عبود مزهر الكرخي ||
الحكم الإرهابي الى بنو أمية
وبعد أن ثبت(خال الإرهابيين الأول)حكمه العضوض وذلك بعد انقلاب دموي ، كان بناء دولته على طريقة البيزنطيين في نظام الحكم والسير على نهج الملوك والأباطرة والأبهة التي ستصف هذا الحكم حيث العرش ومقصورة الملك داخل المساجد بعد أن ألغى نظام مجلس الشورى... والعجب أن الخليفة الثاني عمر كان ضعيفاً أمام أبي سفيان ومعاوية، فقد نصب معاوية نفسه بعد موت أخيه بدون مراجعة عمر فوافق عمر عليه! ولم يسمع لاعتراض الصحابة على تولية معاوية لحداثة سنه! (1)كما اعترضوا على خلافة الإمام علي(عليه السلام)يوم السقيفة المشؤومة.
ثم كان عمر يوبخ عماله ويعزلهم ويحاسبهم حتى أنه صارحهم بأنهم جمعوا المال الحرام وناصفهم أموالهم! بينما لم يوبخ معاوية يوما ولا حاسبه على شيء ولا قبل عليه شكاية، بل كان يغرس في نفسه أنه كسرى العرب! " وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى معاوية قال: هذا كسرى العرب " (2).
بل كان عمر يراه أعظم من كسرى، فقال: " تذكرون كسرى وقيصر ودهائهما وعندكم معاوية؟! " (3).
وحتى معاوية كان معاوية يقول: أنا خليفة الله بقانون الغلبة وعقيدة الجبرية!
كان الإعلان الأول لمعاوية في النخيلة أنه قال للمسلمين أنه كان قتاله كان من اجل الوصول إلى سدة الحكم والتسلط على رقاب المسلمين بقوله : " ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، وقد أعرف أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون " (4).
ومعنى ذلك: أولا، أن هدفه الحقيقي من سفكه لدماء المسلمين، ونيته وهدفه من أول الأمر هو: التسلط والتآمر على رقابهم! لا دم عثمان ولا علتان.
ثانيا، أعلن أن القضية من جانبه صراع على السلطة، وادعى أنها كذلك من جانب بني هاشم، وكأنه لا فرق بين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وآله، وعلي بن أبي طالب! وما دام انتصر فلا يخاف أن يعلن ذلك!
فهذا اعتراف من معاوية على نفسه بأنه لا دين له! ونحن نقبل شهادته في حق نفسه، ولا نقبل تهمته لغيره، لأنها نفس تهمة أبيه وزعماء قريش للنبي صلى الله عليه وآله بأنه يريد تأسيس ملك لبني هاشم كملك كسرى وقيصر! وقد كذبهم الله تعالى وسمى أبا سفيان وزملاءه أئمة الكفر،وأمر المسلمين بقتالهم، فقال: فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون (4)‘(5).
وكان يوطد أركان حكمه البغيض حيث دأب معاوية من خلال تسلطه على الحكم أن يمارس شتى أنواع التعسف والإرهاب تجاه خصومة وبالذات شيعة الإمام علي(عليه السلام)وملاحقتهم بالقتل وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون ، وبقر البطون ، وصلب الأجساد العارية على جذوع النخل ، والتشريد ، وحرق البيوت وهدمها على أصحابها وما إلى ذلك من أنواع سبل الإبادة والاستئصال لشيعة علي ( عليه السلام ) ومواليه كما دأب على إجرامه ، وحاك على منواله ، حكام بني أمية ، وبني مروان وبني العباس ، ولم يسلم من هذه الإبادة الجماعية والإرهاب حتى الشيوخ والأطفال والنساء ، والمرضى ، وبضمنهم من الصحابة الخواص إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)وعوائلهم من أمثال حجر بن عدي وميثم التمار ، ورشيد الهجري ، وعمرو بن الحمق الخزاعي وغيرهم مما يطول ذكرهم ، والمنفذ لهذه الأعمال الإجرامية في صيتها زياد الخزي والعار ابن سمية وابن مرجانة (6).
واستطاع بهذا الإرهاب الدموي وبلا حدود والأجرام الوحشي ، أن ينشر الرعب والخوف والهلع بين عامة المؤمنين ، وكان التركيز على أهل الكوفة والبصرة ، وأن يحد الى أقصى حد التجاهر بالتشيع والولاية وإضعاف معنوياتهم إلى حد كبير ، بحيث أن الواحد منهم يرضى أن يتهم بالقتل والسرقة أو الزندقة أو أي جريمة أخرى ولا يتهم بالتشيع لعلي ( عليه السلام ) ومذهبه وموالاته.
وبلغ الأمر أن كتب معاوية إلى جميع عماله في جميع الأمصار " أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، و انظروا قِبَلَكم من شيعة عثمان و محبيه و محبي أهل بيته و أهل ولايته و الذين يروون فضله و مناقبه فأدنوا مجالسهم و قربوهم و أكرموهم و اكتبوا بمن يروي من مناقبه و اسم أبيه و قبيلته، ففعلوا حتى كثرت الرواية في عثمان و افتعلوها لما كان يبعث إليهم من الصلات و الخلع و القطائع من العرب و الموالي، و كثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في الأموال و الدنيا، فليس أحد يجيء من مصر من الأمصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلا كتب اسمه و أجيز فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر فادعوا الناس إلى الرواية في معاوية و فضله و سوابقه، فإن ذلك أحب إلينا و أقر لأعيننا و أدحض لحجة أهل البيت و أشد عليهم .
فقرأ كل أميرٍ و قاضٍ كتابه على الناس، فأخذ الرواة في فضائل معاوية على المنبر في كل كورة و كل مسجد زورا، و ألقوا ذلك إلى معلمي الكتاتيب فعلموا ذلك صبيانهم كما يعلمونهم القرآن حتى علموه بناتهم و نسائهم و حشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله .
و كتب زياد ابن أبيه إليه في حق الحضرميين أنهم على دين علي و على رأيه؟
فكتب إليه معاوية: اقتل كل من كان على دين علي ورأيه. فقتلهم ومثل بهم " (7).
وتمادى معاوية في التطاول على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فأعلن سبه في نواديه العامة والخاصة وأوعز إلى جميع عماله وولاته أن يذيعوا سبّه بين الناس، وسرى سب الإمام في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وقد خطب معاوية في أهل الشام فقال لهم: " أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: إنك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة، يعني الشام، فإن فيها الأبدال، وقد اخترتكم فالعنوا أبا تراب" (8) ، فعجّ أهل الشام بسب الإمام. وخطب معاوية فيهم، فقال لهم: " ما ظنكم برجل، يعني علياً، لا يصلح لأخيه، يعني عقيلاً، يا أهل الشام !! إن أبا لهب المذموم في القرآن هو عم علي بن أبي طالب" (9).
ويقول المؤرخون: إنه كان إذا خطب ختم خطابه بقوله: " اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك وصدَّ عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلاً، وعذَّبه عذاباً أليماً" (10).
وعلى الرغم من كل تلك الممارسات الوحشية والتي تفوق التصور والعقل لم يستطع استئصال جذور التشيع من قلوب الموالين والمؤمنين وعقولهم ، والفشل في اخماد جذوة الحب والولاء إلى الإمام علي(عليه السلام)واهل البيت ، ليبقى رمز التشيع هو السائد والذي يمثل جوهر الإسلام الحقيقي الأصيل ، ولينتشر على مر الزمان ، ومستهين بكل ما يجري عليه من صعاب ومعاناة من اجل حمل فكر التشيع والذي يمارسه حكام الظلم والطاغوت ضده.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ تاريخ دمشق: 59 / 86، وسير الذهبي: 3 / 126.
2 ـ نثر الدرر للآبي / 255، ونحوه وأسد الغابة: 4 / 386، وفتح الباري: 7 / 311.
3 ـ تاريخ الطبري: 4 / 244)!. راجع كتاب جواهر التاريخ - الشيخ علي الكوراني العاملي - ج ٢ - الصفحة ٢١٩. منشورات المكتبة الشيعية.
4 ـ " الذهبي في سيره: 3 / 146 ". بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٥٣. منشورات المكتبة الشيعية. مقاتل الطالبيين - ابو الفرج الإصفهاني. حياة الامام الحسن 2 / 254. المصنف لابن أبي شيبة - ج 10. من تأليف سعد بن عبد الله آل حميد- ابن أبي شيبة. كتب Google.
5 ـ (التوبة: 12).
6 ـ راجع كتاب جواهر التاريخ - الشيخ علي الكوراني العاملي - ج ٢ - الصفحة ٢١٩. منشورات المكتبة الشيعية.
7 ـ الإحتجاج على أهل اللجاج: 2 / 295 لأحمد بن علي الطبرسي، المتوفى سنة: 588 هجرية، الطبعة الأولى سنة: 1403 هجرية، مشهد/ايران.
8- شرح نهج البلاغة ج3 ص361.
9 ـ حياة الإمام الحسين (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - الصفحة ١٦٠. منشورات المكتبة الشيعية.
10 ـ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣٣ - الصفحة ٢١٤.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha