دراسات

علاج الرذائل الأخلاقية /١٧...


د.مسعود ناجي إدريس ||

 

• سؤال: هناك مشكلة تشغل تفكيري وتوصلت إلى استنتاج مفاده أن كذا موضوع هو الصواب، لكن عندما أكون داخل الحدث أنساه أو لا أطبقه. على سبيل المثال: أعلم أني مخلوق من تراب وضعيف والعظمة لله فقط ولكن عندما أذهب خارجا فجأة أبدأ بالتكبر والقيام بالرذائل الأخرى، فإذا أمكن اشرح لي سبب حدوث هذا الأمر؟

• جواب: عزيزي السائل أعلم بأن جميع الرذائل الأخلاقية التي يعاني منها الإنسان يمكن علاجها بالمثابرة والتوجه إلى الله الرحمن الرحيم والتوكل عليه وفقط على العبد أن ينتبه إلى مواجهة ذلك بكل ما لديه من قوة. اعمل على إزالة هذه الرذائل من نفسك وانقل نفسك إلى الفضائل الأخلاقية. سبب التكبر هو غرور الإنسان بالممتلكات والعواطف غير الواقعية والمصالح الدنيوية، مما يجعله ينسى ذكر الله والأصول الحقيقية لسعادته، وينتج عن ذلك، أصابته بجميع أنواع الأمراض الأخلاقية والنفسية مثل العجرفة والغرور والأنانية وما شابه.

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه.. (الكافي، ج ٢، ص ١٢٢)

مصدر الغرور في عدة أمور:

1- الجهل: يقصد به ثقة الإنسان بأن الفعل أخلاقي وحسن ، بينما في الحقيقة ليس كذلك.

2- الوساوس الشيطانية: إتباع أهواء النفس والشهوة.

3- اثر الغضب والانتقام.

4- التعلق بالدنيا. إن العامل الرئيسي للغرور الذي ورد في القرآن هو الاعتزاز بالدنيا والأشياء المادية.

• علاج الغرور:

هناك طرق عديدة لعلاج الغرور قال أمير المؤمنين عليه السلام:«  مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ؛ مَكْتُومُ الْأَجَلِ، مَكْنُونُ الْعِلَلِ، مَحْفُوظُ الْعَمَلِ؛ تُؤْلِمُهُ الْبَقَّةُ، وَ تَقْتُلُهُ الشَّرْقَةُ، وَ تُنْتِنُهُ الْعَرْقَة. »(نهج البلاغة، حکمة ٤١٩)

في الأساس، فإن معرفة أوجه القصور والضعف لدى الإنسان هو عامل مهم في منع تكبره وغروره وأنانيته. عندما يعتقد شخص ما أنه ليس لديه أي شيء في هذا العالم وأن كل شيء هو هدية وقرض من شخص آخر، وأن ما لديه مؤقت وعابر وفاني ، وهو ضعيف للغاية، وعاجز، وكائن محتاج لن يتبقى مكان لأنانيته وتفاخره وغروره. لأنه ليس لديه ما يفخر به حتى هو نفسه أمانة.

ذكر الله من بين الطرق الناجحة لمعالجة الطغيان والعصيان وتجنب الجرأة في ارتكاب المعاصي والانتقال إلى المفاسد حيث ذكر الله الدائم يصقل القلب ويهدئ الروح ويكون عاملًا مُهِمًّا في السيطرة على تمرد الإنسان، فذكر الله فعال جِدًّا في تهدئة روح الإنسان وشفاء آلامه العقلية. وفي هذا السياق قال الإمام علي عليه السلام:« فَرَضَ اللَّهُ الْإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ، وَ الصَّلَاةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْرِ، وَ الزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ، وَ الصِّيَامَ ابْتِلَاءً لِإِخْلَاصِ الْخَلْقِ، وَ الْحَجَّ [تَقْوِيَةً] تَقْرِبَةً لِلدِّينِ، وَ الْجِهَادَ عِزّاً لِلْإِسْلَامِ، وَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَوَامِّ، وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ رَدْعاً لِلسُّفَهَاءِ، وَ صِلَةَ الرَّحِمِ مَنْمَاةً لِلْعَدَدِ، وَ الْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ، وَ إِقَامَةَ الْحُدُودِ إِعْظَاماً لِلْمَحَارِمِ، وَ تَرْكَ شُرْبِ الْخَمْرِ تَحْصِيناً لِلْعَقْلِ، وَ مُجَانَبَةَ السَّرِقَةِ إِيجَاباً لِلْعِفَّةِ، وَ تَرْكَ الزِّنَى [الزِّنَا] تَحْصِيناً لِلنَّسَبِ، وَ تَرْكَ اللِّوَاطِ تَكْثِيراً لِلنَّسْلِ، وَ الشَّهَادَاتِ اسْتِظْهَاراً عَلَى الْمُجَاحَدَاتِ، وَ تَرْكَ الْكَذِبِ تَشْرِيفاً لِلصِّدْقِ، وَ السَّلَامَ أَمَاناً مِنَ الْمَخَاوِفِ، وَ الْأَمَانَةَ [الْإِمَامَةِ] نِظَاماً لِلْأُمَّةِ، وَ الطَّاعَةَ تَعْظِيماً لِلْإِمَامَةِ. » (همان، حکمة ٢٥٢)

العبودية والعبادة وذكر الله عوامل مهمة لتحرير الإنسان من التكبر والغرور والغطرسة والأنانية. إن الإنسان الفخور والمتمرد لا يرغب أبدًا في الخشوع حيث هنا ستكون العبودية والسجود عوامل مهمة في كسر التكبر والغرور والغطرسة.

ذكر الموت احدى طرق التعامل مع التكبر والغرور وارتكاب المعاصي في الحياة ، يمكن للمرء أن يتأمل في ذكر الموت وتصور الحياة الأبدية بعد هذا العالم ؛ هذا يجعل الإنسان يتحمل المسؤولية عن كل أفعاله الصغيرة والكبيرة.

• فوائد ذكر الموت:

تلعب ذكر الموت بشكل أساسي ثلاثة أدوار مهمة في حياة الإنسان:

أولاً: خلق الخوف في الإنسان حتى يتمكن من التحكم في غروره وتنظيف سواد قلبه.

ثانياً: عامل للسيطرة على إسراف الناس.

ثالثاً: يمنع فعل الأشياء الباطلة التي لا داعي لها ولا جدوى منها.

الشخص الذي يذكر الله يكون مسؤول عن أفعاله لان يعرف سيقف في المحكمة ویجيب عن کل ما فعل وعلیه ان یسعى للقیام بالافضل حتى یتمکن من الوقوف امام الباری تعالى والدفاع عن أفعاله.

• تعبير آخر عن التكبر

كما ذكرنا فإن للتكبر أسبابا لا بد من معالجتها للتخلص منه. هناك غرور وتكبر بسبب النسب. هؤلاء يجب أن يعرفوا أنه أولاً وقبل كل شيء ليس من الجيد أن يفتخروا بكمال الآخرين. إذا كان والده فاضلًا ولم يستفد من معرفته، لن يخلق نسبه أي قيمة له. ومن وقع في الغرور والكبرياء بسبب الجمال يجب أن يعلم أنه مع مرض جلدي أو شيخوخة ممكن أن يفقد هذا الجمال.

وإذا كان سبب التكبر هو القوة الجسدية، فلا يجب أن ينسى المتكبر أنه في بعض الأحيان مع وجود مشكلة في القلب أو الدماغ، يصاب كل أو جزء من الجسم بالشلل أو العجز التام؛ بطريقة لا يستطيع إبعاد ذبابة عنه.

وأما الذين يفتخرون بالثروة والمال يجب أن يعلموا أولاً وقبل كل شيء أن ما هو خارج روح الإنسان لا يمكن أن يكون مصدر فخر إنساني، وإلا فإن نفس الثروة في أيدي أدنى الناس وأحيانًا تُسرق من قبل اللصوص. وثانيًا، الثروات تتغير باستمرار ولا تبقى ثابتة.

وإذا كان سبب التكبر و الغرور كثرة العلم والمعرفة وهو للأسف من أسوأ العلل وعلاجه أكثر تعقيدا ، فعليه أن يعلم أن القرآن قد شبه العلماء بالذين يحملون حمولة من الكتب على ظهورهم ، فالعالم متفوق علميًا على غيره ، ومسؤوليته أثقل. وقد يغفر الله سبعين ذنب للجاهل قبل أن يغفر ذنب واحد للعالم ، وعليه أن يعلم أن حساب العلماء يوم القيامة أصعب بكثير من غيرهم. ومع ذلك ، كيف يمكنه التباهي! بعد كل شيء ، لا ينبغي أن ينسى أن العلم الحقيقي هو ما يمنع الإنسان من التكبر ويعرف أنه ممكن بمرض يفقد ذاكرته.

وأخيرًا ، إذا كان مصدر التكبر هو القيام بكل أنواع العبادة وطاعة الله فيجب على المرء أن يعلم بأن الله لا يقبل إلا العبادة الخالية من أي نوع من التكبر والغرور ، و بالتأكيد الخطاة التائبين أقرب إلى الله من العباد المتكبرين.

• الحلول العملية

أ) يجب على الإنسان أن ينتبه تمامًا إلى فقره بالنسبة إلى الله تعالى وألا يغفل عن ذلك للحظة. أي ، للوصول إلى معرفة دقيقة بالذات ومعرفة الله ، يجب على المرء أن يفهم ماهية الإنسان وماذا يمكن أن يكون ، وماذا سيحدث إذا لم تكن هناك نعمة إلهية ؟

فكر أكثر في هذا الأمر ، واكتب بضعة أسطر عن هذا يوميًا واقرأها بصوت عالٍ حتى (10 أيام على الأقل).

ب) ابحث عن مكانك في نظام الوجود فسترى انك جسيم صغير بالنسبة لعالم الوجود ، وغيابك لن يؤثر فيه. أنت مثل قطرة في محيط من الناس وجسيم في الكون. فكر في الأمر كثيرًا واكتب عدة سطور عنه (لمدة 5 أيام) واقرأها بصوت عالٍ عدة مرات في اليوم.

ج) فكر في ضعفك وعيوبك جسمك وعدم قدرتك على التدخل في نشاطاتك الحيوية وبذلك يمكنك ان تتأكد من أن كل هذه الأمور تشير إلى خطة رئيسية فوق كل التدابير البشرية اي هو الله الذي يأخذ القرار النهائي. قم بكتابة نتاج هذه الفكرة في صفحة واحدة واقرأها مرتين يوميًا بتركيز وانتباه.

د) فكر في العواقب المؤسفة للغرو وتحققمن المصير السيء لمثل هؤلاء الناس ، ويكفي تدوين بعض هذه العواقب والتفكير في نوعية الأشخاص الذين وقعوا فيها.

هـ) قراءة الكثير من الروايات والآيات والأمثال والحكايات التي تدين العواقب السيئة لهذه الصفة ، وقراءة (الكتب الأخلاقية) لمدة نصف ساعة على الأقل يوميًا لمدة 10 أيام.

قال امیرالمؤ منین علیه السلام: « ان المتکبرین یجعلون فى صور الذر یتوطا هم الناس حتى یفرق الله من الحساب »

من المناسب أن يكون الإنسان واقعيًا ويحكم على نفسه بإنصاف ؛ أي أنه ليس من المناسب أن يعتبر الشخص نفسه أقل مما هو عليه ، كما أنه ليس من الجميل أن يفكر في نفسه على أنه أكثر مما هو عليه. كلاهما آفات وسوف يضر بمصير الإنسان. انتبه بشكل خاص لحقيقة أن التكبر يمنع الشخص من تحقيق أهداف عظيمة. والسبب واضح لأن الشخص المغرور لا يسمح لنفسه بالاستشار واستخدام آراء ووجهات نظر الأصدقاء والأساتذة والعظام ، وهذا يكفي لإبعاده عن كثير من القيم.

الشخص المغرور دائمًا ما يفضل رأيه على الآخرين باستبداد ، ونتيجة لذلك ، سيبتعد عن الواقع والبحث عن الحقيقة. نقطة أخرى هي أن الناس يكرهون الأشخاص المغرورين. مع هذا التعبير ، كافح من أجل معرفة الذات وتحسين الذات ، إذا كان لديك القليل من الغرور بذاتك فحاول أن تكون متواضعًا.

في النهاية ، تجدر الإشارة إلى أن احترام الذات والثقة بالنفس ، وهي علامة على الابتعاد عن الأعمال السيئة ودلالة على الصمود ضد العدو ، يشار إليها أحيانًا بالفخر الوطني ، والذي يمكن أن يطلق عليه أيضًا غرور إيجابي.

 

ــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك