتسبين الى أهل السنة والجماعة، والمنتمين الى جماعة الشيخ العارف القدوة أبي البركات عديّ بن مسافر الأموي –رحمه الله- ومن نحا نحوهم، وفقهم الله لسلوك سبيله، وأعانهم على طاعته وطاعة رسوله –ص- وجعلهم معتصمين بحبله المتين، مهتدين لصراط الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،…)(5).

 فأول ما نلاحظه في مقدمة رسالته هو اعتباره اليزيديين مسلمين ينتسبون لأهل السنة والجماعة، وأن شيخهم عدي بن مسافر (الأموي) (ت 557هـ) هو العارف والقدوة!! وتبحث عن الشيخ عدي فيما قدمه محققا هذا الكتاب فتلاحظ ثناء واطراء على شخصه ورفعه الى درجات عليا من قبل ابن تيمية وتلامذته.

 يقول ابن تيمية: (الشيخ عدي، قدس الله روحه، كان من أفاضل عباد الله الصالحين، وأكابر المشايخ المتبعين، وله من الأحوال الزكية والمناقب العلية، ما يعرفه أهل المعرفة بذلك، وله في الأمة صيت مشهور، ولسان صدق مذكور) (6).

 وقال عنه الذهبي: الشيخ الامام الصالح القدوة، زاهد وقته، ووصفه ايضاً بأنه شيخ العارفين (السابق، ص 27). بل ان ابن تغري بردي صاحب (النجوم الزاهرة) ينقل عن احد الأقطاب قوله عن الشيخ عدي: لو كانت النبوة تنال بالمجاهدة لنالها الشيخ عدي بن مسافر!! (7).

 ويخلص محققا الكتاب الى أن (عقيدته- الشيخ عدي- المحفوظة عنه لم يخرج فيها عن عقيدة من تقدمه من المشايخ الذين سلك سبيلهم … وهؤلاء المشايخ لم يخرجوا في الأصول الكبار عن أصول أهل السنة والجماعة)(8).

 والسؤال الموجه لابن تيمية وأتباعه: هل يوجد في مذهب اهل السنة والجماعة ما يشير الى تقديس عدي بن مسافر وجعل قبره في لاليش قرب الموصل قبلة لأتباعه، واستحقاقه مرتبة الألوهية؟ وهل عندهم ما يسمى طاووس الملك عظيم الملائكة الذي يعتبر هو (ابليس أو الشيطان) في الأدبيات الإسلامية، والذي لا يجوز النيل منه أو لعنه؟ وهل عند أهل السنة كتاب سماوي يسمى (الجلوة) و(مصحف رش) أو (المصحف الأسود)؟.. والأسئلة كثيرة في هذا المقام، ولا اعتقد أن عندهم إجابة علمية او موضوعية حينما يحاصرون من اهل العلم بالحجة والبرهان، سوى الهبوط الى مستوى متدنٍ من الحوار، فيلجأون الى الافتراء والشتم والتكفير، وهذا ديدنهم منذ عصر ابن تيمية وحتى يومنا هذا!

 والسؤال الأكبر لأتباع ابن تيمية سواء منهم من افتى بحلية سبي النساء اليزيديات أمثال الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار (العلماء) في السعودية، أو من نفذ هذه الفتوى كمجرمي داعش الذين اختطفوا مئات النساء اليزيديات وصاروا يبيعوهن في سوق النخاسة، هو: هل اطلعوا على رأي منظّرهم الأكبر -أو شيخ الاسلام كما يسمونه- ابن تيمية وتأملوا في موقفه الايجابي من اليزيديين ام انهم غفلوا عن ذلك؟

 وسؤال اخير لمشايخ الوهابية: توجد في المملكة السعودية ودول الخليج العربية الأخرى جاليات كبيرة العدد، منها الوثني كالسيخ والهندوس والبوذيين، ومنها الكتابي كالمسيحيين واليهود … فهل تسري فتاواهم على أمثال هؤلاء، أو هل يمتلكون الجرأة أصلاً على القول بشمول فتاواهم لأمثال هذه الجاليات؟ لاشك عندنا بأنهم لا يفكرون بذلك ولو في الأحلام!..لا بل انهم اقاموا كنائس في بعض دولهم لكي يؤدي فيها المسيحيون صلواتهم، واكثر من ذلك فإن دولة مثل البحرين ترسم السعودية سياستها، وترابط فيها قواتها العسكرية، عينت سيدة يهودية بحرينية سفيرة لها في عاصمة دولة كبرى هي اميركا، رغم ان عدد اليهود في البحرين لا يتجاوز العشرات..كل ذلك إرضاء للوبي الصهيوني المهيمن على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، حتى تغض الطرف عن جرائمها بحق الشعب البحريني وثورته السلمية المطالبة بالإصلاح السياسي!!

  فلماذا إذن يتظاهرون بالشجاعة والتمسك الديني على الاقليات الدينية في العراق وسوريا وغيرهما من البلدان العربية، رغم أن هؤلاء مواطنون يضربون بجذورهم في اعماق التاريخ، وعمرهم من عمر الحضارات التي نشأت في بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر، والتي وضعت فيها اولى القوانين والمعارف العلمية والحضارية والرسالات الدينية، ولكن أنّى لأصحاب (الفقه البدوي) – كما عبّر عنه الشيخ محمد الغزالي- ان يرتقوا لمعرفة الفقه الحضاري؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش

1-   رحلة ابن بطوطة، ج1، ص43.

2-   حسين محمد علي شكري: مقدمة كتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام للسبكي، ص6، دار الكتب العلمية، بيروت، 2009.

3-   تقي الدين السبكي: شفاء السقام في زيارة خير الأنام، ص85.

4-   صائب عبد الحميد: ابن تيمية – حياته وعقائده، ص67، ص84، الغدير للدراسات والنشر، بيروت.

5-   ابن تيمية: الوصية الكبرى، ص37، تحقيق: محمد النمر وعثمان جمعة ضميرية، مكتبة الصديق، ط1، الطائف، السعودية، 1987.

6-   المصدر نفسه، ص27.

7-   م. ن: ص28.

م. ن: ص30.

الحكمة (خاص): (*)أكاديمي وباحث إسلامي

13/5/140908

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك