دراسات

الثقافة الشيعية في العراق الجديد....


د.مسعود ناجي إدريس ||

 

شهد العالم الإسلامي في القرن العشرين تطورات سياسية واجتماعية عديدة حيث بدأت شرارة صعود مستوى التطورات في الفترة سقوط الإمبراطورية العثمانية، وهنا تم استبدال هذه السياسة إلى حركة فكرية سياسية علمانية.

في هذا التحول وضمن بحرية شاملة ومعقدة، وضع

المستعمرون هذه الخطة، وقاموا بتنفيذها في نطاق

الحرب العالمية الأولى حيث كان من المقرر من خلال

إجراء التغيير الثقافي والاجتماعي أن يمحى الإسلام

تماماً، وعلى الأقل أن يمحى من قائمة الأنظمة و

المبادئ السياسية في المجتمعات الإسلامية.

في الحد الفاصل لحربين عالميتين، كان للاستعمار

حضور وتواجد مباشر في جغرافيا العالم الإسلامي، وكان الجهد منصباً على عرض مظاهر وأشكال تطور وتوسيع الحضارة الغربية، فتم التحضير للاستثمارات الثقافية لقبول القومية في العالم الإسلامي، ويمكن مشاهدة ردود وانعكاسات هذه التطورات بعد الحربين العالميتين في جغرافيا

العالم الإسلامي في النقاط التالية:

١- في البلدان العربية غير الشيعية:

في بلدان مثل مصر، سوريا واليمن وكافة بلدان المغرب العربي ، قامت وبأسرع وقت وبسهولة باستبدال الإسلام لا في السياسة وحدها فحسب بل في الثقافة العامة أيضاً وتحويلها إلى ثقافة همجية، فوصل الأمر إلى درجة أنها شهدت في النصف الثاني من القرن العشرين حاكمية تضم القيم للثقافة الغربية بدل الثقافة العربية الإسلامية.

٢- في المملكة العربية السعودية

أدركت الدول الغربية أن المدن الدينية مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة تعد ضمن مراكز العبادة حيث يشهد هذا البلد مراسم الحج في كل سنة، ويعد هذا البلد المستثمر الثقافي للعالم الإسلامي، لذلك أنصبت كافة جهودها في هذا البلد إلى عرض قراءة متشددة وتقليدية عن الإسلام مما جعله يمتلك أقل معدلا للإنتاج الثقافي والفكري في العالم الإسلامي، ومن ردود الفعل لهذه مساعي: تبديل مراسم الحج والأماكن المقدسة في الحجاز إلى عناصر منحطة من الناحية الثقافية أو عناصر مناهضة ضد الثقافة الإسلاميةالأصيلة (الوهابية!) فمن خلال عرضه هذه الردود؛ شكلت صورة قاتمة للإسلام في العالم.

في هذه الحالة، وفي أرض العراق، وبعـد الفشـل المتتـالي والمتكرر والسقوط جـراء النزاعات التركية العثمانية والعربية الهاشمية، كان هناك مساعي وجهـود مبذولـة يـراد منهـا استبدال الثقافة الإسلامية ليحل محلهـا تـيـارات قومية ووطنية سياسية-اجتماعية وثقافة عربية، وقد لاقت هذه الظاهرة ترحيباً في المناطـق الـتي لا يقطنهـا الشيعة أما في جغرافيـا الـعـراق الشيعي في العام 70 ميلادي في القرن العشريـن فلم يكن الأمر بهذه السهولة، حيث باتت هـذه التطورات تلقـى المقاومة مما أدى إلى مناوشات وبـدأت تمارس ضغوطاً ضـد الشيعة عبر فرض الحصار والقتل والتشريد والإبادة الجماعية، لكن كون الناطق الشيعية غنية بالخلفيات المعنويـة المليئة بالقيم والذخائر الثقافية قاومت هذه الضغوطات بقوة.

ولكي نفهم الفوارق والاختلافات الثقافية الموجودة بين السنة والشيعة تعالوا ننظر إلى بلدين آخرين في المنطقة أي إيران وتركيا.

٣- ترکیا:

مـن خـلال الحـركـة الـتـي قـام بـهـا كمـال أتاتورك، تغيّر فيهـا و بسرعـة مرحلة الحركة الثقافية في المجتمع من الحركة الإسلامية إلى العلمانية، وبقي هذا التغير و لا يزال خـالـداً مـنـذ مـئـات القـرون في تركيا، بـل وحـتى هـذا اليـوم الـذي انتشرت فيـه ظـاهـرة الـدعـوة إلى الإسلام ، لم يكـن مـعـنـى هـذا هـو العـودة إلى الثقافة التقليدية السابقة، بل بمعنى إحياء ما تبقى من الثقافة التقليدية، وقبول الجميع بالنظام العلماني الحاكم في تركيا.

٤- ایران:

مع وصـول البهلويين إلى الحكم واقتدارهم ، بذلـوا مـسـاعي وجهـود حثيثة لتحـل القومية والوطنية الإيرانية محل المذهب الرسمي للتشيع، لكن

المجتمع الإيراني المسلم الغني بالخلفيات الثقافية المستوحاة من التشـيـع لـم يكـن مستعدا لقبـول مـا يـفـرض عليه مـن ثقافات مبنية على فصل الديـن عـن السياسة والمجتمع، وفي النهايـة كـانـت الثـورة الدينية الوحيدة التي حدثت في القرن العشريـن ترفـع شـعارات وقيـم وتراث ثقافي للتشيع.

الحصيلة العامة للتطورات في المنطقة مع التغيير الثقافي الذي حصل في العالم السني، والمقاومة الثقافية في عالم التشيع، والتي أدت أخيرا إلى

انتصار الثورة الإسلامية في إيران برفع شعارات ثقافية نتج عنها أن الشيعة في العراق في الثمانينيات والتسعينيات في القرن العشرين الميلادي الذين كانوا يعيشون المعاناة والمظلومية التاريخية وتمارس بحقهم الضغوط الاجتماعية وتعطيل الشعائر الثقافية، ومن خلال الردود والانعكاسات التي نتجت من عدة عقود من الظلم المرافق للتخريب والتدمير وتعطيل الشعائر الثقافية، كان تصور المستعمرين الغازين قائماً على أن سقوط صدام إن حصل عبر تهاجم الثقافي والإعلامي الواسع، فسيؤدي هذا إلى هضم وجذب الشيعة العراقيين في الثقافة العالمية، ولكننا إذا أردنا النظر إلى العد

التاريخي لتطورات الثقافة الشيعية في العراق، فسنراها مزيجاً من فطنة وذكاء المرجعية الشيعية الحكيمة والرشيدة تزامناً مع الصحوة الشيعية، وقد أدى هذا إلى ملأ الفراغات السياسية والإعلامية الموجودة في بداية سنوات السقوط، فقام شيعة العراق وبحركة استباقية وسريعة بإحياء ونشر وتوسيع الشعائر الثقافية، واستفاد في حركة الإحياء هذه من الذخائر الثقافية للعتبات المقدسة الموجودة في العراق، بمحورية الأبعاد العاطفية والحماسية لكربلاء المقدسة، على نحو استبدلت وبأقصى سرعة مراسم السير على الأقدام باتجاه كربلاء إلى واحدة من الشعارات الثقافية الشيعية، شعاراً كان في البدء محصوراً بالأربعين، وبين النجف وكربلاء، ولكن وبأقصى سرعة وفي مناسبات أخرى ومن خلال التوسع الجغرافي امتلأت كافة الطرق المؤدية إلى مدينة كربلاء المقدسة بالناس القادمين من كافة المناطق الجغرافية في العراق، حتى أننا شهدنا في العام الحالي حضور وتواجد ما يقارب ٢٥ إلى ٣٠ مليون زائر في هذه المراسم في فاصلة زمانية لا تزيد عن ٢٠ يوماً فقط.

إن هـذا المشـهـد لـم ينحصر في العراق اليوم ، بـل أخـذ ينتشر في كافـة جـغرافيـا الشيعة في المنطقـة بـدءاً مـن إيـران والبلدان العربيـة ومناطـق حـوض الخليج الفارسي وحـتى الشيعة في تركيـا وشـبـه القـارة الهندية لتضـاف إلى هذه المراسم العظيمـة ملحمـة جـديـدة لـم يكـن الـعـالـم قـد شهدها من قبل، مما تبـدل هـذه المراسـم إلى كونه عامـل كبير للمشاركات الثقافية وقبول الثقافة الإيجابية بين المجتمعات الشيعية.

لقد كان هذا الحدث قد وقع في زمن يعلو الكلام فيه من الجهة الفكرية والثقافية بالدعوة إلى القرية العالمية الواحدة والمدينة الفاضلة، أو النظام العالمي الجديد، أو الربيع العربي، أو الصحوة الإسلامية لإيجاد مجتمع مؤقت لسنوات للشيعة؛ مجتمع يقوم على أساس المحورية الثنائية عاشوراء والانتظار، وهدفه التواصل الاجتماعي وتحديث الثقافة وإثراء المعرفة الشيعية، فالشيعة يجتمعون في كربلاء عشقاً للإمام الحسين عليه السلام لتكون لهم من جديد استراتيجية الظهور ومسير الانتظار والرسالات الأرضية، مما نتج عنه توسع المبادئ السامية من خلال التواصل الفكري والجماعي بين الآخرين...

 

ــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك