علي عنبر السعدي ||
- ابن سبأ مروان – من طريد الرسول ، الى المستشار صاحب القرار .
- أرجعوه الى المدينة – فأرجعهم الى السيوف .
مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ،ابن عم الخليفة الثالث عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية .
شخصية غامضة ،لم تسلط عليها الأضواء طوال خلافتي ابو بكر وعمر الا لماماً ،أسلم أبوه الحكم عند فتح مكة ، وكان مروان طفلاً في السادسة من عمره ، وقد رأى أباه كيف أجبر على اعتناق (رسالة) هاشمي ،وهو من البيت الأموي الأكبر والأغنى في قريش والأكثر نفوذاً ، وقد اختلف الرواة في مقدار عداء الحكم وكرهه للرسول ،فقد قيل انه كان يسير وراء الرسول و يمدّ لسانه خلفه ،سخرية به ، وما مشهور من قصته ، ان النبي أمر بإبعاده من المدينة .
وهكذا نشأ مروان وهو يرى الاهانات تلحق بأبيه ، ويتشرد معه ،ولايحظى بالاحترام ، لذا صقل كل مافي نفسه من براعة وتصميم ،على تغيير ذلك المصير الذي جعله وأباه في تلك الحال ، وكانت خلاصة ما نواه ،أشبه بعقدة نفسية : الأمة التي أهانتني ووالدي ، لابد أن تدفع الثمن .
انتظر مروان طوال فترتي حكم ابو بكر وعمر ،وهو يراقب ما يجري ،ويتهيأ لما سيأتي ،الى أن واتته الفرصة حين وصلتْ الخلافة الى ابن عمه وصديقه عثمان بن عفان، الذي أعاده الى المدينة وجعل منه مستشاراً سيطر على الأمور فعلياً ، وكان لما يقوله ،تأثير على سير الأحداث ، وحين كثرت الشكوى من محاباة عثمان لبني أمية ،وغيرها مما أخذه المسلمون عليه ، اعتذر منهم في خطبة ،لكن مروان بن الحكم طالبه بعدم الاعتذار ،وأن يكون شديداً منيعاً (لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع منيع ، ولكنك قلت ما قلت حين أعطى الخطة الذليلة الذليل ) .
كان التذمر من الخليفة عثمان ، قد ظهرت بوادره في مصر ، التي قسى عليها ولاة عثمان - عمرو بن العاص ، فكثرت الشكوى منه وطالبوا بتغييره ،فأرسل اليهم من هو أشدّ منه (عبد الله بن أبي السرح ) فشكلّوا وفداً من كبارهم لمقابلة عثمان ، فوعدهم خيراً ، ثم كانت القاضية حين عودتهم بأن أرسل كتاباً لوالي مصر عبد الله بن أبي السرح ، يطلب قطع أيديهم ، لكن عثمان ينفي ان يكون قد أمر بذلك الكتاب ((يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا أمليت ولا علمت، ثم قال: وقد تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل وقد ينقش الخاتم على الخاتم) اذاً فهو يتهم من هو قريب منه ويستطيع الوصول الى خاتمه لتزوير الكتاب ،وقد أشار المؤرخون ان الكتاب بخطّ مروان .
فعاد المصريون غاضبين ، ثم حدثت تلك الفتنة الكبرى ،التي لم يجتمع بعدها المسلمون تحت راية واحدة ،وكان لمروان بن الحكم الدور الأكبر في حصولها ،رغم ان عثمان تلقّى نصائح بالحذر من مروان ، وكانت نائلة زوجة عثمان أول من فعل ذلك بشكل مباشر ،ثم الامام علي (**) ، لكن مروان استمر في اذكاء نار الفتنة حتى وقعت ،وفي معركة الجمل ،لعب دوراً في التحريض والدفع نحو المزيد من الاقتتال ،كما انه هو من قام بقتل طلحة ،طلباً لثأر عثمان كما يذهب بعض المؤرخين ،أو لميل طلحة نحو التهدئة .
وحين طلب منه عثمان ،الخروج لتهدئة المعترضين المحتشدين في الباب ،زاد الطين بللاً ، فقال : ما شأنكم ؟ كأنكم قد جئتم لنهب ، شاهت الوجوه ، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا ، اخرجوا عنا ، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم أمر يسوءكم ولا تحمدوا غبه).
وهكذا يظهر مروان بن الحكم ،كالمذكي الأهم لنار الفتن واللاعب الرئيس في وقوعها ، لأنه كان مقرّباً من الخليفة وصاحب التأثير في قراراته ،بل وتزييف كتاب باسمه الى والي مصر ،فأكنه ألقى حطباً على تذمر وشكوى بلغت أقصاها .
لكن ،ولكي تحرف حقائق الأحداث ،ولأن مروان بن الحكم كبير أمية ،والمؤسس الفعلي للدولة الأموية ،وماتبعها من خلافة أولاده وأحفاده من بعده ،ولأن تسليط أضواء التاريخ على ما فعله مروان ، سيؤدي الى اخلال في مسار الأحداث ،ويحملّ الامويين مسؤولية بداية الفتنة ، لذا تفتقت المخيلة عن شخصية ابن سبأ في اشارة الى أصله ، ألقي عليها كل مافعله مروان بن الحكم ، ثم ربطت بالجهة المعارضة ممن ناصروا عليّ ،ليصيبوا هدفين بضربة واحدة : تخليص مروان مما فعله ،والطعن بمن ناصروا خصمهم الألد علي بن أبي طالب ، الذي عيّرعثمان بخضوعه لمروان .
المصادر
رَوَاهُ: العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: سَمِعتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُوْلُ:
وَرَبِّ هَذِهِ الكَعْبَةِ، إِنَّ الحَكَمَ بنَ أَبِي العَاصِ وَوُلْدَهُ مَلْعُوْنُوْنَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(*) روى الحاكم عن عبد الرحمن بن عوف قال : كان لا يولد لاحد مولود الا اتى به النبي (ص) فدعا له فأُدخِلَ عليه مروان بن الحكم فقال : هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون.
(المستدرك ج4 ص479).
- حدثنا : ابن نمير ، حدثنا عثمان بن حكيم ، عن أبي إمامة بن سهل بن حنيف ، عن عبد الله بن عمرو قال : كنا جلوساً عند النبي (ص) وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني ، فقال : ونحن عنده ليدخلن عليكم رجل لعين ، فوالله ما زلت وجلاً أتشوف داخلاً وخارجاً حتى دخل فلان يعني الحكم.
مسند أحمد - مسند المكثرين - مسند عبدالله.. - رقم الحديث : ( 6233 )
(**)البداية والنهاية -ابن كثير .
قال علي : أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحويلك عن دينك وعقلك ، وإن مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به ، والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه ، وايم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك .
- دخلت نائلة على عثمان فقالت قد أطعت مروان حيث شاء . قال : فما أصنع ؟ قالت : تتقي الله وحده لا شريك له ، وتتبع سنة صاحبيك من قبلك ، فإنك متى أطعت مروان قتلك ، ومروان ليس له عند الله قدر ولا هيبة ولا محبة .
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha