رياض البغدادي ||
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴿20﴾ النور
تكرار هذه الكلمة مع حذف الجواب، إشارة الى نهاية قبح هذا القول وشدّة الغضب لأجله، ونهاية قبح حبّ شياع الفاحشة فى المؤمنين، وحذف الجواب هنا للإشعار بشدّة القبح وشدّة الغضب على حبّ شياع الفاحشة.
وفي معنى الآية قال المفسرون أعلى الله مقامهم وجوهًا من الكلام:
الأول: أن جوابه محذوف وكأنه قال: لَهَلكتم أو لعذبكم الله لكنه رؤوف رحيم.
الثاني: جوابه في قوله تعالى ﴿مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ النور 21 وهي الآية التالية.
الثالث: جوابه لكانت الفاحشة تشيع.
والأقرب، أن جوابه محذوف، لأن قوله تعالى ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ كالمنفصل من الكلام الأول، فلا يجب أن يكون جواباً للأول، خصوصاً وقد وقع بين الكلامين كلام آخر، والمراد أنه لولا إنعامه بأن أمهل، لهلكوا، لكنه لرأفته لا يَدَعُ إلّا ما يكون للعبد أصلح، وإن جنى على نفسه.
الرابع: أن في التعقيب بالرؤوف الرحيم بدل ﴿تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ النور10 كما يقتضيه المقام، هنالك ما يؤذن بأن الذنب في هذا أعظم، وكأنه لا يرتفع إلا بمحض رأفته تعالى، وهو أعظم من أن يرتفع بالتوبة.
الخامس: قوله تعالى ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ تصديره تعالى الكلام بحرف التأكيد﴿وَأَنَّ﴾، المراد منه بيان اتّصافه تعالى في ذاته بالرأفة، التي هي كمال الرحمة وبالرحيمية التي هي المبالغة فيها على الدوام والاستمرار.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿21﴾"النور
قوله تعالى ﴿خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ أى مسلكه وآثاره، والمعنى أن لا تسلكوا مسالك الشيطان ولا تصغوا له، فإنه كان قد توعدكم بأن يضلكم..
و﴿الْفَحْشَاءِ﴾ ما أفرط قبحه، و﴿الْمُنْكَرِ﴾ ما تنفر منه النفوس ولا ترتضيه.
قوله تعالى ﴿مَا زَكَى مِنْكُمْ﴾ الزكي من بلغ في طاعة الله مبلغ الرضا والمعنى: لولا فضل الله عليكم ما بلغ أحد منكم رضا الله تعالى، لكن توفيقه تعالى لكم، هو الذي بلغ بكم موضع الرضا والتزكية.
وهنا مسألة نتوقف عندها، قيل: إما ان نحمل التزكية على فعل اللطف، أو حملها على الحكم بكون العبد زكّاياً.
وقد ردوا على ذلك أن الوجهين على خلاف الظاهر، فإما الوجه الأول فيدل على فساده وجوه:
الأول: فعل اللطف هل يرجح الداعي أو لا يرجحه؟ فإذا لا يرجحه فلا يكون لطفاً، وإن رجحه، نقول إن المرجح لابد أن يكون منتهياً الى الوجوب، فإنه مع ذلك القدر من الترجيح، إما أن يمتنع وقوع الفعل، أو يمكن، أو يجب، فإن امتنع كان مانعاً لا داعياً، وإن أمكن وقوع الفعل فلابد من مرجح آخر فيكون المرجح هو المتقدم وبذلك يكون الفعل للمرجح وليس للعبد، فيكون الله تعالى هو الفاعل وهذا خلاف، وإن لم ينضم له مرجح صار محال الوقوع.
ثانيا: إنه تعالى قال ﴿اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ علق التزكية على المشيئة وفعل اللطف واجب والواجب لا يتعلق بالمشيئة.
ثالثا: إنه تعالى علق التزكية بالفضل والرحمة ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ والألطاف واجبة لا تتعلق بالفضل والرحمة.
وأما جواب الوجه الثاني: وهو الحكم بكونه زكياً فذلك واجب لأنه لو لم يحكم به لكان كاذباً، والكذب على الله محال، فكيف يجوز تعليقه على المشيئة؟ فثبت ان قوله ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ نص في الباب.
﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي ان الله تعالى يعلم ما تضمره أنفسكم، ويسمع ما تلفظه السنتكم، فاحذروا الله تعالى واعملوا وفق طاعته ورضاه.
https://telegram.me/buratha