كندي الزهيري ||
تواجه المجتمعات الإسلامية بشكلاً عام والعربية بشكل خاص، منزلقات خطيرة خصوصاً الثقافية . اليوم علينا أن نطرح سؤال مهم ، إلى متى نسير كالعمي بطريق رسم لنا مسبقاً ، رسمه المنحرفين وأتباع الهوى ، من أجل نسف جذورنا ،وجعلنا أمة ميتة ، لا روح فيها ، تعصف فيها رياح الشر .
اليوم نسأل لما لا نمتلك مراكز تستشعر الخطر قبل وقوعه! ، ولما لا نمتلك مراكز تروج لثقافتنا الإسلامية بشكل حقيقي!، لما لا نمتلك مراكز حقيقية معنية بمواجهة (الغزو الثقافي)، لما لا نسمح للعقول أن تأخذ دورها في هذا المجال! ، لما نستشعر الخطر بعد وقوعه ، لما نشير له ولا نعالجه!، أين صلابة ثقافتنا ، أين العزم الذي نتكلم به من أفعالنا! ، هل إستسلمنا أم ضعف عودنا ،أم إنهُ الهدوء الذي يسبق العاصفة . اليوم نشير إلى مصطلح لم ننتبه له ، بشكل واضح ، ولم يأخذ منا حيزاً من التفكير ، والبحث عنه ،حتى أصبح في بيوتنا ويهدد أسرنا بشكل فعلي ، أنه "الهاليو " التي تعني "الموجة الكورية"، ما يلقي الضوء على المد الثقافي الكوري المتصاعد متواصلا في مختلف أنحاء العالم.
فكيف ومتى بدأت هذه الموجة ؟ كيف استفادت منها كوريا الجنوبية داخلياً، وهل نجحت في إكسابها قوة ناعمة على الساحة الدولية؟.
كنا نعلم بأن كوريا الجنوبية مختصة في صناعة السيارات ، و أجهزة المتنوعة منها "الموبايل" وغيرها ، لكن لم يكن في الحسبان أن الكوريا ستكون مؤثرة ثقافياً إلى هذا الحد . الكثير استصغرها ، ولم يضع لها حساب لدى صانعي القوى الناعمة .
روجت كوريا في بادئ الأمر ، الموسيقى الشعبية أو الدراما الكورية - أو ما يعرف ب "كي-بوب" و "كي-دراما".
لكن في الأعوام الأخيرة، أتسعت الموجة الثقافية الكورية ، و لم تعد تقتصر على منطقة جنوب و شرق آسيا، بل تخطتها، وتدفقت بأتجاه باقي أنحاء العالم، وجعلت من فريق "بي تي إس"( BTS) على سبيل المثال ، واحداً من الفرق الغنائية الأكثر شعبية في العالم، ومن المسلسل الدرامي "لعبة الحبار" (Squid Game)، المسلسل الأكثر مشاهدة على خدمة نتفليكس التي تبث الأفلام والمسلسلات عبر الاشتراك.
مع أتساع تطبيقات السوشيال ميديا ، أصبحت هذه التطبيقات، ومع عدم وجود رقابة ، أسرية وأخرى حكومية ، تحولت كوريا من بلد مستهلك للثقافة إلى مصدر كبير لها!... و خصوصاً في عام 2010، شرعت الموجة الكورية في توسيع قاعدتها لتشمل، إلى جانب الموسيقى والدراما، التقاليد والأطعمة واللغة وغيرها .
و في عام 2012 تحديداً بعد إصدار أغنية "غانغام" ستايل للمغني الكوري ساي، التي حققت نجاحا كبيراً في مختلف أنحاء العالم ، أعطت الرغبة في تعلم كلمات أغاني "الكي-بوب"، خصوصاً في الوطن العربي ، تحديداً لدى فئة (المراهقين) . و في عام 2020، بدأ فريق "بي.تي.إس" فصلاً جديداً في تاريخ موسيقى الكي-بوب، عندما أحتلت اغنية "داينامايت" قائمة Billboard Hot 100 ، والقائمة تطول .
السؤال المهم ؛ هل إنتشار الثقافة الكورية كان مصادفة ؟.
لنعود قليلاً إلى الوراء ، والبحث عن المبادئ التي جعلت من الكوريين ، يغزون بثقافتهم العالم ، خصوصاً دول العربية ، المعروف عنها بأنها دول لها جذور ثقافية وإجتماعية عميقة ،
لنعود إلى أواخر الثمانينيات ، سنجد من جديد ، يد للشيطان في تلك الموجة ، وهي ، يد جوزيف ناي عالم السياسة الأمريكي والمسؤول السابق في إدارة الرئيس كلينتون ، من خلال (القوة الناعمة ) ، ويعني قدرة بلد ما على إقناع الآخرين بفعل ما تريد بدون استخدام القوة أو الترهيب. هل كان الذهاب إلى مبادئ جوزيف ناي في (القوة الناعمة ) محض صدفة !، كلا لكون هناك هدف مسبق وجد في فكر الأمريكي ما يخدمه ، خصوصا بأن الداعم الأول من خلف الستار هو الأمريكي ذاته ، لكون الهدف الكوري المعلن الذي تعكف على تحقيقه هو " أن تصبح المصّدر الرئيسي للثقافة الشعبية في العالم". هل هذا الهدف بعيد عن رؤية الحكومة الكورية أم لا ؟ ، أنفقت الحكومة الكورية في عام 2022 رقما ضخما هو 6.05 مليار دولار أمريكي ،لصالح من !، لصالح لوزارة الثقافة والرياضة والسياحة، والهدف من ذلك زيادة دعم لإنتاج المحتوى الثقافي والموجة الكورية، والترويج لكوريا على مستوى العالم.
لكن هل تتحمل الحكومة الكورية كل النفقات ؟ ومن أين تاتي بالأموال ؟.
في البدأ ؛ الحكومة الكورية تتحمل نفقات بنسبة من( 20 إلى 30) في المئة، من ميزانية صندوق استثمار قيمته مليار دولار، مخصص لتنمية الثقافة الشعبية وتصديرها، والباقي النسبة تأتي من البنوك الإستثمارية والشركات الخاصة، خصوصاً العاملة في مجال إنشاء المدن ، والصناعات و شركات البترول.
لكن رغم هذا الحجم من الإنفاق ، هل هناك فوائد اقتصادية إضافة إلى الثقافية؟ .
نقلا عن تقرير صدر عن المؤسسة الكورية للتبادل الثقافي الدولي، أن صادرات البلاد الثقافية بلغت قيمتها 12.3 مليار دولار عام 2019، بارتفاع قدره 22.4 في المئة عن عام 2018. أن فريق البوب الكوري الجنوبي "بي.تي.إس" أسهم وحده في رفد إقتصاد بلاده بمبلغ 4.9 مليار دولار - وهو ما أطلق عليه إعلاميا "تأثير بي.تي.إس".
"الهاليو" و العالم العربي...
_في أبو ظبي بالإمارات عام 2016، في إطار مهرجان K-Con، وهو مهرجان سنوي لموسيقى البوب الكورية ، بدأ في الولايات المتحدة، ثم أمتد إلى دول أخرى كاليابان والإمارات وفرنسا والمكسيك.
_في عام 2019، تدفق 60 ألف متفرج على الرياض لمشاهدة الحفل الموسيقي الذي أقامه فريق "بي.تي.إس" في إطار موسم الرياض الترفيهي. لم يكتفي مراهقين الوطن العربي ، من السماع والمساعدة فقط ، إنما تعدى الأمر إلى "تقليدهم شكلاً ومضموناً" ، وهذا بحد ذاته يمثل تحدي آخر لثقافة العربية ، التي قُمعت بسبب الأساليب الخاطئة المتوارثة تارة، و المفروضة من الحكام بصورتاً المشوهة ترة أخرى ، الذين جعلوا من الشاب العربي لا ينظر إلى الصورة الحقيقية للثقافة العربية الإسلامية ، وهذا يعود إلى السبب الأول هو أبعاد المجتمع عن الثقافة الأصيلة المتمثلة بثقافة أهل البيت عليهم السلام ، وفسح المجال إلى خطاب الكراهية والبغضاء والتجهيل وغيرها . ستبقى هذه الأمة تتخبط في أمواج الثقافات الهجينة ، حتى تعود إلى جذورها ، إذ أرادت العزة والكرامة.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha