دراسات

خطوات شبابية  تجاه الحضارة الإسلامية ح8


طالب رحمة الساعدي ||

 

الخطوة الثامنة: عوامل الحضارة الاسلامية  .

1 - الإيمان القلبي بالإسلام, عامل تطوّر المسلمين

يقينًا، إنّ أحد العناصر المؤثّرة في تطوّر الإسلام، كان الاتكّال على الله والاستناد إلى الأحكام الإلهيّة, ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ . فالرسول نفسه ومؤمنو صدر الإسلام كانوا مؤمنين برسالة الإسلام من أعماق القلب، وفي الواقع، آمنوا من الأعماق بشعارات الإسلام وحقائقه، وبجدارة الإسلام لنجاة البشريّة، من الأعماق. هذا الإيمان، هو عامل غاية في الأهمّيّة .

فلقد فتح مسلمو صدر الإسلام، إيران وبلاد الروم بقوّة الإيمان. وحتّى الشعوب التي كانوا يهاجمونها، بمجرّد أن كانت تراهم، كان هذا الإيمان - أيضًا - يدخل قلوبها. كان السيف من أجل إزالة الموانع والزعماء المتسلّطين من الطريق, وإلّا فإنّ عامّة الناس في أيّ مكان كانوا قد تصدّوا لذلك. وأصبحت الأمبراطوريّتان العظيمتان في ذلك العصر ـ أي: الرومانيّة والفارسيّة ـ حتّى الأعماق جزءاً من النظام والدولة الإسلاميّة .

2 - عدم الاهتمام بالذات والمصالح الشخصيّة

العامل الآخر، الذي كان يقع بالحدّ الأدنى على رأس هذه الحركة، هو أنّهم كانوا غير مهتمّين بأنفسهم ـ بما يعود للشخص، بالمنافع المادّية ـ وهذا عامل مهمّ جدًّا. وكلّ هذه التأكيدات والتوصيات التي نراها في الروايات، في نهج البلاغة، في أحاديث النبيّ الأكرم والأئمة والعظام، حول الزهد في الدنيا وعدم الاهتمام بزخارفها من قبل الشخص- هو بسبب التأثير العظيم لهذا العامل.

بالطبع، لقد ظنّ أعداء الإسلام والمسلمون منحرفو التفكير أو أظهروا، أنّ الإسلام بدعوته إلى الزهد فإنّما يدعو إلى ترك الدنيا، بمعنى مظاهر عالم الوجود ومظاهر الحياة, في حال لم تكن هذه هي المسألة, بل كان المقصود هو الدنيا السيّئة والدنيا المذمومة وما معناه، أنا وأنتم، هدفًا لأنفسنا ومصالحنا المادّيّة وسعينا وراءه. هذا هو الشيء المؤدّي إلى البلاء والخراب وأساس جميع المصائب .

رأس الأهداف, النفس أو الإسلام

ما ننتظره، هو أن لا يضع زعماء العالم الإسلاميّ - سواءٌ أكانوا زمنيّين أم دينيّين - مصالحهم الشخصيّة في الدرجة الأولى من الأهميّة. ما ننتظره من شعوبنا وزعماء عصرنا، ليس ما حلّ في قلوبنا من خلال سلوك الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم, لا فهناك بون شاسع جدًّا. الأمر نفسه هو ما ننتظره من أنفسنا - كما ننتظر من الآخرين في العالم الإسلاميّ أيضًا - أن لا يضعوا منافعهم وهذه "الأنا" في رأس أهدافهم، وأن لا يقدّموها على سائر الأمور الأخرى, بل يقدّموا الإسلام وتحقيق القوّة الإسلاميّة والاقتدار والتسامي والكمال الإسلاميّ على مصالحهم. وإذا ما حصل ذلك، فسيعود، ومن دون شكّ، جزء عظيم من القوّة الداخليّة والقوّة الذاتيّة للإسلام، إلى الأمّة الإسلاميّة. هنا، كانت المسألة الأهمّ في وجود إمامنا العظيم، ذلك الشخص الذي استطاع أن يحمل على عاتقه مسؤوليّة الاهتمام بالشعب، وإيمانه، واعتقاده، ومحبّته، وحركته العظيمة، وإيصال الأمور إلى هنا- أنّه ألغى نفسه وغضّ الطرف عنها, جعل التكليف محور أفعاله وحركته, لذا نجح .

3 - الصمود والمواجهة المخلصة

يقول أمير المؤمنين عليه السلام كما ورد في نهج البلاغة: "ولقد كنّا مع رسول الله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلّا إيمانًا وتسليمًا، ومضيًّا على اللّقم، وصبرًا على مضض الألم" , "فلمّا رأى الله صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت وأنزل علينا النصر" , ومن ثمّ يقول: لو لم يكن هذا: "ما قام للدين عمود ولا اخضرّ للإيمان عود" , لقد حصلت هذه التطوّرات بفضل إخلاص المسلمين وصدقهم، وتشكّل المجتمع الإسلاميّ. الحضارة الإسلاميّة والحركة التاريخيّة العظيمة اليوم هي - أيضًا - كذلك، وعلى شعبنا والمسلمين في كلّ العالم، التي تتحدّث باسم الإسلام في كلّ صقع من العالم، أيضًا أن يتعلّموا هذا الدرس من عليّ بن أبي طالب .

4 - تحمّل الصعاب المنهكة

لقد تحمّل المسلمون عناءات كثيرة في زمان الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم. تعلمون مصير أهل الصفّة. وسمعتم أنّهم كانوا يستعيرون ملابسهم بعضهم من بعض. لقد كانوا في ذلك الوقت يقاتلون في ساحة المعركة بحبّة واحدة من التمر. فكان الشخص الأوّل يمصّ حبّة التمر ليتقوّى من سكّر تلك المصّة، ومن ثمّ يخرجها من فمه ويعطيها لشخصٍ آخر ليمصّها بدوره ويتقوّى من سكّر تلك المصّة، وبعد ذلك يعطيها لثالث ليبتعلها, هكذا كانوا يعيشون، هكذا كانوا يتحمّلون الصعاب، وهكذا كانوا يعانون الحرمان. في بداية الأمر، كان الضغط يُمارس عليهم من كلّ ناحية. بدايةُ الأمر، لم تكن الأشهر الخمسة أو الستّة الأولى، والسنة الأولى, الأشهر الخمسة أو الستّة من عمر أيّ رحلة تُعدّ بداية الأمر، وليس من عمر شعب، ولا من عمر تاريخ جديد. إنّ العشر سنوات والعشرين سنة في عمر شعب ما، تُحسب أيّامًا عدّة.

... في عصر الرسول، تحمّل الناس الصعوبات, لكن بعد أن قوي الأساس، أدّت هذه المجاهدات والتضحيات والاخلاص و"التربيات" إلى أن تستمرّ هذه الحركة بالمسير قُدُمًا، بحيث صار بعد ارتحال الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من نصف العالم في تصرّف المسلمين. هذا ما كان الأمر عليه في ذلك العصر، واليوم هو كذلك .

5 - وحدة الكلمة

الهدف من هذا التذكير، ليس التفاخر, الهدف هو التذكير بهذه الحقيقة, وهي أنّ ما أوجد هذه الحضارة - أي: الإسلام ومعارفه البانية للحياة - لا زال الآن بين أيدينا، ويحذّرنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ . لقد أثبت الإسلام أنّ لديه الأهليّة، لإيصال الأمّة الإسلاميّة إلى التطوّر المدنيّ والعلميّ، والعزّة والسلطة السياسيّة. وشرط تحقّق هذا الهدف الكبير هو الإيمان والجهاد واجتناب التفرقة، ويبشّرنا القرآن بقوله: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ . ويقول أيضًا: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ .

وإنّا جادّون في قضيّة الوحدة، كما أنّنا عرّفنا معنى اتّحاد المسلمين. اتّحاد المسلمين، ليس بمعنى تخلّي المسلمين وفرقهم المتنوّعة عن عقائدهم الكلاميّة والفقهيّة الخاصّة, بل إنّ اتحاد المسلمين بمعنيين آخرين، حيث يجب تحقّق كليهما:

الأوّل: أن تكون المذاهب الإسلاميّة المختلفة (الشيعة والسنّة)، حيث لكلّ منهما فرق كلاميّة وفقهيّة مختلفة - متوافقة ومتّحدة ومتعاونة ومتفاهمة في مواجهة أعداء الإسلام.

الثاني: أن تسعى الفرق الإسلاميّة المختلفة إلى التقارب والتفاهم فيما بينها، وإلى المقارنة فيما بين المذاهب الفقهيّة ومطابقتها بعضها ببعض. هناك الكثير من فتاوى الفقهاء والعلماء، إذا ما وُضعت موضع البحث الفقهي العلمي، يمكن من خلال تغيير طفيف، التقريب بين فتاوى المذهبين .

·        العمل من أجل المخالفة، خطأ

إنّ وضع المسلمين من حيث التضادّ والاختلافات المذهبيّة يدعو، واقعًا، إلى الأسف. وإنّ أكثر طاقات المسلمين العلميّة والفكريّة القيّمة، قد صُرفت على امتداد التاريخ، على مخالفة بعضهم الآخر. لا يشتبهنّ الأمر على أحد, إذا بذل أحدهم جهدًا علميًّا لإثبات مذهبه، فأنا لا أعارضه. فكلٌّ من الشيعة والسنّة وأيّ مؤمن بفرقة، بعقيدة، بطريقة- له الحقّ بإثبات طريقته, هذا بحث آخر, نحن لا نعارض ذلك. ما نعارضه ونرفضه هو السعي لمخالفة الطرف المقابل، وسحقه، وإهانته، ونفي وجوده, وهذا خطأ .

·        القلوب متوجّهة إلى الوحدة

انظروا إلى بعض الدول الإسلاميّة التي تدّعي الإسلام والترويج له. بعضهم وقح وجسور إلى درجة، يعدّون ويعرّفون فيها أنفسهم، بأنّهم المؤسّسون للإسلام وأصحابه والمروّجون له، في حال أنّهم مصدر الفساد والانحطاط ومنشأ المحرّمات والمعاصي الكبيرة! هذا ما تراه شعوب العالم. أهل البصيرة من المسلمين يدركون هذه الأمور، ويعلمون أنّه في هذه الحال، إذا ما رُفع علم الوحدة الإسلاميّة، فإنّ قلوب المسلمين ستتوجّه تلقائيًّا إلى المكان، الذي يحكم فيه الإسلام حقيقةً، والملاكات والمعايير فيه مستقاة من الإسلام، وملاك الحاكميّة والقيادة والمسؤوليّة فيه، أن يكون المرء مسلمًا، وحيث تصدق الآية الشريفة: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ﴾ . إنّ شعوب العالم ترى هذا، وقلوبهم متوّجهة إلى إيران الإسلاميّة .

 

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك