د.محمد العبادي ||
في حدود مايسمح به المقام سأتحدث عن كيفية تشريع الحجاب للمرأة كفرض ،وهذا التشريع أضاف حقوقاً كبيرة للمرأة ،فمن حق المرأة ان تحظى بالمكانة والحصانة والإحترام .
إنّ الإسلام يعطيها هويتها التي تنسجم مع خلقتها وطبيعتها اللطيفة،ويمنحها هيبة خشية أن تصبح ساحة مستباحة أو بضاعة معروضة لكل من هب ودب .
نزلت الآية الكريمة:( يا أيها النبي قل لأزواجك
وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما)(١).
وفي سبب نزول الآية آنفاً يقول القمي في تفسيره:( كان سبب نزولها ان النساء كن يخرجن إلى المسجد ويصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وآله ،وإذا كان بالليل خرجن إلى صلاة المغرب والعشاء والآخرة والغداة ،يقعد الشبان لهنّ في طريقهن فيؤذونهن ويتعرضون لهن فأنزل الله " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين ...")(٢).
وقال الطوسي في تفسيره ( أمره ان يقول لأزواجه وبناته ونساء المؤمنين،ويأمرهم بأن يدنين عليهم من جلابيبهن،فالجلاليب جمع جلباب وهو خمار المرأة،وهي المقنعة تغطي جيبها ورأسها إذا خرجت لحاجة)(٣).
وذكر مكارم الشيرازي: ان المفسرون وأرباب اللغة ذكروا للجلباب عدة معان وهي تختلف عن بعضها غير ان وجه الإشتراك فيها هو ستر البدن،ثم قال :( الأظهر أن المراد [ من الجلباب] هو الحجاب الذي يكون أكبر من الخمار وأقصر من العباءة كما ذكر ذلك صاحب لسان العرب.والمراد من "يدنين" أن يقربن الجلباب إلى أبدانهن ليكون أستر لهن،لا أن يدعنه كيف ما كان بحيث يقع من هنا وهناك فينكشف البدن)(٤).
وينبغي الإشارة إلى إتفاق العلماء في ستر البدن وأن كلمة ( يدنين) من الإدناء والإرخاء والتطويل للثوب، لكن إختلفوا فقال اكثرهم ستر جميع البدن ماعدا الوجه والكفين،وقال بعضهم يشمل أيضاً ستر الوجه والكفين .
على كل فإنّ القرآن لم يذكر تلك الأوامر من باب الوعظ والإرشاد والأدب، ويترك للمرأة حق القبول أو الرفض ،وإنما ذكر ذلك من باب التشريع لهويتها شكلاً ومضموناً،ولو كان الحجاب ليس فرضاً فلِمَ هذا التشدد في النهي ،ولِمَ هذه الأوامر والنواهي في سياق هذه الآية و الآيات الأُخر ؟! ولِمَ غض الأبصار من كلا الجنسين؟!
وعلام هذا الستر للمرأة والتقييد والنهي لها ( ولايبدين زينتهن إلا لبعولتهنّ)؟(٥) وعلام هذه الفسحة وعدم المؤاخذة في بعض الموارد(لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن...)؟(٦) .
لقد أحسن الشاعر عبدالحسين الأزري في شعر عندما قال :
ما في الحجاب سوى الحياء فهل من** التهذيب أن يهتكن ستر حياء
هل في مجالسة الفتاة سوى الهوى* لو أصدقتك ضمائر الجلساء
شد مدارسهن وارفع مستوى *أخلاقهن لصالح الأبناء
أسفينة الوطن العزيز تبصري *بالقعر لايغررك سطح الماء .
ثم لنتأمل قوله تعالى:( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولايبدين زينتهن إلا ماظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولايبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ماملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولايضربن بأرجلهن ليعلم مايخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون
لعلكم تفلحون)(٧).
لاحظ كيف تكررت ( ولايبدين زينتهن) وانظر إلى سلسلة الإستثناء الواردة في الآية الشريفة.
إنّ طبيعة الإلتزام العام من المجتمع المدني [نساء الأنصار]يشير إلى طبيعة الحكم الشرعي الذي تنطوي عليه الآية من سورة النور ونشاهد الأنصار سارعوا إلى إبلاغ نسائهم عن الحكم الشرعي :( أخرج أبو داود وابن أبي حاتم وابن مردويه عن صفية بنت شيبة قالت بينا نحن عند عائشة فذكرن نساء قريش وفضلهن فقالت عائشة ان نساء قريش لفضل، وإني والله مارأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله ولا ايماناً بالتنزيل لقد أنزلت سورة النور وليضربن بخمارهن على جيوبهن انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل إليهن...فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبح معتجرات كأنّ على رؤسهن الغربان)(8) .
ومضافاً إلى الآيات الكريمة توجد أحاديث شريفة تسير في إتجاه الآيات الكريمة وأجوائها لسد المنافذ على التقرب من الحرام مثل الحديث:( عن أبي عبدالله عليه السلام : النظر سهم من سهام إبليس مسموم،وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة)(9) وغيره من الأحاديث التي صرفنا إيرادها رعاية للإختصار .
إن المرأة المؤمنة لو كانت في أشد المجتمعات تحللاً وتهتكاً لتمسكت بخمارها كما نشاهد المؤمنات في أوربا ،والمرأة المتحللة والمتهتكة لو كانت في أشد المجتمعات تمسكاً بالإسلام لأستخفت بحجابها وأظهرت زينتها الصارخة كما شاهدنا ذلك في كثير من مجتمعاتنا الملتزمة.
إنّ أصحاب الثقافات الأخرى يفهمون ان تدين المرأة المسلمة وإرتدائها لحجابها هو سلب لحقوقها؛ في حين أن واقع الحجاب هو إضافة ضافية لكرامتها وعزتها وشموخها وتعاليها؛بل هو إضافة وإعطاء مكانة في تكريمها بالأجر الإلهي في مدة لبسها للحجاب وإلتزامها به .
................
١- سورة الأحزاب: الآية ٥٩.
٢- علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي،ج٢ص١٩٦.
٣- محمد بن الحسن الطوسي،التبيان في تفسير القرآن،ج٨ص٣٦١.
٤-مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل،ج١٣ص٣٥١.
٥- سورة النور : الآية ٣١.
٦- سورة الأحزاب: الآية ٥٥.
٧- سورة النور: الآية ٣١.
8- جلال الدين السيوطي، الدر المنثور،ج٥ص٤٢.
9- محمد بن يعقوب الكليني ، الكافي ،باب النوادر،ج ٥ص٥٥٩،حديث رقم ١٢.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha