د. سيف الدين زمان الدراجي ||
تعتبر حروب الوكالات أحد أبرز العوامل التي تؤثر على التوازن الإقليمي وتشكل تحديًا كبيرًا للعلاقات الدولية في العصر الحديث، لما تمثله هذه الظاهرة من تفشي للنزاعات والصراعات على مستوى العالم، حيث تستخدم دولٌ كبيرة أو قوى فاعلة عواملها المؤثرة لتمويل وتسليح جماعات مسلحة أو دولٍ أخرى لتحقيق أهدافها الإقليمية أو الاستراتيجية دون مواجهة مباشرة.
فلو فرضنا أن هناك دولة ما ترغب في زعزعة استقرار دولة أخرى في منطقتها لأسباب استراتيجية، فانها بدلاً من شن حرب مباشرة، تقوم بتوجيه دعم مالي وعسكري لمجموعة مسلحة محلية داخل الدولة المراد زعزعة استقرارها. لتقوم هذه المجموعة المسلحة بتنفيذ هجمات وتفجيرات وصناعة ازمات لنشر الفوضى داخل الدولة المستهدفة بالنيابة عن الدولة المُخططة. وبهذه الطريقة، تتسبب الدولة الكبرى في تأجيج الصراع دون الدخول في نزاع مباشر مع الدولة ذات العلاقة أو مع القوى الإقليمية الأخرى. وهذا الفعل يسمى بـ "حرب الوكالات"، والذي يعد المجموعة المسلحة بمثابة "وكيل" الدولة الكبرى او الدولة المستفيدة.
تكمن مشكلة حروب الوكالات في تأثيرها الواسع والعميق على العلاقات الدولية في العالم، فضلا عن زيادة التوترات الإقليمية ، وتعقيد الجهود الدبلوماسية ومعاناة السكان المدنيين في المناطق المتضررة. إن فهم هذا النوع من النزاعات يساعد في تطوير استراتيجيات للتعامل معها والمساهمة في تحقيق السلام والاستقرار العالمي.
ومن أجل فهم تداعيات حروب الوكالات على المجتمع الدولي لابد من تحديد بعض العوامل التي تلعب دورا محوريا في تقويض الجهود وعرقلة السياسات الدولية الرامية لحفظ السلم والامن الدوليين. حيث تزيد حروب الوكالات من التوتر بين القوى الكبرى والدول الإقليمية. فعندما تدعم دولةٌ ما جماعةً مسلحة في منطقةٍ معينة، قد تزيد بذلك الدعم تصاعد التوترات مع الدول الأخرى التي تشعر بالتهديد. وهو ما قد يؤدي الى زيادة احتمالية نشوب الصراعات الإقليمية، ويعجل للدول المتورطة بوكالة في النزاع التدخل بشكل أسرع وأكثر قوة مما يزيد من خطورة تفاقم الاوضاع على المستوى الدولي ايضاً.
عادة ما تُصَعِّب حروب الوكالات عمليات التسوية، الامر الذي يعرقل تحقيق اتفاقات مستدامة عندما تظل القوى الداعمة للأطراف المتحاربة تستمر في تقديم الدعم والسلاح. كما يمكن لحروب الوكالات أن تؤدي إلى تدهور الأمن الدولي بشكل كبير، وقد يدفع نحو تداول الأسلحة النووية أو الكيميائية.
ما يحصل في عدد من الدول الافريقية لابد من دراسته بشكل دقيق، ومعرفة فيما لو كان لذلك علاقة مباشرة او غير مباشرة بحرب الوكالات وصراعات الدول، لاسيما وان هناك صراعا مستمرا وحربا لايوجد لنهايتها ضوءا في نهاية النفق حتى الان بين روسيا الساعية لإعادة الأمجاد واوكرانيا المدعومة من اوروبا والولايات المتحدة. وهو ما خلق معادلة جديدة على شكل الديناميات الإقليمية والدولية، والتي قد تجمع بين العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية. كما انه اثر بشكل كبير على توزيع النفوذ الإقليمي، مما اسهم في تعزيز سلطة بعض الدول أو الجماعات على حساب الأخرى. وهو ما اعتبره بعض المتخصصين احد السيناريوهات التي يمكن أن تؤدي الى تغييرات في القوى الإقليمية والتوازن الدولي. كما انه احد اهم التحديات للدبلوماسية التي يتم من خلالها عقد اتفاقات سلمية وتعزيز اطر التسوية بين الاطراف المتحاربة والقوى المتصارعة من خلفها.
إن فهم تأثير حروب الوكالات على العلاقات الدولية يتطلب دراسة معمقة للسياسات الدولية والديناميات الإقليمية، وتعزيز التعاون الدولي للتصدي لهذه التحديات والمساهمة في تحقيق السلام والاستقرار العالمي. وللتغلب على تأثير حروب الوكالات على العلاقات الدولية، يجب على المجتمع الدولي العمل بجدية على تعزيز الحوار والتفاهم الدولي، والسعي لايقاف التصعيد في الدول الهشه لما لذلك من تداعيات على زيادة العداء بين الامم وتنامي المآسي العالمية وتقويض الاقتصاديات الوطنية والمساعدات الانسانية والاغاثية. إن ضمان استمرارية عمليات التسوية وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي يتطلب تعاوناً دولياً شاملاً وجهوداً حقيقية لحل الصراعات بشكل سلمي، والحد من تمويل ودعم الجماعات المسلحة من قبل الدول الكبرى والإقليمية. الا ان ذلك لايُخلي مسؤولية الحكومات الوطنية او القيادات المجتمعية من تعزيز جبهاتها الداخلية بالشكل الذي يضمن عدم سقوطها سقوطا مدويا او وقوعها ضحية لصراعات دولية تحركها كدمية لاحول لها ولا قوة سوى اتباع تعليمات بعض أجهزة الدول الداعمة لمصالحها دو الاكتراث لما قد يقع من ظلم ودمار على تلك الشعوب ككيان مسلوب القرار الذاتي و الارادة الوطنية.
https://telegram.me/buratha