عبود مزهر الكرخي ||
علي (عليه السلام) يقرأ ويكتب :
من اللافت النظر أن أمير المؤمنين كان يحسن القراءة والكتابة وأن المؤرخين قد ذكروا: أن علياً (عليه السلام) كان من السبعة عشر رجلاً من قريش، الذين كانوا حين دخل الإسلام يعرفون القراءة والكتابة بالعربية (1).
ولكن اللافت هنا أمور:
أحدها: أن البلاذري قد وصف هؤلاء العارفين بالقراءة والكتابة بأنهم رجال، مع أن عمر علي (عليه السلام) كان حين البعثة كما دلت عليه الروايات المعتبرة لا يزيد على عشر سنوات، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، إلا إن كان قد عده في جملة الرجال على سبيل التغليب..
الثاني: إنه عد فيهم من دلت الشواهد على انه لم يكن يحسن القراءة، فضلاً عن الكتابة.. فإن عمر بن الخطاب مثلاً لم يكن ـ كما ورد في حديث اسلامه ـ يحسن القراءة (2).
الثالث: إن أحداً لم يذكر لنا شيئاً عن الشخص الذي تعلم علي (عليه السلام) القراءة والكتابة عنده. ولو كان ثمة من يعرف شيئاً من ذلك لسارع إلى إظهاره، ليطالب علياً (عليه السلام): بأن يعترف بهذا الجميل، وأن ينوه به، وأن يذكره بين الفينة والفينة.
والذي نراه هو أن الله سبحانه قد حبا هؤلاء الأصفياء من الأنبياء والأوصياء بالمنح والألطاف، والكرامات بحيث أغناهم عن الجلوس بين يدي المعلمين والمؤدبين سواء في القراءة والكتابة أو في غيرها..
وإذا كانت السيدة زينب عالمة (غير معلمة) فما بالك بأخي رسول الله، وباب مدينة علمه، وخير الخلق بعده؟!! (3).
القُضَم.. علي (عليه السلام) :
قال ابن الأثير في مادة قضم: "ومنه حديث علي (عليه السلام): كانت قريش إذا رأته قالت: احذروا الحطم، احذروا القضم، أي الذي يقضم الناس، فيهلكهم" (4).
وعن ابن عباس، قال: لما نكل المسلمون عن مقارعة طلحة العبدري، (أي الذي كان من بني عبد الدار)، تقدم إليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال طلحة: من أنت؟!
فحسر عن لثامه، فقال: أنا القضم، أنا علي بن أبي طالب.
زاد في نص آخر قوله حكاية عن طلحة: قد علمت يا قضم أنه لا يجسر علي أحد غيرك (5).
وحين قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) في أحد: قدم الراية، تقدم (عليه السلام) وقال: أنا أبو القصم (ولعل الصحيح: أبو القضم) (6).
وروي عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: كنت أماشي عمر بن الخطاب، إذ سمعت همهمة، فقلت له: مه يا عمر!!
فقال: ويحك، أما ترى الهزبر، القضم ابن القضم، والضارب بالبهم، الشديد على من طغا وبغا، بالسيفين والراية؟!
فالتفت، فإذا هو علي بن أبي طالب (7).
لماذا سمي بالقُضَم؟!:
وأما السبب في تسميته (عليه السلام) بـ "القُضَم"، فقد رواه القمي "رحمه الله"، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن الصادق (عليه السلام): أنه سئل عن قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي (عليه السلام): يا قضم، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب، وأغروا به الصبيان، وكانوا إذا خرج رسول الله يرمونه بالحجارة والتراب.
وشكى ذلك إلى علي (عليه السلام)، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذا خرجت فأخرجني معك.
فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فتعرض الصبيان لرسول اله (صلى الله عليه وآله) كعادتهم، فحمل عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان يقضمهم في وجوههم، وآنافهم، وآذانهم.
فكان الصبيان يرجعون باكين، ويقولون: قضمنا علي، قضمنا علي، فسمي لذلك القضم (8).
ومن هذه الروايات نصل إلى حقيقة ثابتة أن من كان ناصر الرسول الأعظم محمد(صل الله عليه وآله)ومنذ نشوء الدعوة الإسلامية ونعومة أظفار الإمام علي(عليه السلام) ، وهو الذاب والكاشف عن كرب النبي محمد(صل الله عليه وآله) وهو أسد الله الغالب منذ ذلك اليوم ، ليوضح مدى ملازمة ومرافقة أمير المؤمنين(عليه السلام) لأخيه وأبن عمه الرسول ، والتاريخ يعيد نفسه عند واقعة عاشوراء ليكون الأخ والناصر عن اخيه الإمام الحسين(عليه السلام)هو ابي الفضل العباس(عليه السلام)حامي المشرعة وحامل لواء الحسين ، وهذه أخلاق وسجايا موضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي ومعدن الرحمة وخزان العلم ومنتهى الحلم وأصول الكرم وقادة الأمم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1ـ فتوح البلدان (ط مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة) ج3 ص580 ومكاتيب الرسول ج1 ص102 وراجع: العقد الفريد ج4 ص157.
2ـ راجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" (الطبعة الخامسة) ج3 ص307 و (الطبعة الرابعة) ج3 ص177.
3 ـ راجع كتاب الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)- ج02 (لـ جعفر مرتضى العاملي). المكتبة العقائدية. الفصل الثالث: ..حتى شعب أبي طالب. ص 43 ـ 44.
4 ـ النهاية لابن الأثير (ط المطبعة الحيدرية) ج3 ص293 و (ط مؤسسة إسماعيليان) ج4 ص78 وبحار الأنوار ج20 ص67 عنه، ومستدرك سفينة البحار ج8 ص538 ولسان العرب ج12 ص488.
5 ـ بحار الأنوار ج35 ص60 وج20 ص50 عن تفسير القمي ج1 ص108 ـ 112 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص56 ـ 58 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص305.
6 ـ تاريخ الخميس ج1 ص427. وراجع: الغدير ج7 ص205 والبدايـة والنهاية ج4 ص22 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص593 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص39 وجواهـر المطالـب لابن الـدمشقي ج2 ص119 وسبل الهـدى = = والرشاد ج4 ص194 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص19 وج18 ص82 وج23 ص552 وج30 ص149 و 150 وج32 ص356.
7 ـ تفسير القمي ج1 ص114 وبحار الأنوار ج20 ص52 و 53 وج41 ص73 وراجع: مناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص383 وحلية الأبرار ج2 ص427 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص370 ومدينة المعاجز ج2 ص81.
8 ـ تفسير القمي ج1 ص113 وبحار الأنوار ج20 ص52 عنه، وراجع: البرهان ج1 ص311.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha