د.مسعود ناجي إدريس ||
في البداية لنلقي نظرة ونشير الى ما حدث من تاريخ (89 ه. ق الى 897 ه. ق) في الاندلس. في فترة 800 عام وفي جنوب غرب أوروبا، إسبانيا اليوم، تمكن المسلمون من حكم وتطوير مختلف العلوم والصناعات في الأندلس خلال 8 قرون. كان هذا في الوقت الذي كانت فيه أوروبا في ذلك الوقت عالقة في فترة تخلف رهيبة، ولم يكن في هذه الحكومة سوى الاندلس فيها الحرية والعلم والتطور والتقدم في مختلف مجالات الفن والصناعة والأدب والثقافة وما إلى ذلك وكلها تدفقت بسبب المسلمين.
في مجال الطب، أجرى أشخاص مثل بهلي وابن زهرة عمليات جراحية دقيقة للعيون. في الهندسة المعمارية لتلك الفترة، يمكن أن نذكر مسجد قرطبة، الذي يعتبر من الروائع المعمارية في العالم. كما تسبب المسلمون ازدهارا خاصا في القضايا الثقافية والفنية مثل صناعة الزجاج والمنسوجات والقماش المنسوج والفخار والبلاط والورق ووصلوا به إلى ذروته.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ونسعى للإجابة عليه في هذه المذكرة هو ما حدث للمسلمين في فترة الأندلس، بعد 800 عام من حكم أوروبا، ولماذا تعرضت الأندلس لكثير من الهزيمة والإذلال، وتضاءلت الحضارة العظيمة التي خلقها المسلمون.؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال أرى ضرورة ذكر حديث في المقدمة حيث قال الإمام علي عليه السلام: ما أكثر العبر، وما أقل المعتبرين. وأيضا قال: رحم الله امرءا تفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر. وعنه (عليه السلام): من اعتبر بالغير لم يثق بمسالمة الزمن.
القرآن الكريم أيضا بعد الذكر دروس وعبر الناس في الماضي أوصي بأن يكون تاريخ الأقوام السابقين مهما بالنسبة لنا بهذا التعبير: قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين.
نستنتج مما قيل أنه إذا كانت دراسة تاريخ الشعوب والأمم وانحدار وفشل الحضارات والحكومات مفيدة عندما نأخذ العبر منه، وبغيرها ستكون دراسة التاريخ لا جدوى منها. ووفقًا لبعض الكبار والعظماء ، فإن التاريخ بدون العبر نبش بقبور الماضي ، وليس التعلم من الماضي.
ذكر المؤرخون أسباباً مختلفة لسقوط الأندلس مع هزيمة المسلمين. وبحسب الإمام متقين علي (ع) فإن الخطر الأكبر هو اتباع الاهواء وشهوات النفس ، كما قال إن عبادة الشهوات تضلك عن الحق.
ولكن إذا أردنا أن نجد جذورًا وأسبابًا عميقة ونتأمل في أوضاع المسلمين في تلك الفترة ستكون الآية 59 من سورة مريم خير مثال عليه : فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات.
برأي المتواضع إن سبب سقوط المسلمين في الأندلس وهزيمتهم هو ظهور جيل له صفتان ، إحداهما ضياع الصلاة والأخرى اتباع الشهوات.
هذان العاملان هما من بين العوامل التي يمكن العثور عليها في أي مكان في التاريخ حيث النتيجة المؤكدة والحتمية لمصير وتاريخ تلك الحكومة أو الحضارة هي السقوط والانحلال.
إن كل أمة وجماعة ومجتمع يهتم بتربية جيل صالح ويعلمه القيم الدينية وعلى أنها لا تقل أهمية عن القيم الأخرى سيرسل عليه الله خير ونعم السموات والأرض:وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ .
لكن النتيجة القسرية لإهمال الأمم والحكومات والحضارات المتطورة لذكر الله والعلاقة مع الله ، والتي تتلخص في صلاة وهذا الواجب الاستثنائي والفريد من نوعه ، ستسبب خطر الحرمان والهزيمة في نهاية المطاف وتسبب المشقة في عالم الدنيا والعذاب في الآخرة.
قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ
هذه الدروس التاريخية يجب أن تؤخذ على محمل الجد لأن سياسة أعداء الأمة الإسلامية اليوم تتمركز في جعلها أندلسية، والصلاة الحقيقية هي السبيل الوحيد لمواجهة وحماية المجتمع من أن ينجرف في الضلال.
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha