د.أمل الأسدي ||
نبدأ أولا بتعريف الماسوشية أو المازوخية:وهي اضطراب في السلوك يتجسد في رغبة الشخص بالخضوع والتعرض للألم والتعنيـ.ف(الجسدي والمعنوي) والذل، وقد تتفاوت نسبة هذه الرغبة من شخص إلی آخر، وقد تم إدراج الماسوشية كمرض نفسي يحتاح إلی تشخيص ومعالجة من أجل السيطرة عليه والتعافي منه(١)
وأری أن الماسوشية قد لا تنحصر بالجانب المُتعَوي(اللذة) فتتجاوز هذا الجانب، فتكون صفة سلوكية عامة بالنسبة للفرد، أي أنه يشعر بالارتياح والرضا حين يخضع لآخر يذله أو سبق أن أذله وآذاه في موقفٍ ما أو قضية ما، سواء كان هذا الموقف لمدة زمنية محدودة أو مستغرقة طويلة، وعلی هذا الأساس يمكننا رصد السلوك الماسوشي وتتبع تمظهراته بعيدا عن المتعة الجنسية، وهذا الرصد بلحاظ أننا نتحدث عن ماسوشية سياسية ، وسيضعنا هذا التتبع أمام قضية وهي؛ هل يمكن أن تتحول الماسوشية من مرض أو سلوك فردي إلی ظاهرة جمعية في مجتمع ما أو كتلة بشرية ما؟
هنا سنقف عند تمظهرين من تمظهرات الماسوشية السياسية:
⭕الأول: صناعة الشعوب الماسوشية
وهذا التمظهر أشاعته الماكنة السلطوية التي تريد أن تربي المجتمعات علی الخضوع، وهذه الماكنة الاستعمارية السلطوية سادية التفكير، أي أنها تستلذ بتعذيب الشعوب وحرمانها من حقوقها. وتسعی إلی تغليف رغباتها السادية بمصطلحات تخفي حقيقتها، فنجدها تأتي من آخر الدنيا لتتحدث عن حقوق إنسان في بلدٍ شرقي ما، أو تتحدث عن الديمقراطية وهي التي تتحكم بالبلدان، ولاسيما بلدان النفط والمواد الأولية، وبلدان الرصيد الحضاري الذي تفتقده المنظومة الاستعمارية! والغريب أنه لايتم محاسبة هذه الدول والقول لها: من أتی بكم من آخر الدنيا الی بلداننا كي تعلمونا الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ وأية حقوق تلك التي يقدمها مستعمر غاز؟!
إذن تصبح المعادلة علی النحو الآتي: سلطة عليا سادية ، ومجتمعات وشعوب ماسوشية ترضی بالخضوع والذل والهوان.
وكي تتضح الصورة سنتحدث عن أنموذج من صناعة الشعوب الماسوشية، وهي الشعوب العربية الإسلامية، فقد قام متبنو النظريات الغربية بصناعة فكرٍ مقلوبٍ مشوه ومزيف، مفاده أن الدين الإسلامي، دين إنسانية وكرامة، وهذا لايمكّنه من أن يبني دولة،أو بمعنی آخر أن رجال الله المتدينين أمثال (علي بن أبي طالب) الذي يؤمن بوجوب تحقيق العدالة والمساواة بين الأفراد، لايصلح للحكم والإدارة وقيام الدولة، فمفهوم الدولة لديهم يقترن بالجور والظلم والحديد والنار، فشوهوا الحقائق وسرقوا من رسول الله والعصبة المؤمنة معه و كتاب الله المنزل، ما تم تحقيقه علی أرض الواقع، إذ تم لمّ شتات العرب والمسلمين وتحويلهم إلی أمة، وهذه الأمة تتنظم بدستور عادل وهو القرآن الكريم، الذي يضم التشريعات والقوانين التي تغطي مساحة الحياة البشرية بكل تفاصيلها، هذه الأمة تحتكم إلی سلطة متمثلة برسول الله الأعظم، وهذه المرحلة من أخطر المراحل وأشدها صعوبة، فهي مرحلة التأسيس والمواجهة، وإذا لم يكن مفهوم الدولة والمواطنة يعني أنه الانتظام بقانون أو دستور تحكمه سلطة، تعمل علی تطبيق القوانيين بين الناس، وتنظم مفاصل حياتهم، كما تجسد ذلك في الدولة المحمدية التي أسسها رسول الله وأهل بيته ؛ فكيف يكون تعريف الدولة إذن؟؟
فنجدهم يجترون الأحاديث المعلبة ذاتها،ويبررون للفقه السلطوي الذي يبيح دمـ.اء الناس وأرواحهم، يمدحون حروب الفتوح بغض النظر عن التجاوزات اللاإنسانية الفادحة!! وبغض النظر عن خزائن السلطة التي امتلأت بأموال الشعوب! (٢)
ويمدحون معاوية ويزيد علی الرغم من بشاعة ما فعلوه بالمسلمين وبالانسانية، فتضج قصورهم بالجواري والسبايا والغلمان والشراب والأموال، فتخيل أن (أبو قيس) قرد يزيد له مكانة وكرامة وحظوة، بينما تهان مقدسات الأمة وتزهق أرواح الأولياء، وتُسفك الطفولة، ومع ذلك يسمون هذا الإجـ.رام دولة!!
ومن أكثر الشعوب التي قست عليها الماكنة الغربية الشيطانية، الشعب العراقي، فالعراق الذي اختاره الإمام علي ليكون مركز الدولة، ويخلصه من الإقصاء والتهميش
فضلا عن معرفة الإمام بطبيعة هذه المنطقة وخصائصها الحضارية، العراق وشعبه تعرض لشتی أنواع الجور والظلم، فقد سلط عليه الأمويون الحجاج الثقفي الذي أوغل في تعذيبهم وتفنن في أساليب سجنهم وترويعهم(٣)
وعلی الرغم من ذلك يتم الترويج الی قضية أنها دولة وأنه كان قائدَ دولة!!
وهكذا في العصر العباسي الذي لم يسلم فيه لا إمام ولامتصوف ولاشاعر ولا كاتب ولامعلم من القتـ.ل والتنـ.كيل والتمثيل بجـ.ثامينهم، العصر الذي تكتظ فيه أزقة بغداد بالشحاذين والعيارين والشطار، العصر الذي تكون فيه لـلجارية(خالصة) السطوة والحظوة أكثر من العلماء والأولياء والتابعين!!
العصر الذي يتمتع فيه القصر وسكانه والمتملقون للسلطة بالمال والثروة والنعيم ، هكذا يصفون هذا العصر بأنه دولة!!
وبهذا الترويج والتزييف صنع الطامعون شعوبا ماسوشية، تخضع لمعذبيها، وتسلم لهم، وكلما ولی نظام قاس ظالم، اشتاق إليه الشعب، فالمجتمع تواق الی من يهينه ويجلده، ويحرمه، ولايبالي بقضية الكرامة، فقد تم تربيته علی أن الكرامة في الدولة،والدولة تعني الظلم، وتعني تسلط فئةٍ ساديةٍ تستلذ بسفك الـ.ـدمـاء علی الاغلبية وتحرمها حقوقها في الحياة والتعلم والتنعم والسفر والاستقرار!!
فلا عجب بعد هذا أن تری الآن من يمدح الأمويين أو العباسيين أوالعثمانيين أو الملكية أو البعـ.ثية!!
⭕ كيف نعالج هذا المرض؟
قضية معالجة الشعوب أو المجتمعات من الماسوشية السياسية(الدولة تعني الظلم والحكم بالحديد والنار) صعبة ولكن ليست مستحيلة!!
١- تبدأ من إعادة بناء الهوية وعناصر تشكلها،والخطوة الأولی بعد التشخيص هو التنظير للحلول، فعلی سبيل المثال إذا تحدثنا عن العراق وكيفية تخليص المجتمع من تقديس الظالم، علينا أولا ضبط مراحل تأسيس الهوية وهي المناهج التربوية التي تخضع الی فلسفة التعليم الأمريكية التي تعمل علی صناعة القطيع.
٢- الإعلام والفن: بهذين العنصرين نستطيع تعرية وجوه الظالمين وتبيان سياساتهم المنحرفة التي تهدف إلی التسلط والسيطرة علی مقدرات الشعب، ومصادرة حقوق الأغلبية.
٣- دعم المدرسة الاجتماعية المضادة للمدرسة الغربية ومتبنياتها، فالماكنة الغربية ضمنت للمتوافقين معها والسائرين في ركابها،الترويج والشهرة والحفاوة والدعم المادي، بينما ظلت المدرسة الاجتماعية الإسلامية الحديثة مهمشة، لم تحصل علی التمكين أو الدعم،سواء كان هذا التمكين الممنوع تمكينا إعلاميا أم ماديا أم اجتماعيا ...الخ
٤- مواجهة العدمية واليأس فهي مرتبطة بالماسوشية بشكل مباشر،وتحاول العدمية استغلال الفشل السياسي وتوظيفه في تقديس الظالم، فلا فائدة من المواجهة، ولا أمل في التغيير، ولايوجد سوی الخضوع!
٤- دعم الثقافات المحلية، والسعي الی توظيفها في خلق وعي مضاد للخضوعية الماسوشية. ولاسيما الطقوس والشعائر الجمعية، وعلی رأسها الزيارة الأربعينية والزيارات الرجبية والشعبانية وسائر المناسبات.
للبحث تتمة
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha