طالب رحمة الساعدي ||
الدافع الاول: مسيرة المجتمع البشري التكاملية
لا شكّ أنّ القرائن تشير على ضوء النظرة الابتدائية أنّ «الدنيا » تمضي قدمًا نحو «الفاجعة »؛ الفاجعة الوليدة: «هجران العواطف » و «تعميق الهوة بين المجتمعات الغنية والفقيرة ،» و «تصاعد حدة الخافات والنزاعات ما بين الدول الكبرى والضعيفة ،» و «ارتفاع منحنى الجرائم والجنايات ،» و «الاختال الأخاقي والفكري والروحي »، و «النتاجات المقيتة وغير المتوقعة التي أفرزتها حياة المكننة ،» وما شاكل ذلك.
الفاجعة التي تتبين مامحها من خال مقارنة الوضع السائد مع الماضي القريب، والتي تعتبر من العناصر المؤثرة في تنمية روح التشاؤم في الأعماق الفكرية لأ كثر الأفراد تفاؤلً.
يقول الخبراء العالميون:
«إنّ حجم القنابل النووية التي تغصّ بها ترسانة الدول الكبرى تكفي لإبادة كلّ ما على سطح الكرة الأرضية ولسبع مرات وليس لمرة واحدة! ولا يبدو من العبث صنع مثل هذه الأسلحة بتلك التكاليف الفادحة التي تحسب بالأرقام النجومية، لقد صنعت لتستخدم في الحرب الذرية الرهيبة؛ كما لا يبدو من الصعب
اختلاق بعض الذرائع لانطلاق شرارة هذه الحرب في هذا العالم المُتخم بالصدامات الحدودية واشتباك المصالح والمناطق الساخنة المشرفة على الانفجار. وإنّنا لنلمس «الشعور بالسيطرة والهيمنة » و «جنون القوة » التي تساور أذهان زعماء الدول العظمى، والتي تكفي لنشوب هذه الحرب. وعليه يمكن توقع حدوث «فاجعة كبرى » في المستقبل القريب، ولعلّ البشرية مهددة بالفناء في خضم حرب نووية شاملة، أو إثر الفقر الاقتصادي الذي يفرزه احتكار الدول العظمى، أو بفعل نفاذ مصادر الطاقة أو تلوث البيئة .»
على الرغم من كلّ هذه العناصر الداعية إلى التشاؤم، إلاّ أنّ الدراسات والمطالعات العميقة تشير إلى المستقبل المشرق الذي ينتظر البشرية:
•ستزول كلّ هذه السحب القاتمة والزوابع المرعبة.
• ستنطلق تباشير الصباح من عتمة الليل.
• سيدمغ ربيع العدل والقسط شتاء الجهل والفساد والعنف والظلم.
• سينجلي هذا الغمّ القاتل والعواصف المميتة والسيول الهدامة، ولو أمعنّا النظر في آفاق المستقبل لاستجلينا شاطئ النجاة.
والدليل المنطقي الأوّل على هذا الموضوع هو قانون المسيرة التكاملية الذي يحكم المجتمعات:
فالإنسان لم يعِش الحياة الرتيبة قطّ منذ اليوم الذي تعرّف فيه على ذاته، بل اندفع بوحي من نوازعه الباطنية - ولعلّه بصورة تلقائية - للنهوض بوضعه ومجتمعه نحو الأمام. فقد استوطن من حيث المسكن الكهوف والمغارات ذات يوم، وشيّد اليوم ناطحات السحاب التي تستوعب كلّ واحدة منها سكان مدينة
صغيرة، وبكلّ الوسائل والإمكانات الضرورية لمعيشتهم.
ومن حيث الملبس، ارتدى يومًا أوراق الأشجار، أما اليوم فهو يمتلك آلاف الأنواع من الألبسة وبمختلف الموضات والتصاميم، ولم يكتف بالبحث عن انتقاء الألوان والموديلات.
وأما مأكله فقد كان يتناول الأطعمة التي كانت الغاية في البساطة آنذاك، بينما تنوّعت اليوم مأكولاته وتشعبت أطعمته بحيث يتطلب ذكر أسمائها كتابًا ضخمًا.
كما كان مركبه يومًا رجليه؛ واليوم يستقل السفن الفضائية، ويحلّق في عنان السماء ويكتشف الكواكب والمجرات.
وكما كانت صفحة واحدة تستوعب يومًا علومه ومعارفه كافة - وإن لم يتوصّل حينها إلى اختراع الخطّ - لكن تعجز اليوم حتّى ملايين الكتب والمؤلّفات، وفي مختلف التخصصات عن بيان معلوماته ومعارفه.
كان اكتشافه للنار آنذاك واختراع «العتلة » والظفر بالحربة الحادّة الرأس من قبيل «الخنجر »، ممّا يعتبره ذروة الإبداع والاختراع، كما شعر بالفرح المفرط والسرور التام حين أطاح بجذع نخلة؛ ليجعله بمثابة قنطرة يعبر بواسطتها من هذه الضفة من النهر إلى الأُخرى، في حين تمكّن في العصر الراهن من استخدام الصناعات الثقيلة والاختراعات العم قة التي تخطف أبصار الناظرين، وتقفز به أنظمة العقول الإلكترونية المعقّدة إلى عالم من الأحلام والآمال.
والغريب في الأمر أنّ طموحه لم يتوقّف عند هذا الحدّ، بل واصل سعيه الحثيث ليتسلق قمم التطور والنهوض دون أدنى كلل أو تعب.
ونخلص ممّا تقدّم إلى أنّ باطن الإنسان يشدّه إلى عشق السموّ والتكامل. والحقيقة هي أنّ هذا الأمر يمثل أحد أعظم الامتيازات التي تميّز الإنسان عن الحيوانات وسائر الكائنات الحيّة التي تعشعش م يين السنين في موضع معيّن وتعيش حياة ظاهرية رتيبة.
كما نخلص إلى نتيجة مؤدّاها عدم خمود تلك الجذوة المتوقّدة في أعماق الإنسان، والتي لا تنفكّ تسوقه إلى الكمال، وتعبِّئ طاقاته وإمكاناته بغية التغلب على المصاعب والمطبات التي تعترض طريق حياته؛ لتقذف به في خاتمة المطاف في المجتمع الذي يختزن «التكامل الأخلاقي » إلى جانب «التكامل المادي »، المجتمع الذي تغيب فيه مفردات الحرب وسفك الدماء المضاد للتكامل.
المجتمع الذي تنضوي فيه مقدرات الناس كافة لسيادة العدل والسلام، وتموت فيه روح العدوان والاستعباد التي تمثل العقبة الكؤود التي تقف حائ دون تكامله المادي والمعنوي.
لعلّ هنالك من يزعم أنّ مسيرة التكامل الماضية إنّما تركزت جميعًا على النواحي المادية، ولا يوجد ما يشير إلى امتدادها لتشمل الجوانب المعنوية.
إلاّ أنّ الإجابة عن هذا السؤال واضحة لما يلي:
أولاً : يمكن الوقوف على العديد من المبادئ المعنوية والأُصول الإنسانية في مسيرة التكامل الماضية؛ فالعلوم التي بلغها الإنسان- على سبيل المثال- في ظلّ مسيرته التكاملية وبالذات غير المادية ليست بالقليلة، فليست هناك من نسبة على سبيل المثال للمقارنة والشبه بين إيمان الإنسان بالله آنذاك والذي كان يعبر عنه بعبادته للحجر والخشب،
وما ينحته من التمر، وما هو عليه الحكيم العارف اليوم من إدراك وعبادة.
ثانيًا: التكامل تكامل في المواقع كافة، وليس هنالك من حدود كامنة في هذا الإنسان بالنسبة إلى عشقه لذلك التكامل.
أضف إلى ذلك، فإنّ الأُصول المادية والمعنوية ليست منفصلة عن بعضها. فمث الروح العدائية والمتسلطة المتطلّعة للهيمنة تقضي على الحياة المادية ل نسان على غرار ما تفعله القنبلة الذرية، بل ليس للأخيرة من فاعلية دون
الأُولى.
ومن هنا نفهم أنّ هذا التكامل سيتواصل في المجالات كافة. وعلى هذا الضوء، تلوح أوّل بارقة أمل بغية الانفتاح على مستقبل مشرق زاهر وعالم مفعم بالس م والوئام والأُخوّة والمساواة في ظلّ «قانون المسيرة التكاملية للمجتمعات__
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha