كندي الزهيري ||
على أمتداد السنوات القرن العشرين، تخلى الكثير من المفكرين الغربيين عن الاقامة في الغرب فجأة!، وذلك بعد نقد الغرب والتذكير، بشأن التاريخ الغربي ، وقد توجه هؤلاء إلى بلاد الشرق ، واعتنقوا الإسلام واختاروا أسما إسلاميا لهم، ونقدوا الغرب والحداثة المزيفة، وقارنوهما بالشرق ، واتوا على ذكر إرهاصات أزمة الغرب ونهايتة.
ومن هؤلاء يمكن الإشارة إلى( رينيه غينون) الفرنسي و (فريتهوف شوان ) السويسري والكثير من المفكرين الغربيين.
وقد اعتنق(غينون ) الإسلام وهو في السابع والعشرون من عمره. وأمضى جل حياته في تقويم والنقد الفلسفي للحداثة والعصرنة، ورأى "ان الحضارة المادية الغربية آيلة إلى الزوال والتدهور ، واعتبر حضارة الشرقية تحظى بالفلاح والنجاة " ولذلك فإنه قال " إني أدير ظهري لهذا العنصر الشيطاني(الغربي) ، إني أدير ظهري لهذا العنصر الشيطاني المجسم، وساذهب للعيش في الأزهر بمصر بدلا من العيش في فرنسا ".
وقد هاجر إلى مصر وختار (عبد الواحد يحيى ) أسما له ، ودون حصيلة دراساته وخبرته في ثلاثة كتب مهمة هي( أزمة العالم الحديث) ، و ( هيمنة الكم وآخر الزمان ) ، و ( الشرق والغرب)، وأعلن أن السبيل الوحيد للتحرر من أزمة العالم المتجدد ، يكمن في إقامة التراتيبية القيمة والتقليدية من جديد، في جميع شؤون الحياة.
وقد ولد غينون في أسرة كاثوليكية، لكنه لجأ إلى الشرق والمعنوية، بعد دراسته الرياضيات وتلقيه التحصيلي الفلسفي والديني ولأنه لم يجد ضالته في المدارس الغربية!، وتجاوز الديانات الأخرى مثل (الهندوسية و التاوية ) ليصل إلى دين الحق (الإسلام ) ، وثبت حصيلة تجاربه في هذه المسيرة في عشرين كتابا.
وفي هذه الأعمال، يشرح جذور الضلال وتدهور العالم المتجدد، وذلك من أجل أن يعتبر الآخرون، ويستعرض المبادئ المعنوية والرموز المقدسة، ويغوص في التغيرات التي طرأت في الغرب.
ويصف؛ غلبة التاريخ الغربي والحداثة بمهنية والكم ويعتبرها(ضلالا وانحرافا كبير عن العالم )
ويرى أن ذلك التاريخ يسلك مسلكا يؤدي إلى الانقلاب والتدهور الحقيقي. ويقول في الفصل التاسع والعشرون من كتاب( هيمنة الكم ) :
براينا ؛ فإن معاداة التقليد، والتي بني العالم الجديد (الغربي) تعتبر أمر انحرافيا بشكل عام، نسبة إلى موضع السوي الذي تتصف به جميع الحضارات التقليدية، بغض النظر عن أوجهها الخاصة بها... وهذا الانحراف(العالم الغربي) ،سار حتى منذ البداية نحو الإرساء المتزايد لهيمنة الكم، لكن هذا الانحراف عندما يصل إلى ذروته، يؤدي إلى نوع من الانقلاب ، الحقيقي أي أنه يتخذ حالة تقف بالضبط مقابل النظام السوي.
فالانقلاب: هو المرتبة الأخيرة من مسار تكامل الانحراف. بعبارة أخرى، فإن الانحراف التام يجلب معه انقلاب، وفي موضع العادي للأمور، لا يمكن القول بأن الانقلاب قد بلغ حده الأخير.
لكن علائم منه قد برزت من الآن في جميع الشؤون التي تعد (تزويرا) أو (تقليدا) ، مثيرا للسخرية.
ان هذا الانحراف التام عن التقاليد، والذي احدثه العالم الغربي الجديد، يتصف بطبيعة( شيطانية ) بأمتياز ويقول غينون بشأنه: إن مفردة الشيطاني، تطلق في الحقيقة على جميع الأمور التي تنطوي على إنكار وقلب النظام... ولا يعتبر العالم الحديث منكرا مطلقا لكل حقيقة تقليدية؟. ويستعين رينه غينون بالتمثيل، فيقدم الغرب على أنه مكان غروب شمس الحق ويقول : بقدر ما يصبح كل إنسان بغض النظر عن عرقه وبلده، غريبا، فإنه يبتعد بالقدر نفسه عن الطابع الشرقي من الناحية النفسية والفكرية، أي من الرؤية التي تبدو مهمة حقا.
وهنا لا تتدخل المسألة( الجغرافية ) وحدها، إلا إذا أدركنا الجغرافيا بطريق أخرى، لا على غرار ما يريده الحداثيون، لان(الجغرافية الرمزية ) موجودة أيضا، وفضلا عن ذلك ، فإن التفوق الحالي للغرب، يتطابق بشكل ذي مغزى مع نهاية عصر ما ، لأن الغرب هو في الحقيقة النقطة التي تغرب فيها الشمس، أي أنه يصل إلى أقصى دورانه اليومي ويصبح حسب المثل الصيني( الفاكهة الناضجة تسقط أسفل الشجرة ) .
أن دراسة الديانات دفعت بغينون إلى أن يتحدث بتلك الأدبيات عن نهاية الغرب. يقول : إن الغرب يمر الآن بالعصر الرابع من عصور البشرية( منفنترا) وهو عصر (الظلام) كالي يوغا..
ويذكر بأن معنى(منفنترا) هي " أن عمر العصر البشرية ينقسم إلى أربع حقب، وهذه الحقب هي مظهر مراحل التدهور التدريجي للمعنوية الأولية، ونمر الآن بالحقبه الرابعة أو(كالي يوغا ) اذ يرى البعض أنه يمر على بدايتها، وحتى الوقت الحاضر اكثر من ستة آلاف سنة ".
هذا التدهور والابتعاد وكما يقول غروب الشمس في الغرب، بأنه يمثل مرحلة النهائية، ويبقى وفقا للتعاليم الإسلامية بانتظار الترميم(آخر الزمان ) في نهاية هذا الانحدار والسقوط لكي تصل الظلمات إلى النور.
في ختام هذا الحديث: إن الغرب يحاول بشتى الطرق ان يبقى مهيمن على عقول البشرية، من خلال حجزهم في الظلمات الجهل والانبهار بالحضارة الغربية الزائفة، ومحاولتهم كسب الوقت قبل أن يظهر النور الساطع من الشرق ليزيل ظلمات الشيطان ، وينير عقول البشرية بنور الله عز وجل، وإرجاع النفس إلى الطريق الصحيح ، بعيدا عن الأهواءوالكذب والزيف، ويقر فلاسفة الغرب والعلماء بأن لا مستقبل للغرب اذما شرقت نور الحقيقة من الشرق.
((يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)) ... (( وقال جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)).
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha