علي عنبر السعدي ||
- من هم شعب الله المختار في الأساطير الرافدينية ؟ دراسة
- شعب الله المختار ، سادوم وعامورة ، عاد وثمود ، صور العقاب الذي ينزله الله بمن يخالف امره ، ذلك ماجاءت به الموروثات الدينية ،فما وجه التشابه بينها وبين اساطير الدمار في الالواح السومرية/ البابلية ؟؟ قصيدة رثاء كتبها شاعر بابلي (ابت مردوخ- عابد ماردوخ ) وهو يرى الحرائق والدمار الذي حلّ ببابل بعد غزو ها من القبائل العيلامية وتدميرها ، وفيها وصف أهوال البلاء الذي ضرب المدينة وكأنه انتقام الهي ، فكانت أسطورة إيرا إله الدمار (راجع – طه باقر – مقدمة في ادب العراق القديم )
تقول الأسطورة: أن "إيرا" يقرر الانتقام من بابل لإستهانة أهلها بوعيده، وعندما يشرع في عمله يعلن عن ذلك بنشيد طويل (( لقد حان الوقت، وأزفت الساعة – سأهيب بالشمس فتترك شعاعها – وأغطي بالظلام الدامس وجه النهار – سأدمرّ المدن، فأحيلها خراباً – سأقتلع الأشجار وغيضات القصب، وأصرع كل إنسان على أرض بابل – سأظهر المزيد من الفتك والانتقام – فأستلب روح الأبن ويدفنه أبوه، ثم أستلب روح الأب فلا يجد من يدفنه-) الأسلوب ذاته وبتشابه ملفت، يتبعه "يهوه" في تدمير المدن لعصيان أمره، فلا يترك منها ما يخبرعن مأساتها، كما حدث في سدوم وعامورة ، ولايستبعد ان قصة تينك المدينتين قد تكون مما حدث للمدن اليهودية بعد السبي البابلية- (اسطورة ايرا واليورانيوم المنضب – جريدة المواطن – ارشيف (
بعد أن يجعل "إيرا" السماء تمطر "زفتاً وكبريتاً" ويشبع شهوته في الانتقام من بابل، يتدخل مرافقه "أيشوم" للحد من سطوة غضبه فيخاطبه قائلاً: ( إيرا أيها الجليل: قد سقيت التقي الردى كما سقيت الضال الردى ، قد سقيت الخاطئ الردى كما سقيت الطاهر الردى ، قد سلبت حياة من رفع القرابين للآلهة وسلبت حاشية الملوك، سلبت حياة كبير القوم وسلبت حياة الفتاة الغضة، فما آن لك أن تستريح ؟) وفي نفحة ندم مفاجئة يقرر "إيرا" إعادة بناء بابل بأعظم مما كانت عليه، ولكن هذه المرّة بواسطة شعب اختاره بنفسه، شعب كان حتى الأمس القريب مهمشاً وضعيفا، فيطلق وعده لإيشوم (أرض أرض ومدينة مدينة، سينهض الأكاديون فيخضعونهم جميعاً، سيقبض الأكاديون على أعدائهم العظام -----) ثم يستمر النشيد معدداً ما سيقوم به الأكاديون"شعبه المختار" من مآثر وانتصارات، وفي نهاية النشيد يخاطبهم قائلاً: " ستحولون مدنهم الى
خراب، وتؤوبون بابل بثمين الغنائم، وجميع الحكام سيجلبون الى بابل أتاواتهم، ولأيام طويلة ستسود بابل فوق الأرض)- راجع – يهود العراق من الازدهار الى الاندثار – حزام النار – ص315 .
تلك هي القصيدة السومرية التي ألهمت الشعوب ودخلت موروثها ومقدساتها ، بل وانتقلت الى فنونها وآدابه، لكنها كذلك أخرجت مقولة (شعب الله المختار) التي ستسود في الأديان السماوية، ومن ثم يصبح الصراع على من هم المقصودين بذلك؟؟ اليهود وحدهم ،أم السيد المسيح ثالث ثلاثي القداسة ،أم النبي محمد ونسله من بعده ؟؟ والأغرب أن كل هذه المنافسات الحادّة حول الشعب المختار ، انطلقت من ((الساميين )) التي قال كل منها بإثرته عند الله ،فكان ان رد عليهم سكان البلدان المجاورة بمقولة اخرى تتحدث عن تفوق (الآريين ) بكونهم اسياد الارض وعباقرة الدنيا ؟؟ فما حقيقة هذه التسميات في جوانبها التاريخية ؟؟ وماهي أحقيتها في الاعتماد عليها؟
بات من المتعارف عليه ان التوراة ظهرت بعد سقوط بابل بيد قورش في أواخر القرن السادس ق/م ، وانها أوردت قصة الطوفان والنبي نوح بما يشابه ملاحم رافدينية (زيوسدرا ) السومرية و ( اترا حاسس ( واتو نبيشتم البابلية ) كما أظهرته لاحقاً المدونات الرافدينية .
حينما جاءت البعثات الاستكشافية الأروبية ،بدء من القرن الثامن عشر وماتلاه او مهدّ له، اعتمدت بشكل أساس على ماجاء في التوراة ، باعتبارها الكتاب الأقدم الذي يروي تاريخ المنطقة ، وقد وردت فيه قصة نوح وأولاده سام ويافث وحام الذي قيل انه لم يستر عورة أبيه ، فلعنه بأن يكون عبدا لأخويه ، لذا كان أحفاده سكان افريقيا السوداء قد تعرضوا للأسر على فترات متعاقبة في التاريخ ونُظر إليهم كعبيد ، وكانت آخرعمليات الأسر الكبرى ، ما قام به الامريكيون والاوربيون في قرون خلت ، وربما جاء ذلك استناداً الى المفهوم التوراتي المذكور بشكل ما ، رغم مبرراته الاقتصادية .
أما سام فقد سكن أحفاده المنطقة من الصحراء العربية والسهول المحيطة بها ، امتداداً الى البحر المتوسط والبحر الاحمر والمحيط الهندي والخليج .
فيما استوطن احفاد يافث الجبال والهضاب وصولا الى أوروبا شمالا والهند شرقاً حسب بعض المقولات ، ليسموا بالآريين ،التي قد تعني الريح الشديدة ، وهو ما استندت عليه الحركة النازية في دعاواها عن تفوق الجنس الآري – وقصدت به الالمان ومن هم في صفهم – وقد تكون واحدة من دوافعه ، الردّ على مقولات اليهود ( الساميين) انهم شعب الله المختار ، المتشابهة بدورها مع أسطورة بابلية
رغم ان اليهود استثنوا اخوتهم من العرب الساميين كذلك ، لذا فمن يقرأ بإمعان تلك المقولات عن السامية والارية والحاميّة ،سيكتشف انها مستمدة من صراع الاخوة كما جسدته قصة قابيل وهابيل التوراتية ، وهو ما شهدته الكثير من الحضارات . وفي وقت يتشابه فيه الساميون في الشكل ووسائل العيش ، وكذك الحاميون بلون بشرتهم القاتم ، فإن الآريين جمعوا في خليط غير متجانس من الهنود ذوي البشرة السمراء ،مع الايرانيين والقوقازيين والأوربيين ، بشكل لايجد تفسيراً منطقياً سوى ربطه بغزو الاسكندر المقدوني للمنطقة ، التي ربما بدأ منها بتلك التسميات كي يتمكن الاغريق من القول للفرس والهنود اننا واياكم من جنس واحد ولسنا غزاة ،فيما اطلقوا على سكان بابل وما حولها لقب (شروكَية) نسبة الى شروكَي أو سرجون الأكدي ، وعنوا بها السكان الأصليين لبابل وما حولها ، وقد تكون مشتقة من (شروباك) الموطن كما يذهب د. علي ثويني أو شيروكي (نشيد الأرض) .
تلك المقولة التي اعتمدها الباحثون طوال القرون الماضية ، دحضتها التنقيبات والمكتشفات الاثرية بدأ من القرن التاسع عشر، ومن ثم ما ترجم من الواح حضارة وادي الرافدين من حقائق .فأساطير سومر وبابل عن الطوفان ، التي تشابه ماجاء في طوفان نوح حدود التطابق ، لم تذكر اي شيء عن اولاد لاتونبيشتم أو زيسودرا ، وما تلك سوى إضافات ظهرت عند كتابة التوراة بعد ذلك بأكثر من 2400 سنة ، كما تشير مدونات الحضارة الرافدينية .
على هذه الحقائق الجديدة ،بدأت التسميات التاريخية المستندة الى التوراة ، تتراجع لتحل محلها اعتماد التسميات الجغرافية فصار يطلق على الاجناس تسميات من نوع ( الأفارقة – الاسيويين – القوقازيين – الاروبيين – اللاتين – الخ ) أو تسميات حسب اللون ( الاصفر – الابيض – الاسود – الاحمر – وهكذا ) كما ان هناك اشكاليات وثغرات كبيرة لم تستطع التوراة اغلاقها ، فهي لم تذكر الصينيين واليابانيين والكوريين وما شاكل ، كذلك لم تصنف الهنود الحمر ولا اللاتين ولا سكان استراليا الاصليين .
وكان من ذلك ان ارتبكت تصنيفات الآريين والساميين والحاميين طبقا لمروياتها التوراتية ، ولم تبق في الاستخدام سوى عند الحركات القومية المتشددة ، التي تصرّ على تصنيف البشر بما يخالف التاريخ والجغرافيا والانثربولوجيا والسسيولوجيا ، بل وكل ماله علاقة بحياة الإنسان والمجتمعات البشرية .
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha