ستار جبر موسى البخاتي ||
يأتي الحديث عن الشهيد القائد صالح البخاتي في دوائر متعددة لفضاءات مختلفة مدار رحى ذلك الشهيد والشهادة، ليكون معراج التحليل كيف ولماذا، تزهق تلك الأرواح الغالية في سبيل الله، ولربما ينتاب البعض من تلك الدائرة، إذ أن الخصمين القاتل والمقتول ينادي باسم الشهادة والاستشهاد، وليس بعيدا ذلك النهج الذي اعتاد علية المسلمون وخصوصا العراقيين الذين شهدوا تلك الفتن بأم أعينهم خلال العهود المنصرمة التي شهدها التكامل الجيلي لبني البشر، ناهيك عما حوته بطون الكتب من مسرح الأحداث التي دارت رحاها على ارض العراق أمثال حرب صفين والجمل وغيرها، وكلها بقيت عند الأعم الأغلب في نطاق كيف ولماذا، إلا إن صوت الشهادة الحقيقي الذي على في الكوفة الحمراء ليلة مقتل خليفة المسلمين وبأيادي المسلمين يقتل، ليتناقل بين الأمويين والعرب في الشام( بـــــــــ هذا ؟ أوعلي يصلي )، بلى ومن هو أحق جبينا وضاءا بهي تتزين الصلاة به من علي، حتى يكون لهذا الإعلام الأموي أثرة الكبير على المتأسلمين الذين عرفوا إن تلك الشخصية بعيدة عن الصلاة، فكيف إذ تقتل في شهر الله وفي أعظم ليالي الشهر وعند الفجر وهو يؤم المؤمنين، ألا متأسلما واحدا زنديقا خسيسا كان يقف وراءه يتحين الغدر، فلم تكن الشهادة معرف بل كان علي هو المعرف لشهادة وان الصفة تتبع الموصوف فبعلي على اسم الشهيد والشهادة، والغرض من ذلك شهد تاريخنا مفارقات كثيرة وكبيرة من تظليل الحقائق وتشوبه الصورة الناصعة التي عليها علي وأهل بيته وأتباعه، ثم يكمل الدور ذاته أبي الأحرار الحسين بن علي (علية السلام ) الذي بقي منارا سواء لصالح ورفاقه في أطار حديثنا هذا أم في غيرة، وحسبنا في ذلك الحديث الدائر بين الإمام الحسين وعلي الأكبر ( عليهم السلام ).
لما ارتحل الحسين بن علي من قصر بني مقاتل، خفق وهو على ظهر فرسه خفقة، ثم انتبه وهو يقول ( إنا لله وإنا إلية راجعون، والحمد لله رب العالمين ) كررها مرتين أو ثلاثا،
فقال علي الأكبر :( مم حمدت الله واسترجعت ) ؟.
فأجابه : ( يابني، اني خفقت فعن لي فارس على فرس وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير اليهم، فعلمت أنها انفسنا نعيت الينا )
فقال علي الاكبر : ( يا أبت، ألسنا على الحق )؟ فقال : بلى، والذي اليه مرجع العباد ).
فقال علي الاكبر : اذا لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا )، فأجابه الإمام الحسين (ع) : ( جزاك الله من ولد خير ما جزي ولدا عن والدة ) هذا الميدان ميدان الشجاعة والفروسية والصلابة وكلمة الحق، قد تحلت به المرجعية الدينية والمجاهدين من مدرسة أهل البيت وكان أثرة واضحا في شخصية الراحل السيد صالح البخاتي،
من هذا المنطلق وغيره من المنطلقات، فقد انطلقت المرجعية الرشيدة التي تتخذ من علي والحسين نهجها وطريقها في إعلان فتوى الجهاد الكفائي، الذي كان صالح يترقبه عن كثب وكأنه لم يفطم ولم يرى الفطام من ساحات الجهاد، الذي كان فيه صالح قلقا مرتعشا مما يراه إن الشهادة قد افلت عنه، وحسب أبو مهدي لها طريقا.
صالح سيدا جواد كريما أكحل العينين كما هو مكتحل بطريق الجهاد والتضحية، اسمر البشرة، رقيق الفؤاد، ابيض النوايا، وسيرته ومسيرته يشهد بها القريب والبعيد عن أخلاصة وصدقة وشجاعته وتفانيه،
يطيب لنا ان نعرف عن تلك الشخصية التي قدمت الغالي والنفيس من اجل الدفاع عن العقيدة، وتعرف على أبعاد تلك الشخصية الجهادية وما مرت بة من ادوار، هي المحطات الأهم في ذلك، صالح البخاتي الذي انطلق منذ نعومة أظافرة وبواكير شبابه، وهو حامل خشبته على ظهره ينتظر من يصلبه عليها،
انصهر السيد صالح في بوتقة العمل الجهادي منطلقا من عدة خلفيات تعرف عليها الشهيد عن قرب وهو الجو العشائري والأسري لتلك الأسرة العلوية التي كانت ترى في نظام صدام الظلم والبطش والإجرام، كان هذا احد الدوافع التي قادت الشهيد للانتماء المبكر إلى صفوف المجاهدين والحركيين في الاهوار، ثم التحاقه في معسكرات الجهاد التي قادته ليكون في الصفوف الأولى من المجاهدين لما عرف عنة من الشجاعة والإيمان والكتمان، فاخذ نجمة يسطع في سماء المجاهدين وبرغم من هذا ظل صالحا جنديا مجهولا يعمل بصمت ولكن صمته هذا كان يقض مضاجع الأعداء عن قرب وبعد، وهنا نتعرف من هو الشهيد صالح البخاتي، جذره العلوي وانحداره الجنوبي وعشقه الحسيني للجهاد والتضحية والشهادة،
جذره العلوي :ــ
يعود نسب السيد صالح البخاتي، إلى نبعه علوية شهيرة تعرف بــــ السادة ( البخات الموسوية الخوارية ) وهي احد أغصان الدوحة المحمدية الحسينية الموسوية التي ترجع إلى جدها السيد جعفر الخواري بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليهم السلام ) سابع أئمة أهل البيت المعصومين،
السيد صالح البخاتي ابو مهدي هو : (السيد صالح بن السيد جبر بن السيد عباس بن السيد مشري بن السيد خنجر بن السيد صالح بن السيد محمد بن السيد عبد الله البخيت بن السيد حمزة بن السيد خنجر بن السيد يوسف بن السيد عدنان ) والذي يتصل فيهم ومعهم في تلك الدوحة والأجداد من أولاد عمومتهم من السادات كلا من الشرع ــــ والموزان ـــــ آل الصافي ــــ وآل شوكة وغيرهم من السادات،
فإلى تلك الدوحة العريقة في الشرف والمجد يعود سيدنا صالح بجذوره العلوية الكريمة، صحيحة النسب، حرية بالسيادة، وكريم حسبها يدلك على وضوح نسبها، إذ كان لتلك الأسرة العلوية طريقها الواضح في مقارعة النظام والتحاقها في مراكب الجهاد فقد سبق الشهيد صالح من هذه العائلة للفوز بالشهادة شقيقة السيد محمد البخاتي المعروف بــــ (أبو باقر الموسوي) الذي كان من طلاب الحوزة العلمية في قم المقدسة ومن المنتمين إلى معسكر الشهيد الصدر وفي إحدى العمليات الجهادية التي جرت 1986تعرض إلى شظية في رأس فقضى شهيدا، ليواري في مقبرة الشهداء في مدينة الشوش الإيرانية، كما ان شقيقة السيد جاسم البخاتي، بل كان كفرسي رهان بينة وبين شقيقة، دائم الحضور في جميع معارك التحرير الأخيرة التي خاضها العراق ضد فلول داعش الإرهابية، إضافة إلى جهاده أيام المهجر، كما كان يشارك صالح إلى جانبه نجله وأبناء أخوته، كما ان شقيقه أبو هادي السيد قاسم قد تعرض مع أخيه الشهيد السيد أبو باقر الموسوي الى إصابات بليغة نجا منها بأعجوبة , وهذا إن دل على شي إنما يدل على الروح الجهادية التي تجسدت في تلك الأسرة،
انحداره الجنوبي :
لا أغالي إن قلت إن السيد صالح ظل ذلك الطير الذي يحلق في سماء العمارة أينما حل وناءت بة الأسفار، برغم من الهجرة والعودة لم يبتعد صالح عن بلادة الأم وظل فيها واليها، ولد الشهيد صالح 1967 في مقاطعة الطيب في قرية أبوزركة إحدى قرى السادة البخات، التي سميت فيما بعد بــــ البو زرﮔان، التي اشتهرت في تدفق النفط فيها، وهي من توابع ناحية المشرح، انتقلت عائلة الفقيد إلى محلة الدبيسات إحدى محلات مركز العمارة، فأكمل فيها الدراستين الابتدائية والمتوسطة، ثم انقطع عن مواصلة الدراسة، بسب انتمائه المبكر إلى فصائل العمل الجهادي وانخراطه في خلايا المجاهدين، وكان السيد وهو في العمارة وعلى صغر سنة كان يمارس نقل الرسائل الشفوية بين المقاتلين من الاهوار إلى الجزيرة، وخلال عمله الجهادي استطاع السيد صالح البخاتي ورفيق دربه الشهيد أبو جعفر المنصوري من تأسيس ( حزب الله ) , وكان الفقيد يتمتع برجاحة عقلة وقوة حافظته واكتسابه الخبرات الطويلة في ميادين الجهاد.
صالح البخاتي وطريق الجهاد والتضحية في سبيل الله :
كان القائد البخاتي مدركا جيدا، إن الطريق الذي اختطه لنفسه طريق صعب مستصعب، وفي ظل الأجواء الملبدة بغيوم البعث الصدامي والمدججة بأدوات القمع والتعذيب والترهيب، وكان من يقع في قبضتهم أما شهيدا أو محكوما وبين هذا وذاك يناله صنوف التعذيب الوحشية ولم يكن أبو مهدي ببعيد عنها، فقد تعرض إلى شتى أنواع التعذيب اثر اعتقاله في مقر الفيلق الرابع وقصة هروبه ونجاته من أزلام النظام، وسوف نتابع سوية تلك الحادثة التي نجا منها السيد صالح بأعجوبة، أخريات 1984 كان البخاتي في إحدى العمليات التي تستهدف النظام، وأثناء عودته من البصرة متجها إلى احد المقرات السرية، القي القبض عليه من قبل استخبارات الفيلق الرابع قريبا من القرنة، وقد اشرف على تعذيب السيد فيما بعد سلطان ثابت، مسؤول الفيلق، وكانت صور التعذيب التي تعرض لها السيد صالح مروعة وغاية في الوحشية، ألا أنهم برغم القسوة التي اتخذوها في تعامل مع السيد فقد كان صلبا شجاعا لم يستطيعوا انتزاع إي اعتراف منة، على إثرها أودع السيد في زنزانة صغيرة داخل سجن الفيلق، وقد سبق إلى السجن العديد من رفاق السيد، وكان من بين المجاهدين( مهدي) وهو احد المجاهدين المتواصلين مع السيد وكذلك الشيخ علي حسون الساعدي، اللذان رافقا السيد في خروجهما من السجن وقصة هربهما، وهم يتحدثان عن تلك الليلة التي جاءوا بأسير إيراني وصادف ان مهدي يقوم بتنظيف غرفه الضابط، وحال خروج الأخير لمشاهدة الأسير، وقع بصر مهدي علا احد السجلات ، وقد وجد نسخة من مفتاح السجن فاستحوذ عليها،
حال رجوعه ابلغ رفاقه بالأمر، وان النسخة ليست الوحيدة ولا يشعرون بفقدانها أو افتقادها، عند ذلك قرروا الهرب عند واجب احد الحراس، ممن ينامون في أثناء واجب الحراسة،
اتفق الثلاثة على ليلة الهرب وقد باءت المحاولة الأولى في الفشل، وتكررت في الليلة الثانية التي وجدوا فيها الحارس غارقا في نومه، وبمجرد خروجهم كانوا يظنون القتل بسب الإنارة المنتشرة والجنود التي تتوزع على الأبراج، ألا إن احد الألطاف الإلهية، فقد حصلت إثناء خروجهما عاصفة مطرية شديد، لم يتمكن احد من مشاهدتهما، واستطاعوا النجاة من قبضة أزلام الفيلق بأعجوبة، وظلت الطائرات المروحية تحلق بحثنا عنهم واستنفرت أجهزة الفيلق كامل قوتها، ألا أنهم كانوا يتخفون في البساتين وفي الأماكن السرية واستمر ذلك أيام طويلة حتى وصولهم إلى الجمهورية الإسلامية،
حظي السيد أبو مهدي بمنزلة كبيرة عند العلامة أيه الله المجاهد شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم ( قد ) وكان يشهر أمام الجميع بمنزلته وصدقة وكان شهيد المحراب يقول: ( لا التمس في هذا السيد الا الصدق الطاغي ) وهو من أوثق المجاهدين في حلة وتر حالة ونقلة للأخبار وتعامله مع الميادين الجهادية بصبر وعزيمة وتخطيط،
وينقل لنا مؤرخ العمارة الأستاذ جبار عبد الله الجويبراوي في كتابة ( في الطريق الى الاهوار ) صور من صور البطولة والشجاعة التي خاضها ابو مهدي، فعلى حد تعبيره انه وجدة فيه ضالته وأعجب بأسلوبه السردي وحكاياته البطولية عن رفاق دربة، ويواصل الجويبراوي معرض حديثة عن الشهيد الراحل الذي طلب من السيد مرافقته إلى مواقع الثوار في الجزيرة والأهوار، فيقول : كان يعرف كل شبر في منطقة الجزيرة المترامية الإطراف بين العمارة والكوت والناصرية، ويشير إلى مواقع انتصارات قوى المعارضة وانسحابها، وكان يشير على الأماكن التي استشهد فيها رفاق دربة في الجهاد والتضحية،
العمل الجهادي عند أبو مهدي سجل مليئا بالحكايات والمواقف والتضحيات التي خاضها ذلك المجاهد الذي مدخر لنفسه بعيد السقوط منصبا سياسيا وقصرا فاخرا ومنبرا إعلاميا، بل قادته دروب الجهاد من محطة إلى محطة، العراق وإيران ومن ثم سوريا التي التحق فيها عام 2013 ليدافع عن عقيلة الطالبين السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب ( عليهم السلام) وقد أبدى بسالة وشجاعة عبرت عن قوة تجاربه الجهادية وانه فارس لا يشق له غبار، وقد استطاع في سوريا من تأسيس ( سرايا أنصار العقيدة ) وقد قاد كتائبهم في معارك كثيرة،
مسك ذلك وختامها مسك وعودة على ذي بدأ، فقد حاولنا التعريف بشخصية الراحل ومدى التزامه بنهج القران الكريم وسنة أهل البيت والتزامه بفتاوى العلماء وعلى رأسها فتوى الإمام السيد علي الحسيني السيستاني ( دام ظلة الوارف ) في فتوى الجهاد الكفائي، وقد نبهنا إلى احد الأسس والمرتكزات العقائدية والجهادية التي يتمثل بها أتباع أهل البيت في الجهاد والدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات وهو محل حديثنا الدائر كلة،
حلق القائد البخاتي في سماء الفتوى، وأي نسرا أنت تحرر ارضا وشعبا بمخلب الجهاد الذي سطرت فيه أروع ملاحمك التي ستظل رهان اسمك يا صالح،
كم أسقطت يمناك من راياتهم
ولقد سقيتهم من الهوان شراب
كم قد خيلك والجنود بواسل
والنصر في وعر الجهاد مشاب
يا صالح الغالي ومثلك نادر
ودعتنا والخائنون أصابوا
لقد كان السيد صالح فاعلا في الكثير من معارك التحرير، التي خاضها ضد فلول داعش، وكان فيها صالح متشحا بالنصر، يحمل رسالة الفتح والتحرير وظلت كلمته في معركة الصقلاوية مدوية ( ها نحن؛ دخلنـاهــا محررين فاتحين منتصرين، ناصرين ومحررين للأهل والأرض والعرض ).
وفي معارك تحرير الفلوجة جمع البخاتي المجاهدين لصلاة الظهر والعصر جماعة خلفه، وفي قنوته دعا بصوت باك ( اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك )
وبعد ان فرغ من صلاته وهو بين المجاهدين، أصابته رصاصة قناص في كتفة الأيسر،.أدت إلى استشهاده في الخامس عشر من رمضان 1437ه الموافق 21/ 6/ 2016، ليلبي نداء ربة صابرا شهيدا صائما، كان خبرة مؤلما على محبيه ورفاق دربة وقد شيع تشيعا مهيبا يليق بالقادة الشجعان وكان في كل محطة من محطات العراق يستقبل استقبالا رسميا وشعبيا تحوطه الآلاف من المشيعين ذارفة الدموع لرحيله رحمك الله سيد صالح وأسكنك الله فسيح جناته
..............
المصادر :
............
1- المشجر الوافي، حسين أبو سعيدة، ج 2، ط 1، 2004، ص 329.
2- في الطريق إلى الأهوار، جبار عبد الله الجويبراوي، ط1، بغداد 2011، دار الشؤون الثقافية، ص 201ـــ 203.
3- هور الحويزة، جبار عبد الله الجويبراوي، ط1، 2018، ص 441ــ 442.
4- سادة النصر، قصص عن شهداء ميسان، ج1، ط 1، إيران 2017، من، ص 14 الى 47.
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha