دراسات

امبراطوريات الغزاة وامبراطوريات الحضارات ـ عن مجتمع الطوطم والقانون والقوّة والتملك 


علي عنبر السعدي ||

 

" واعدوا لهم ما استطعتم من قوة " الآية الكريمة

- "الرابطة الاجتماعية تقوم على العصبية والقوّة" ابن خلدون

- " يبحث العراقيون عن الإختلاف ، وأرضهم عن الوحدة " من خلاصات الموضوع.

القوّة ،تلك الكلمة  السحرية الكفيلة ببعث النشوة في النفوس والرعشة في الأجساد ،فهي محرّك الحياة وضامنة استمرارها في عموم الكائنات الحيّة ، لكنها في عالم بقية  المخلوقات تسير على وتيرة واحدة وبنظام أزلي لم يشهد اختلالاً جوهرياً ولا فقداناً للتوازن إلا بعد تدخل الكائن البشري .

لقد رسمت الحياة لوحة مكتملة ومترابطة في حلقات ضبطت بموجبها مستويات القوّة ووسائل استخدامها ، فابتلعت الأسماك الكبيرة  الأسماك الأصغر منها ، فيما طاردت الحيوانات المفترسة ، الغزلان والبقر الوحشي وماشبهها لتفترس الضعيف منها ، لكن الجري الذي يمارسه كلّ من قطيع الطرائد والصياد المطارِد ، أسهم في تحسين النوع والحفاظ على حيويته ونشاطه ، وهكذا أقامت الحياة ميزانها فلم ينقرض جنس ولم يتكاثر آخر بشكل مفرط ليحتوي كائنات غيره فيضعها تحت سيطرته أو يسلبها حريتها . 

لكن عالم الإنسان رسم الطبيعة حسب منطقه وفائدته، فجعل من القوّة وحدها ، هي الحدّ الفاصل لما يستطيع – فرداً أو مجتمعاً -  الحصول عليه، وفيها ومن خلالها يتحدد الحقّ في السيطرة والتملّك ، والقوّة وإن تعددت مصادرها وطرائق التعبير عن وجودها وأشكال ظهورها،إلا أنها بقيت واحدة في الجوهر : قهر إرادة الآخر وسلبه حرية قراره  ، ذلك ماتخبر عنه السيرورة البشرية ، ليس في منظور الحياة الإجتماعية ومارتبته من ممارسات وأدوات فحسب ، بل على صعيد المعتقدات والديانات والإيمانيات بمطلقاتها ومقدساتها وأساطيرها ويقينياتها .

علاقة الإنسان بالحياة تمتاز بتشابكها وتعدد مستوياتها ، ففيها الجانب الغرائزي  المتعلق بالجسد وإشباع حاجاته ورغباته ، والنفسي الروحي كالحب والكره والخوف ، والمخيال الأسطوري وما ينتجه من رموز وإيحاءات ، واللغة بمنطوقها وألفاظها كوسيلة للتواصل ، والمعتقدات الإيمانية ، والسلوكيات الإجتماعية ، والمنتوج الثقافي والفني ، والإحساس بالجمال ، إضافة إلى ممارسة السياسة، وفيها برزت معامل القوة بأكثر تجلياتها  حقيقة .

 ولما كانت الحقيقة هي(علاقة مركّبة تتصل بالرغبة وتفتتحها اللغة وتتحقق بالمعرفة وتتشرعن ( تصبح شرعية ) بالقوة وتتغذى من العلم والعمل والأسطورة  -1 ) لذا كانت القوة هي العامل الحاسم لإكتساب الواقع شرعيته كي يصبح من ثم جزءاً من حقيقة الحياة البشرية .

لكن واحدة من إشكاليات القوة ، إن امتلاكها ليس مقتصراً على مجتمع دون غيره ، بل  متاحة لجميع المجتمعات كلّ حسب قدراته ومايتوفر له منها ، وبالتالي فالقوّة  حالة متبدلة ومتبادلة بين البشر والطبيعة من جهة ، وبين البشر أنفسهم من جهة أخرى – تلك الخاصية المتعلقة بعالمهم تحديداً - لذا كان لابد من البحث عن أنجع الوسائل الكفيلة بديمومة القوّة  وتنميتها والحفاظ على مصادرها وتنويعها  .

القوّة البدنية في الكائن الفرد ، كانت هي المستتبع الأول الذي مكّنه من إخضاع الآخر أو إزاحته أو الإستيلاء على مالديه من ثروات قد يكون قد استولى عليه من غيره كذلك ،وفي هذا الجانب ، لايختلف الإنسان الفرد عن غيره من الكائنات إلا في محاولات  الإمتلاك  وسلب الحرية ، فيما بقيت القوّة البدنية هي المعتمدة في الكائن الفرد -في الإنسان كما في غيره - لكن أشكال القوّة  لم تتبلور ومن ثم تتحول من بدائية دفاعية ، إلى إستيلائية قهرية ، إلابعد ظهور ال ( أنا ) مقابل ال ( أنت )  وال (نحن ) مقابل ال (هم ) ، ذلك لأن المجتمعات البشرية بعد اجتماعها في أماكن صالحة للعيش ، بدأت تفترق في طرائق حياتها عن سائر المخلوقات ومن ثم برزت الحاجة  إلى إيجاد مصادر أخرى للقوّة عدا ماتوفره لنفسها من سواعد رجالها وما يصنع من أسلحة تزيد من مفاعيل القوّة وتأثيراتها.

لقد بقي الإنسان خاضعاً لقوّة أكبر لم يستطع قهرها أو التغلب عليها (قوّة الطبيعة ) وما تعكسه من ظواهر لم يجد لها تفسيراً ، فتعامل معها بما يستطيع ،كيّف ّبعضها لوسائله الخاصة ، وتكيّف مع بعضها الآخرفأوجد ما يقيه غضبها أو تأثيرها – بيوتاً تقيه برداً وحرّاً ، ولباساً يستره ويدثّره – لكنه مع كلّ ذلك ظلّ على مايخشاه ، لقد غزته الحياة في جسده وهناً ومرضاً وشيخوخة وموتاً من دون أن يُقتل بيد عدو ، كان العدو يتربص بداخله لايستطيع ردّه ولا يمكنه تجنبه أو قهره  ، فيسلبه القوّة والإرادة والحياة على السواء .

حاجة الفرد إلى قوّة متعالية خارج المتناول أو المتداول أو المرئي ، وحاجة الجماعة إلى تلك القوّة كذلك ،لتمتين أواصر العلاقة بين أفرادها وتحسين سلوكياتهم تجاه بعضهم البعض من جهة ، وشحنهم بطاقة نفسية تجعلهم على أستعداد للقتال في سبيل الجماعة بطريقة أكثر فاعلية ،كذلك زيادة المنسوب في الخضوع الطوعي للقوّة المهيمنة ( الدولة )

من جهة أخرى ، قوّة يستطيع الإنسان الفرد أن يلقي على عاتقها مهمة الإجابة على مايواجه من أسئلة  تتعلق بحياته ومصيره ،باعتبارها كلّية القدرة والجبروت غير قابلة للتبدل وغير متاحة للتماثل أو الإدراك ، فهي مخضعة دوماً وغير خاضعة أبداً، من هنا أنشأ المخيال الجمعي أساطيره الخالدة التي وضعت شكلاً للقوّة الكلّية مع الإستعداد لطاعتها وعبادتها بعد أن  أوكل إليها عوالمه الروحية وكيفية تحديدها على ضوء مايتلقى من تعليمات الآلهة الواصلة إليه على ألسنة الكهنة .

وهكذا اعتمدت مصادر القوّة في تكاملها وتمركزها في الجماعة البشرية  ، على مرتكزات ثلاثة:

1: مقدس متعال أطّر بداية في معتقد ات خاصّة لها معابدها وكهنتها .

2:  طوطم مبجّل يمثل جذراً عرقياً أو مكانياً أو رمزاً تلئتم فيه الجماعة وتُعرف من خلاله .

3: سلطة تحافظ على النظام العام في الجماعة وتسهر على تنمية القوّة وحُسن استخدامها ،سواء ضد المخالف من الجماعة ذاتها ، أو دفاعاً عنها أو إستيلاء على أراض وثروات تساهم بدورها في استيعاب التكاثر في الجماعة من جانب ، وزيادة قوتها من جانب آخر .

إن الجماعات التي امتلكت العوامل الثلاثة المذكورة آنفاً ،سرعان ما ارتقت إلى مستويات أعلى ، من حيث القدرة على الاستقطاب ومن ثم التكاثر المنظم والحياة المستقرة المحروسة بقوانين تحدد دور الأفراد في الجماعة ، ومهمة الجماعة تجاه الأفراد ، وهكذا شيدت المدن التي تعقّدت وتشابكت وسائل العيش فيها ومن خلالها .

في كلّ ذلك ، لعبت الجغرافيا الدور الأبرز والأكثر فاعلية في اختيارات الإجتماع البشري ، فقد كانت المنشأ الأول والأساس ، لمعتقداته وطوطمه وتكوين سلطته ، بل وتحديد سلوكياته وطرائق عيشه وماوضعه من تشريعات وقوانين .

كانت الجغرافيا هي المصدر الأول للقوّة وعلى مقدار عطائها أو تقلباتها ، فقد تحددت علاقة الآلهة بالبشر على أطوار، فهي غاضبة ناقمة تسكن بعيداً في أعالي السماء عند شعوب السهول أو الصحاري ، وهي أقل حدّة وأكثر قرباً عند إنسان الجبال والسواحل حيث أسكنوها ذرى الجبال أو أعماق البحار ، لكن التصورات عن الآلهة بقيت متقبلّة، فالكون أكبر من أن يستقرّعلى وتيرة واحدة ، وكذلك الآلهة الموكلة به ومالكته في الوقت عينه .

إن الآلهة التي تملك كل شيء وترى كل شيء ، قادرة على إنزال العقاب بمن يخالفها ومنح الثواب لمن يعمل بطاعتها ، لكن تطور المعتقدات ارتبط كذلك بتطور الجماعات وانتقالها من البدائية إلى المدنية ،فالجماعات التي تنتمي إلى طوطم واحد ، كان كلّ من أفرادها  يتمتع  بالحقوق ذاتها التي للآخرين  وبالتالي فهم متساوون متناظرون بشكل عام ، لكن ذلك لم يكن يغني عن اختيار أو القبول ب(رأس) من أفرادها يتمتع بالقوّة والحكمة والشجاعة كي يدير شؤونها ويشرف على إعدادها وفضّ منازعاتها ، وكانت تلك أولى المعالم لما سيعرف بالرئاسة لاحقاً ، وأولى بذور " الديمقراطية " كذلك .

ولما كانت الأرض هي " الرأسمال الأكبر " – خاصة بعد اكتشاف الزراعة ، لذا برزت الحاجة إلى امتلاك أكثر المساحات خصباً وأكثرها قدرة  على العطاء ومن ثم " استعمارها" أي القيام بعملتي الإستثمار لها والإعمارفيها، وربما اشتقاقاً من ذلك أطلق على تجمعات النمل والنحل مثلاً ، لفظ " المستعمرات " لما في الأماكن التي تقطنها تلك الحشرات من تنظيم وما في حياتها من تعاون ،لكن عالم البشر ، حول " الإستعمار " الى مفردة تعني الإحتلال وما يتبعه من قهر للإرادة ونهب للخيرات . 

كانت الأرض الممتدة بين نهري دجلة والفرات التي أطلق عليها " وادي الرافدين " ووصفتْ بالمضيئة " أوروك" ، هي الموطن الأول لما سينشأ من تطور للإنسان في علاقته بالجغرافيا ، فبمقدار ماحملت تلك الأرض من إشكالات ، وفّرت كذلك من إمكانات ،لقد مثلّت الحدّ الفاصل بين قسوة الصحراء وقحطها ، وبين خصب السهول واخضرارها ، ماجعلها مقصداً ومنطلقاً في الوقت ذاته ، تستقبل غزواً وتطلق آخر ، تُبنى عليها مدن  وتُدمّر أخرى ، تُسنّ فيها قوانين وتتسبب بانتهاك قوانين -- وهكذا ولد من رحمها كل  ما سوف يوسم الحياة البشرية بميسمه ويحدد أطرها وهويتها الروحية والجمالية والحضارية والحربية ، لقد رسمت تلك الأرض بمقدار ما فتكت ، وبنت بمقدار ماهدمت ووهبت بمقدار مانهبت .

جغرافيا بهذه الخصائص ، لابد لها من حماية ترد عنها غزوات الطامعين ، لكنها تفتقد الموانع الطبيعية التي يمكنها من عرقلة إندفاع الغزاة نحوها وهي المفتوحة من جهاتها الأربع ، لذا مادامت الطبيعة قد بخلت بالحماية وأجزلت بالعطاء ،سعى الرافدينيون إلى إنشاء الجيوش القويّة والبحث عن تزويدها بالأسلحة التي تضمن لها التفوق والغلبة،وقد تيسر لهم ذلك بعد إكتشافاتهم المذهلة التي غيرت مجرى الحياة فأدخلتها طور الحضارة .

2- جبل يتحرك وكون يستجيب

كان العراقيون القدماء قد برعوا في كلّ ما من شأنه أن يمدّهم بالقوّة ، سواء في جانبيها المادي المباشر ، أو الروحي المتخيل ، فصاغوا تصوراتهم عن آلهة عظمية تتحكم بالمصائر والظواهر، فكان آنوكبير الآلهة و" رئيسها" ومصدر حكمتها ، وأنليل " الجبل العظيم -2" أله المطر والرياح ،ومعهم ربة الرقة والجمال " إينانا "  و" تموز " إله الخصب والإخضرار ، ثم أكملوا تصوراتهم عن سفر الخلق والتكوين وأشكال الثواب والعقاب ، ذاك في السماء ، أما على الأرض ،فكان الملوك الخارقون والمشرّعون الذين وصلوا إلى مرتبة أنصاف الآلهة" جلجامش " أو تلقوا تعليماتهم من الآلهة "حمورابي "  لكنهم وقفوا عند هذه الحدود و لم يُرفعوا إلى مراتب الآلهة كما فعلت حضارات أخرى كالمصرية واليابانية والصينية وسواها .

 وهكذا ابتكر" المضيئون " – نسبة إلى العراق – التاريخ لتسجيل وقائعهم ، والأسطورة لإشباع عالمهم الروحي والعلوم لتدبير حياتهم وتسهيل عيشهم، وفيما احتفظ التاريخ بإسمه بعد أن أصبح علماً تفرعت منه علوم شتى ، دخلت الأسطورة مجال علم خاصّ ( الميثولوجيا ) بعد أن اكتشف علماء وفلاسفة العصور اللاحقة ، أهمية الأسطورة كمحرك فعال للحضارة ومنجزاتها ، وذلك بما عكسته الأسطورة من تأثير على المخترعات والمكتشفات العلمية .  

مع تكاثر السكّان في تلك الأرض ،تعددت كذلك " الطواطم " الخاصة بكل جماعة وبالتالي لم يعد يتسع المجال للنظام البدائي السابق أن يضبط إيقاعات وحركة الجماعات التي تحولت إلى مجتمع قطع شوطاً في بناء المشتركات واستخراج المفاهيم من واقعه الحياتي، ما يتطلب الإنتقال إلى طور أرقى يتجاوز المفهوم الطوطمي ، إلى قانون جامع تسري مفاعيله على الجميع ، وترعى تطبيقة قوّة قادرة على فرض سيادتها على الجميع .

ولكي ينظم أستخدام القوّة  بعد ضبط وحشيتها البدائية ، قُدمت مترافقة مع مفاهيم ومصطلحات سترافق البشرية في كلّ أطوارها اللاحقة ، بعضها بصفتها الفردية حيث البطولة مرافقة للشجاعة ، والعفو صنو المقدرة ، والبسالة في الإقدام والإقتحام ، والحكمة بين الناس  والذكاء في الحرب والإكتشاف في العلم ، وبعضها  في إطار الجماعة ،  فكان الشعب بمعنى التشعب والتعدد ، والثورة طلباً للحرية ، والقانون مرفقاً بالعدل ، والحرب ردّاً لمعتد أو غزو لأرضه ، والمدارس للعلم ، والكتاب لتدوين المنجزات والأحداث التي ستصبح تاريخاً ، وكما أبدعت  أناشيد الحب وأغاني الحياة وأهازيج الإنتصار ، ألفّت الى جانبها الإبتهالات والأدعية للتقرب من الآلهة وطلب غفرانها أو عونها .

لاشك ان منجزات متطورة على هذه الشاكلة ، تحتاج إلى مجتمع حيوي متعاون وحكّام يتمتعون بالصفات التي تؤهلهم لأداء مهمة بهذا الحجم ، لذا تجاوز العراقيون " الرئيس " الطوطمي والعرف المتوارث بحكم القربى أو الصلات الإجتماعية ، إلى مفهوم " الأمير " التي ستتدرج  إلى " الآمر" ثم إلى " الملك " بعد ان أصبح مالكاً بحكم القوة إلى كلّ مايقع تحت سيطرته من بشر وأرض وخيرات .

 إحاطة الملوك بهالة أسطورية لتمجيد أعمالهم وتضخيم صفاتهم  ، ربما كانت جزءاً من ضرورة لرفع مفاعيل القوة  وإيصالها إلى الذروة ،ذلك لإن خصوبة الأرض، أنتجت بدورها مخيّلة خصبة عند إنسانها ، تجلت بأشكال وتنويعات شملت مفاصل الحياة بكليتها .

كان " جلجامش "  أول ملك في التاريخ يُمجّد بملحمة أسطورية أضفت عليه هالة من العظمة وبطولات خارقة  كما جعلته نصف مقدس بولادته من أمّ آلهية وأب بشري ،وبالتالي كان بمثابة " أبن بنت الله " وقد  اتفق المؤرخون إنه كان ملكاً على مدينة أوروك التي ستمنح العراق أسمها ،لكن " جلجامش " رغم شهرته الأسطورية بإعتباره الجبار الأول ، إلا أن البطل التاريخي الأبرز ، كان " سرجون " الأكدي الذي تجاوزت أعماله الفعلية ماروته الأساطير .   

نظم الرافدينيون أنفسهم بأفضل مايكون ، فلتدوين السجلات والوقائع ، أخترعوا الكتابة ،وللممارستهم السياسة ، وضعوا اللبنات الأولى لمفاهيم الحوار والجدل ،  وهما ماسيبني عليه فلاسفة  الأمم اللاحقة ،بعض نظرياتهم ومقولاتهم الكبرى ، فالجدل مفهوم ينتمي إلى الإجابة – كما يذهب علي حرب – لكنها إجابة تغلق الموضوع ولاتقدم سوى مفهومها المكتمل بذاته  .

ينطلق ذلك المفهوم  - الجدل - من فرضية امتلاك الحقيقة بإعتبارها منجز حصري ، ومن ثم إيصالها إلى الآخر لإقناعه بصوابيتها والإصطفاف الى جانبها ، ويتمّ ذلك بواسطة اللغة واللفظ والكلام – يتفرع من كلّ منها علم قائم بذاته ، الصرف والنحو لقواعد اللغة ، والجملة والمعاني والدلالات للفظ ، والأسلوب والنسق والمنهج للكلام (النصّ بمحمولاته ومقاصده )- وقد  جاءت الآية الكريمة ( وجادلهم بالتي هي أحسن )  لإيضاح أن الرسالة الإسلامية ،هي الحقيقة المطلقة التي يقع على عاتق المسلمين نشرها بين الناس بعد أن بُلّغت إليهم من قبل رسول خصّه الله رحمة للعالمين – كي لايبقوا مختلفين على الحقيقة – كما أن كلمة (نقاش ) المرادفة للجدل(*) قد تكون مشتقّة من

الفعل (نقش ) بمعنى وضع علامته على الشىء فثبتت كأبرز جزء في ذلك الشىء يُميز بها، مايفسر محاولة كل من المتناقشين وضع (نقشته ) أي رأيه على الآخر ليحوّله جزءاً مما يحمل من آراء بأعتبارها صواباً مطلقاً. 

الجدل كمفهوم معرفي وطور في التحضرّ ، ستلحق به الفلسفة وتقدمه كأحد أهمّ منجزاتها " الديالكتيك " الذي عنى بتفحّص المقولات والمفاهيم  واكتشاف أبعادها ومضامينها، أما الحوار، فينتمي إلى عالم السؤال المفتوح على الممكن والمحتمل وعلى العقل والمخيال ، وبالتالي فهو ينطلق من فرضية امتلاكه لوجه من وجوه الحقيقة ، وبحثه من ثم عن الوصول إلى بقية الوجوه في المعرفة بما يحمله الآخر منها – إنساناً أو طبيعة أو مفهوماً – ولما كانت الحقيقة متبدلة وحيوية بشكل دائم – وذلك من أهم ميزاتها – لذا  يستمر الإنسان  بطرح الأسئلة للبحث من ثم  عن إجابات في الوقت عينه ، مايؤدي إلى تلك  التطورات  المثيرة التي شهدتها الحياة البشرية فيما أطلق عليها مصطلح " حضارات " .       

   كان شروكي أو شروكين (3)  أو سرجون ، هو الملك الأشهر والقائد الإستثنائي الذي وضع مجموعة من " أولات " لم يسبقه إليها أحد ولم يضاهيها أحد كذلك ، فقد كان أول من إعتمد نظام الإحتراف العسكري  أي على جنود متطوعين مقابل أجور ومكافآت مجزية وبالتالي ألغى ماكان سائداً من السَوق إلى الخدمة بالإجبار ،ومع تنظيم جيشه إلى وحدات قتالية وتزويده بأحدث ما وصلت إليه التقنيات الحربية  من سيوف ورماح ودروع مصنوعة من الحديد الصلب  – كان العراقيون أول من استخدم الحديد بديلاً للنحاس  – إضافة الى العربات التي دخلت كسلاح حربي بعد اختراعهم العجلة ، أنشأ  سرجون جيشاً جباراً خاض به 36 معركة كبرى إنتصر فيها جميعاً،  مؤسساً بذلك أول إمبراطورية بالتاريخ  امتدت من بحر العرب والمحيط الهندي جنوباً ، إلى ضفاف المتوسط شرقاً وبحر قزوين شمالاً ، كما أنه أول من إستخدم الهجوم المباغت أو الضربة الإستباقية ، حينما شنّ معركة خاطفة ضد خصوم كانوا يتجمعون في الشمال لمهاجمته مستغلين بلوغه سنّ الشيخوخه (4) وذلك قبل ان يكملوا استعداداتهم لحربه ، وقد يكون القائد الوحيد في التاريخ الذي لم يتعرض إلى هزيمة طوال حكمه الممتد  ل55 عاماً ، مايعني انه كان في ريعان شبابه حينما بدأت سلطته (5).

أما أهمّ انجازاته السياسية ، فكانت فصل "الدين" عن الدولة وفصل السلطة التنفيذية عن القضائية ، فلم يسمح للكهنة التدخل بأمور السياسة ،  ومنع الولاة من التأثير في شؤون القضاء ،ولما لم يكن طائفياً أو فئوياً ، لذا  تصرف بمنطق " وطني  "فلم يفرق بين طواطم شعبه ولا فضّل معتقد على آخر ،فكان بذلك أول من وضع الأسس لدولة القانون ومعالم العلمانية ، التي ستبنى عليها الثورات الأوروبية بعدها بما يقرب من خمسة آلاف عام . 

المثير في تاريخ ذلك القائد، إنه خرج من عامّة الشعب ،فقد كان ابناً أو ربيباً لبستاني في قصر ملك المدينة بعد ان إلتقطه -  البستاني - من نهر الفرات رضيعاً ، ثم أصبح ساقياً للملك قبل ان يجمع جيشاً من الشباب الناقمين  على مايجري من فتن وحروب بين ملوك المدن السومرية ،وقد أظهر سرجون براعة إستراتيجية وبعد نظر سياسي / عسكري ، فقد ترك أقوى ملوك سومر حينها – لوكال زاغيري – يكمل مهمته في إخضاع وتوحيد المدن السومرية والقضاء على ملوكها ، وبالتالي أنهك قواه في تلك الحروب ، ما أفسح في المجال لسرجون أن يكمل إعداد مقاتليه ومن ثم يقود حملته العسكرية بإعتباره المنقذ " المنتظر " لما حلّ بأرض الرافدين وسكّانها ، لذا كانت مقومات نصره واضحة النتائج ،لكن مدعاة الدهشة عند المؤرخين ، أنه لم يتبع ماكان سائداً من قتل الخصم المهزوم ، إذ إكتفى بسجن " زاغيري " في معبد  الإله " إنليل " من دون الإقدام على قتله – ربما تقديراً لشجاعته واعترافاً بفضله في توحيد البلاد تحت اسم ( أقلما ) أي الإقليم -  فكان سرجون  بذلك أول من جسدّ مفهوم " العفو " وقيمة التسامح ،الأمر الذي  ماتزال البشرية تبحث عنه وتحضّ عليه الأديان والأعراف والقيم من دون نجاحات تذكر رغم التقدّم الهائل في مسار الحضارة .

3- فعل الغزاة ومنطق الحضارات

لعب التفوق الحضاري الكاسح لوادي الرافدين  ، دوراً رئيساً في إنتصارات سرجون وتقدمه السريع بكلّ الجهات موسعاً من حدود إمبراطوريته التي لم تكن توازيها قوة باستطاعتها الوقوف بوجهها ، وسيحتاج الأمر إلى ألفي عام أخرى قبل أن تتمكن الشعوب المجاورة من بناء قوة أسقطت بابل في القرن السادس قبل الميلاد ، لكن الفارق بقي قائماً ، ففيما حمل الرافدينيون للشعوب المستعمرة منجزات حضارتهم بما فيها من  معتقدات دينية وتشريعات ونظم ومكتشفات وقيم جمالية ، لم يحمل الغزاة لأرض الرافدين سوى القوة الغاشمة التي دمرّت حضارة مزدهرة تدين لها البشرية بالكثير .

لقد شهدت ارض الرافدين نوعين من الغزاة :

1- قبائل تحمل طوطمها وتبحث عن وسائل عيش أفضل ، وهؤلاء كانوا بمثابة مهاجرين  سرعان ما اندمجوا بالحضارة العراقية وأصبحوا من ثم جزءاً منها ومساهمين في صنعها ،.

2- غزاة فاتحين جاءوا من "حضارة " منافسة بجيوشهم وألقابهم الملكية وتيجانهم ، بهدف إزاحة   الحضارة الرفدينية وتدميرها كي لاتبقى مصدر خطر ومنافسة ، وكان أول غزو على هذا الشاكلة - والوحيد من بينها -  هو ماقام به الملك الفارسي قورش ،أما الغازي الكبير الآخر "  الإسكندر المقدوني " الذي جاء بعد قورش بحوالي ثلاثة قرون ،فقد بلغ إعجابه بحضارة بابل درجة جعلها عاصمة انطلق منها ، ليلحق  هزيمة كبرى  بداريوس ملك الفرس ، فكان بذلك أشبه بانتقام لبابل وماحلّ بها من خراب .

تعتبر هاتان الغزوتان ،الأكبر من نوعها في العصور القديمة ، أما ماتبقى من حروب كثيرة شهدتها أرض الرفدين ، فيمكن وصفها – قياساً بحجم الغزوتين أعلاه  - بأنها من طبيعة " محلية " أججها التنازع على السلطة وانتصاراً للاختلاف الطوطمي – خاصة حينما يأتي ملوك ضعفاء يغلّبون التسميات الخاصّة على حساب " الأمة  "  بعمومها ، وهكذا ففي الوقت الذي كانت فيه الجغرافيا العراقية تنشدّ نحو وحدتها لتحفظ  قوتها  ، كان ملوكها يبحثون عن الإختلاف والفرقة ، ما أدى إلى ضعفهم وسقوط دولتهم  بيد غزو خارجي  .

 كان ذلك المؤشر الأول للفوارق مابين إمبراطوريات الحضارات  وإمبراطوريات الغزاة  ، بين نقل المدنية بالإحتلال ،وبين تدمير المدنية بالاحتلال كذلك ، لتقوم تبعاً لذلك معادلات من نوع :

1-  حضارات متكافئة – تأثير متبادل وتفاعل ثقافي

1- حضارات متفاوتة  - تأثير سلبي  وتنافر اجتماعي .

لقد غزا الرومان بلداناً مختلفة ، فأخذوا من الشرقي ديانته وأساطيره ، ومن اليوناني فلسفته وفنه ، ودمجوا مارأوه وعرفوه عند غيرهم ، بما صنعوه واكتشفوه بأنفسهم ،فإخذوا الديمقراطية من مدينة مهزومة " أثينا " وأعادوا صياغتها لتناسب أمبراطورية مترامية (روما ) ، وسنّوا قوانين على شاكلتهم ، لكن الملاحظ في كلّ ذلك أن أسبقية ماوضعته وأسسته الحضارة الرافدينية – وهو الأس والأصل – بقي مجهولاً أو متجاهلاً – وكان من الأفضل لكثيرين أن يبقى كذلك ، إذ إن الكشف عنه يظهر إن معظم ما وضعته الحضارة الغربية من نظريات ، وماجاءت به الديانات الكبرى من أسفار ومقولات، كانت جذوره تمتدّ إلى الحضارات الرافدينية .

 على ذلك ، ماذا لو اكتشف  معجبو جان جاك روسو مثلاً ، إن دولة الرفاه والعقد الإجتماعي ، قد سبقه إليها آخرون ؟ وإن " ديالكتيك "هيغل ليس جديداً ؟وهل  تبقى  فلسفة سارتر (6)  الوجودية ونظرياته عن معنى الحرية وماهيتها ، على  ماهي عليه من الشهرة والشيوع ، لو أنتشر بالمقابل إنهما من المفاهيم التي عرفها   العراقيون القدامى ، فنادوا بالأولى وضحوا في سبيل الثانية  ؟ ثم كيف سيتباهى البريطانيون حينما يقرأون إن المائدة المستديرة التي نسبوها إلى ملكهم الأسطوري " آرثر "  كانت تمارس واقعاً من قبل " جلجامش " ؟ بل ماذا سيقول علماء الإجتماع  لو أدركوا  أن " بيوض "  ذلك العلم كانت قد تجلت في تحليلات وحكايات مبدعي الرافدين ،التي قرأتْ بدقة واقع عصرهم ؟ وفوق ذلك ماذا سيحصل إذا كُشف عن الحقيقة فيما جاء به بنو إسرائيل باعتبار أنهم أصحاب الفضل على البشرية في منحها أول دياناتها وأول من كتب تاريخها الروحي وصاغوا معتقداتها ووصايا الربّ ؟  ماذا سيقولون عن " شعب الله المختار" إذا عرف العالم أنها مدونة قبلهم بأكثر من ألف وخمسمائة عام كأسطورة ذكرت الأكاديين بالإسم (7) ؟

لكن وعلى رغم ذلك ، لم ينظر بعض علماء الغرب ومنقبيهم من نافذة تلك الإعتبارات ،لذا كان لجهودهم الفضل الأكبر والأول في الكشف عن تلك الحضارة الدارسة لوادي الرافدين ، فنبشوها من تحت الرمال وترجموا جزء اً مهمّاً  من ألواحها التي بلغت عشرات الآلاف من المدونات على الرقم الطينية التي تناولت الحياة في جوانبها ومستوياتها ومآسيها ومباهجها،فقطعوا بالقول أنها الحضارة الأولى من نوعها دون منازع ،وهي المعلمّ الأول لما جاء بعدها أو زامنها (8) ولولا أولئك العلماء وسعيهم الحثيث نحو الحقيقة ، لبقي تاريخ الحضارة مثلوماً في أهمّ فصوله  ، الجدير ذكره ، إن التوراة هي من أثار إهتمام العلماء للبحث عن بابل ، نظراً لما تكرر عن تلك المدينة من أسفار اللعنة والنقمة جراء سبيها لليهود (9) .

خلاصات :

1: مايميز الإمبر اطورية عن غيرها من الدول ، إن جميع الإمبراطويات ذات نزعة توسعية " كونية " أي انها تجاوزت أحتلال ماحولها من بلدان إلى تلك البعيدة عنها ، وقد لجأت جميعها إلى القوّة العسكرية أساساً وإن رافقها مظاهر أخرى – دينية أو ثقافية أو ماشابه -

2: لم تتعايش بسلام أو تتعاون أي إمبراطوريتين متزامنتين أو متقاربتين ، إذ طالما غلب الصراع والتصادم على علاقتهما ،  وإن تخللتها فترات هدنة أو هدوء مؤقت ، وسوف تمضي أزمنة طويلة قبل أن تصل الدول الكبرى ( الإمبراطوريات الجديدة ) إلى إتفاقات ومعاهدات وتفاهمات للحدّ من خطر الحرب الكونية ، وقد يعود ذلك إلى امتلاك بعضها أسلحة دمار شامل وبالتالي الوصول إلى نوع من " توازن رعب "  مرده التهديد بالدمار المتبادل وتراجع إحتمالات تحقيق الإنتصارالحاسم   ،لذا تحولت الحروب الى أشكال أخرى كالإقتصادية والثقافية والسياسية والإعلامية وسواها  .

3: لقد تفاعلت الإمبراطوريات مع الشعوب المحتلة كما تصادمت ، فقد تبنى الأكديون جلّ معتقدات السومريين وتشريعاتهم وطريقتهم في الكتابة وسواها ، فيما جلب الفرس مقدسهم الزرادشتي الذي سيجد طريقه إلى الأديان السماوية اللاحقة ،فيما تنبت روما ، الديانة المسيحية التي نشأت في إحدى مستعمراتها " فلسطين " وذلك بعد إضطهاد دموي لمعتنقيها ، أما خلفاء المسلمين – خاصة في العصر الأموي وماتلاه – فقد أخذوا الكثير من عادات الملوك والأباطرة الفرس والروم رغم انهيار إمبراطوريتيهما ، وحين اسقط المغول دولة الخلافة ،إعتنقوا بعدها الإسلام ليبنوا من خلاله إمبراطورية إسلامية كبيرة في الهند ، أما العثمانيون  ،فقد كان اعتناقهم للإسلام مصدر قوة ساعدت على فتوحاتهم الإمبراطورية ، وقد أطلقوا على خلافتهم :" بيضة الإسلام " – البيضة مايضعه الفارس وقاية لرأسه - .

4: تراوحت  ألقاب الحكّام بين  الرأس والأمير والملك ( بصفاته المختلفة – شاه أو فرعون ) والإمبراطور والخليفة والسلطان – والأخيرين كانا من نصيب الحكام المسلمين حصراً)  ورغم اختلاف التسميات ومصادرها ، إلا أنها تتجمع في الجوهر ذاته ( القوّة والسيطرة ) .

5: جميع الإمبراطوريات اتخذت رموزاً (طوطمية ) مستمدة من صيغتها الأولى،  فكانت أما عرقية أو معتقدية أو مكانية أو حضارية ، أو تجسيدها بصورة حيوان قوي كالأسد أو الثور أو الحصان ، أو طيور جارحة كالنسر والصقر و العقاب غيرها  ، لكن ( الطوطم )  انتقل من بيان مخيالي ، إلى برهان عملي، ومن غذاء روحي ، إلى مفهوم عقلي ، بعد أن تلاقحت الثقافات وتبادلت معارفها وعلومها وفلسفاتها  وأساطيرها ومعتقداتها .  

 6: جميع الإمبراطوريات شهدت صعوداً وإزدهاراً ، ثم نكوصاً وانحداراً ، لكن الملاحظ إن أية إمبراطوريات تهاوت ، لم تسطع أبداً إعادة مجدها كإمبراطورية ، لكن الكثير من الشعوب  وجدت وسائل للنهوض وبناء دول قوية ومتطورة ، الإ تلك التي عادت إلى طوطمها البدائي لتستيعض به عماّ فقدته ، كما هو حال   العراق .

" الخصال " المتشابهة في أشهرالإمبراطوريات عموماً،لايمنع في القول إن لكلّ منها سمة خاصّة كانت بمثابة البصمة التي طبعت مسارها او إطار اللوحة الذي يؤطرالملامح العامّة لكلّ من تلك الإمبراطوريات ، وهو ما يمكن إيراده بما يلي :

1: الأكدية :البناة .

2:الآشورية : القساة

3: الفارسية : الجناة

4: الإغريقية : الرواة

5: الرومانية :العتاة

6: : العربية : الرعاة

7: المغولية : الرماة

8: العثمانية :الدواة 

  ومرد ذلك إلى أن الأكديين كانوا أول من بنى إمبراطورية حضارية ، فيما اشتهر الآشوريين بقسوتهم ضد أعدائهم ، أما الفرس فقد جنوا على الحضارة بتحطيم أهمّ مدنها وعواصمها (بابل) .

الأغريق تركوا إرثاً كبيراً مما رووه عن أعمالهم ، فيما اشتهر أباطرة الرومان بالعتو والجبروت – وكان لقب إمبراطور قد ظهر لأول مرّة عند الرومان بعد مصرع يوليوس قيصر- .

العرب دخلوا التاريخ ( الإمبراطوري ) كحاملي رسالة سماوية كانوا رعاتها وحماتها في الوقت عينه ، أما المغول ، فقد اشتهر عنهم المهارة في رمي القوس والنشاب ، وربما يعود ذلك في بعض أسبابه إلى صغر حجم أجسامهم نسبة إلى غيرهم ، ما يجعلهم يميلون الى إصابة خصمهم عن مسافة بدل الاحتكاك به ، فيما إمتلأ بلاط سلاطين بني عثمان بالرسامين والخطاطين والنساخين من كلّ صنف ، لتسجيل أعمال أولئك السلاطين  وتقديمهم بأفضل ماكانوا عليه .

(1) علي حرب – نقد النصّ – ص 144- منشورات المركز الثقافي العربي

(2) لاحظ ما في هذه التسمية من إبداع رمزي لخيال خصب ، (الإله ) هائل الضخامة بحجم جبل عظيم ، والجبل هو مأوى الغيم والثلوج والرياح الباردة وما تسببه من أمطار وبروق ، لذا كان إنليل إله المطر والبرق والرياح العاصفة  - وهو من أرسل الطوفان الذي أغرق الأرض -   كان الكون  يتحرّك مع حركته ،  ولنتصور جبلاً عظيماً يتحرّك  فعلاً  .

(*) :لمزيد من التوضيح ، ثبّت في خاتمة الكتاب موضوعاً بعنوان (خلاصة لاتنشد الخلاص ) ربما يقدّم مثالاً حيّاً عن شكل الجدال ومحتوى الحوار – أقّله  كما نفهمه ونمارسه - .

 (3) ربما كانت تسمية (شروكي ) التي تطلق على سكّان المناطق الجنوبية الشرقية من العراق ، علاقة ما بإسم ذلك القائد لما في اللفظين من تشابه وما للمنطقة من تقارب جغرافي واجتماعي .

(4) راجع : احمد حسين الأعظمي (مدينة أكد أم دور شروكين)- :

((قبائل البربرالشماليين قد هاجمت البلاد لكنها إستسلمت أمامي ، أما مدنهم آشور ونينوى فقد بطشت بهما بطشاً شديداً))

 (5)- يذكر بعض المؤرخين أن سرجون خلّف ولدين هما  ريموش ومانوس ، وفيما ورث الأول  مملكة أبيه ، هاجر  الأخير إلى مصر وانشأ هناك السلالة الفرعونية التي توالت على حكم مصر .راجع - شروكين ( سرجون الكبير ) أول إمبراطور في التاريخ -  قرداغ مجيد كندلان

(6) لايعني ذلك ان أولئك الفلاسفة والمفكرين قد ( انتحلوا ) ماجاءوا به ، فهم قرأوا مشكلات عصرهم ووضعوا فلسفاتهم على ضوئها ، لكن ريادتهم ربما فقدت بعض وهجها إذا إنتشرت حقيقة  إن أفكارهم ليست جديدة بحدّ ذاتها وان كانت متطورة عن سابقها تبعا لتطور الحضارة .

(7) راجع – حزام النار – يهود العراق من الإزدهار الى الإندثار ( من هم شعب الله المختار ) ص315- للكاتب .

(8)  ترافق توحيد بلاد الرافدين واتخاذها من ثم الشكل الإمبراطوري ، تطور المعتقدات المقدسة وتغيير مهمة وشكل آلهتها التي توحدت تحت أمرة إله واحد  " مردوك " كما إنهم جمعوا بين العقل البرهاني والمخيال (الإيماني ) فتقدموا بالعقل في مجال العلوم ورفدوا تأملاتهم بمنتوحات خيالهم ،وقد أدى هذا المزج إلى علم الفلك ووضع التقويم  وعلم الحساب وتقسيم الدائرة – الخ ، إضافة الى ما أنتجه المخيال من جماليات .

(9) - ( بابل الزانية ، إقتلوا رجالها ونساءها ، واسحقوا رؤوس أطفالها على الحجارة ، وليصبّ الملاك السابع كأس نقمته على بابل ) – من نشيد إرميا .

 

 

ــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك