د نجيبة مطهر||
تبوأ العراق موقعاً متميزا” في منطقة الشرق الأوسط، جعله محط اهتمام القوى الطامعة بثروات المنطقة وفي مقدمة تلك القوى كانت الولايات المتحدة الامريكية فاتجه التفكير والتخطيط الامريكي لتهيئة الظروف والبيئة الاقليمية التي تعطي مبررات قوية لوجود قوات امريكية طويل الامد في منطقة الخليج العربي، وافتعال المبررات للتدخل السريع بقصد احتلال منابع النفط العربي وتدمير العراق
· تدمير العراق
الاعداد لإضعاف وتدمير العراق اعد له مسبقا” منذ العام ١٩٣٧ :عندما ارادت الاردن الإندماج مع العراق بسبب عدم امتلاكها للموارد المالية فاستعانت بالعراق ,وفي العام ١٩٣٩ ارادت الكويت الانضمام إلى العراق, لكي تستفيد من مؤسساته الخدمية ومن المياه الصالحة للشرب ومن نظامَي التعليم والصحة,وفي العام ١٩٥٢ عندما طالبت العراق بريطانيا بسداد الديون التي عليها مبلغ ٥٠ مليون دولار والزمتها بالسداد, وفي العام ١٩٥٦ ,ارسلت العراق 3 مليون طن من القمح الي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا , وفي العام ١٩٥٩ عندما أغلق جمال عبد الناصر قناة السويس أمام السفن العراقية التي تحمل صادراتها من البضائع إلى أوروبا في إطار الضغوط على حكومة عبد الكريم قاسم.. في العام ١٩٦١ اعتقل ٣ كويتيين في البصرة لممارستهم التسول بطريقة مذلة وجرى ترحيلهم على الفور للكويت ,وفي العام ١٩٦٧ أرسل العراق مساعدات إغاثية إلى سكان الإمارات وشملت( ٤ مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب , و ٥٠ ألف طن من الدقيق , و١٧ ألف قطعة ملابس و ٥ آلاف طن تمر)
و في العام ١٩٦٨ صدّر العراق( ألبسة في ٢٠٠ شاحنة نقل سعة ٥ طن من إنتاج مصانع بابل إلى مصر كمساعدة بعد نكسة حزيران.(
وعام ١٩٧١ بلغ عدد السياح العراقيين من أوروبا ولبنان ٧٠ ألف مقارنةً بعدد السكان آنذاك والبالغ ٨ مليون ونصف المليون نسمة. وفي العام ١٩٧٧ أكدت اليونسكو من أن التعليم في العراق يوازي الدول الإسكندينافية , وأن الطالب العراقي هو أكثر الطلبة قبولاً في الجامعات العالمية من دول العالم الثالث. وفي العام ١٩٧٨ بلغ مستوى الدخل الفردي في العراق ٧ آلاف دولار سنوياً وهو الثالث عالمياً من بعد الولايات المتحدة وبريطانيا.واعتبرت العراق أول دولة في العالم يتم تشغيل الأيدي العاملة العراقية كاملة فيها بدون بطالة، واستقطاب وتشغيل ٥ مليون ونصف المليون عامل من العرب والأجانب
وبذلك قررت(منظمة الماسونية، الصهيونية العالمية، لوضع حد للعراق الذي شهد التقدم الحثيث في مختلف المجالات المدنية والعسكرية والاقتصادية
الولايات المتحدة الأمريكية نجحت في تدمير العراق بمساعدة عدة دول، وبتوافق مع الرؤية الإسرائيلية حول شكل الواقع السياسي والاقتصادي، والاجتماعي للمنطقة العربية مستقبلاً، حيث تخطط كل منهما لشرق أوسط جديد حسب مصالحهما وتنصيب إسرائيل حاكماً للمنطقة،
وهناك دلالة واضحة على نية واشنطن لتقسيم العراق منذ عام 1991م إلى ثلاث دول كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب، بصيغة توحي الى ان الدولة العراقية مجزأة الى جزء شيعي في الجنوب وسني في الوسط وكردي في الشمال
وهو الهدف الاستراتيجي لتدمير العراق للوصول الى حالة التقسيم والتجزئة بهدف اضعاف وتعجيز الموجهات ومنظومات القيّم عن الحفاظ على الحد الادنى من التفاعل الايجابي بين الافراد والجماعات العرقية والمذهبية لجهة تصعيد مظاهر الاحباط والقلق واليأس في المجتمع العراقي بهدف اضعافه واعادة صياغة اتجاه حركته الاجتماعية صوب المواقع التي يريدها له صقور البيت الابيض.
وما وصلت إليه دولة العراق اليوم من تدمير ممنهج ومدروس وتقطيع أوصاله وتقسيمه والعبث بنسيجه الاجتماعي، وإيصاله إلى دولة فاشلة وإعادة تركيبه من جديد حسب منطق القوة، ومن ثم جعله نموذجاً مُدمَراً يُحتذى به ويعمم على بقية بلدان المنطقة.وكانت الخطة الأمريكية ومن خلفها الإسرائيلية تقتضي البدء بالعراق لثقله العسكري والاستراتيجي والجغرافي،ومثل الحصار الاقتصادي على الشعب العراقي الذي كان بتحريض، وبدفع وضغط من الولايات المتحدة الامريكية وسارع مجلس الامن الى اصدار (12) قرارا” ترمي الى احكام الحصار على العراق و استمرت ثلاثة عشر عاماً عانى منها العراق بشدة،
استراتيجية التدمير الامريكية هي” نهج عدواني أمريكي يستخدم لردع سلوكيات وخيارات محددة لتحقيق اربعة اهداف استراتيجية هي (التدمير ، التقسيم ، الاحتلال والسيطرة) ، وقد اعتمدت هذه الاستراتيجية من قبل الولايات المتحدة الامريكية في معظم الحروب التي خاضتها القوات الامريكية لتحقيق المصالح والاهداف الامريكية لفرض هيمنتها على العالم الكبير الذي أصبح قرية صغيرة بفعل التقنية الحديثة , وجاء الغزو الامريكي للعراق الذي أطلقت عليه واشنطن ولندن “عملية الحرية من أجل العراق”، تمثلت بالعمليات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية ودول أخرى مثل بريطانيا وأستراليا وبعض الدول المتحالفة مع أمريكا لغزو العراق , واستمرت من 19مارس إلى 1 مايو 2003، وأدت إلى احتلال العراق عسكريا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. واجهت فيها القوات الغازية مقاومة من الجيش العراقي الذي كان يقاتل دون غطاء جوي طيلة فترة العمليات العسكرية التي استغرقت 19 يوما
،استهدفت أمريكا من خلالها إعادة بناء الذاكرة السياسية للشعب العراقي وإعادة صياغة نسيجه الاجتماعي بما يسمح بتبديد الرؤى والصور والأفكار والثوابت القومية والوطنية التي ترسخت في المجتمع العراقي وذلك بالشروع بحل المؤسسة العسكرية العراقية التي اعتقدوا أنها قد تكون العقبة الرئيسية بوجه المخطط الأمريكي.
تدمير المجتمع العراقي و محو الذاكرة الوطنية والهجمات التي استهدفت المحفوظات و المعالم الوطنية التي تمثل الهوية التاريخية للشعب العراقي. الى جانب تدمير مؤسسات التربية و التعليم العراقية.
وبهذا تكون الولايات المتحدة الامريكية قد قامت بتنفيذ كامل لمخرجات استراتيجيتها واستهدفت تفكيك وتقسيم العراق مجتمعيا وجغرافيا، وتدمير قدراته الاقتصادية والعسكرية وتمزيق نسيجه الاجتماعي وترسيخ نظم المحاصصة الطائفية في مؤسساته الحكومية والمجتمعية والمناطقية ،على الرغم من الادعاءات الامريكية بانها جاءت لتجعل من العراق واحة للديمقراطية يعني أن الوضع النهائي مثير للقلق ليس بالنسبة للعراق فحسب، بل للمنطقة بأسرها
· لبننة العراق
يحتلّ العراق موقعاً مركزياً في قلب التطورات الإقليمية، وبعد هزيمة تنظيم “داعش” يعيش سكان البلاد الذين يقترب عددهم من 40 مليون نسمة في أوضاع متدهورة من انقطاع مزمن للتيار الكهربائي ومياه الشرب منذ سنوات ,رغم ما يملكه من ثروة نفطية غنية ولكن في ظل طبقة سياسية لا تغادر لغة المال،بالرغم من أن الأطراف المتصارعة تدين بالإسلام.
الأحزاب الكردية تنام على حرير والخوف أن تصحو يوماً، فتجد الفوضى قد عمت، وصار بالإمكان اعلان قيام إسرائيل ثانية في شمال العراق، خاصة أن قاسم سليماني لم يعد موجوداً لترجيح كفة الوحدة الوطنية من منطلق رفض تفتيت المنطقة؛ بالأخص حين يكون دعاة التقسيم عملاء لإسرائيل والغرب...
القيادات السنية ترحب بالفوضى والخلاف بين أحزاب "الروافض الذين جاء معظمهم على ظهر الدبابة الأميركية... دون أن يعني هذا استمرار سيادة الفكر القومي العربي التقدمي عند هؤلاء...
منذ ذلك اليوم، وهؤلاء جميعا يحكمون ظاهراً باسم الإسلام، وضمنا على وحي اميركا ودستور بريمر...
الأحزاب الشيعية هي اصلا تنطلق من أسس وضعها الأميركي...
وقعت هذه الأحزاب في الفخ الاميركي، فلا هي اخذت السلطة ومارستها، ولا هي انتقلت إلى صفوف الجماهير...
واليوم بات الخلاف على من سيشكّل الحكومة المقبلة مصدر شقاق في المجتمع العراقي،
وبما ان الصراع المحتدم بين المهيمنين على المشهد السياسي، والاحتجاجات الشعبية،إلا ان الأمور تتجة نحو مزيد من التعقيد، فالإنسداد السياسي الحالي يعيدنا بالذاكرة إلى التجربة اللبنانية بعد 2006، عندما تصارع النقيضان على تشكيل الحكومة، ولم يستطع أحدهما أن يفعل ذلك، لتدخل بعدها لبنان في فجوة الفراغ الحكومي إلى يومنا هذا.. وفي العراق هناك من يريد لبننة العراق لكن بصيغة ثانية، نكهتها شيعية شيعية، لكن أهدافها لا تقف عند الفراغ الدستوري وإنما من المرجح أن تنتهي بإنهاء الآخر سياسياً ووجودياً، ليكمل ما فشلت به “داعش” ويتحول الجنوب إلى محرقة لمكون الأغلبية، ويعود العراق إلى نقطة البداية، وينفرد الأقلية في حكم العراق لتكون ساحة صراع لصالح المحور الغربي، ويقطعون الطريق أمام المشروع الأوراسي للشرق الصيني_الروسي، نحو ربط آسيا بأوروبا، وهنا سؤال يفرض نفسه ؟هل سيقف الشرقيون مكتوفي الأيدي أمام التقدم الغربي، أم تتحول العراق إلى يمن، لبنان أو سوريا أخرى، في ظل غياب الضمير الوطني من ساسة الصدفة، وتتحول بلاد الرافدين إلى حوض دماء وخراب؟
الصراع السياسي الحالي في العراق ربما يهدف إلى شق الصف الوطني، وإنهاء التجربة الديمقراطية، والقضاء على الأعراف السياسية القائمة، برعاية غربية، لتحاول قطع الطريق أمام التنين الصيني والدب الروسي، ويراهن على شراء ذمم بعض الساسة في العراق، فمن يتغطى بالدولار الأمريكي، سيتفاجئ أن منظمة شنغهاي ستعريه بالكامل، وتقوض النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط..
مقتدى الصدر الذي حارب الأميركيين أيام علاوي، ما لبث أن وقع في حبال دولة الاحتلال الأميركي،وبالتالي خلط بين محاربة الفساد وبين مخاصمة إيران رغم كل ما قدمته الجمهورية الإسلامية للمحافظة على كيان العراق الموحد فهو لا يملك لا برامج، ولا رؤيا واضحة لما يجب أن يكون عليه العراق
صحيح الصدر هو اقرب إلى رجل الشارع البسيط العفوي الذي يتأثر بأي شيء ويتخذ مواقف شعبوية لا يلبث أن يتراجع عنها في تخبط يميز غياب هذه الرؤيا الواضحة, ففي بعض الاوقات يدعو إلى ما يشبه المؤتمر التاسيسي، واوقات اخرى يرفض الحوار إلا أنه محق في انه يواجه منظومة فساد رمت شباكها في كل مفاصل الدولة والاصرار على مبدأ المحاسبة فيما يخص الفاسدين, إلا أنه يطالب بإعادة النظر بالدستور لبناء الدولة
والغريب أن حلفاء المقاومة اللبنانية في العراق من حلفاء إيران لم يتلقفوا دعوات التيار الصدري لإعادة النظر في دستور مسؤول عن عدم خروج العراق من حالة الدولة الفاشلة...لذلك نجد ان هناك مشاركات وفوارق بين لبنان والعراق اهمها
1. لبنان والعراق يتشاركان في الانحدار إلى مستوى الدولة الفاشلة لكن هناك الكثير من التمايز بين البلدين .
2. وجود قيادة واحدة للمقاومة في لبنان تتحالف ربما مع الفساد رغما عنها، لكنها عند الضرورة كثيرا ما حزمت أمرها وذهبت إلى المواجهة كما يحصل في مسألة المواجهة لاسترداد حقوق لبنان وثرواته...
3. إذا كان لبنان أسير انقسام مذهبي حيث أكثرية ممثلي السنة والدروز يقفون في صفوف الرجعية العربية تحت مسمى "العروبة الحديثة" التي يقودها محمد بن سلمان، بينما يقف جزء مهم من المسيحيين في معسكر اميركا واسرائيل، فإن الوضع في العراق يكون أكثر تقدماً
4. الفوضى في العراق أكثر انتشارا منها في لبنان بفضل تخبط مقتدى الصدر نفسه
5. أثبت العراقيون أنهم يستطيعون هزيمة المشروع الأميركي... فعلوها قبلا ويستطيعون فعلها ثانية
6. في لبنان، تسيطر اميركا بشكل أكبر بكثير من العراق عبر ادوات لها قواعد شعبية , لذلك يخشى حزب الله مواجهة هؤلاء...
7. إذا كان أفق المواجهة في العراق بعيدا، فإن المقاومة في لبنان سوف تضطر إلى المواجهة رغما عنها لأن إسرائيل لن تتراجع، وكذلك أميركا...
8. تراجع لبنان وتخلى عن مساحات واسعة وعن حقوق وثروات ضخمة، وقد قبل حزب الله ذلك بشكل من الأشكال...
لن تقبل إسرائيل بذلك والوضع يسير تجاه صراع مفتوح لا تستطيع المقاومة إلا مواجهته...بينما عملاء الداخل، لا يستطيعون سوى تنفيذ ما تريده إسرائيل والرجعية العربية...
لذلك ورغم كل التطمينات، فإن مقاومة حزب الله تقف اليوم أمام وضعين لا ثالث لهما:
إما الاصرار على كامل الحقوق والوصول إلى الحرب ودفع غزة إلى نفس الامر؛ أو التراجع لأول مرة عن جزء من البحر والبر والدخول في ستاتيكو مرير ينتهي بهم إلى ما انتهى إليه النظام الرسمي العربي...
من هنا اقول
أن هناك مشتركات فعلية بين العراق ولبنان من ناحية التنوع الديني والطائفي وكذلك الدخول في الحروب والصراعات الداخلية" ، إلا أن هناك فوارق حيث ان الوضع في لبنان محسوم في اتجاه العلاقات الخارجية بين حزب الله والقوى الشيعية الأخرى بالتحالف الاستراتيجي مع ايران وكذلك على مستوى البيوت السنية اللبنانية موقفهم واضح بالتحالف مع السعودية ودول الخليج الاخرى".
لذلك الوضع في العراق مختلف حيث توجد قيادات عراقية خالصة من مختلف الطوائف والقوميات وبالنسبة الى الطائفة الشيعية فيتصدرها السيد الصدر مع حلفاءه الاخرين بتقديم مشروع عراقي وطني بعيداً عن التأثيرات الخارجية وهنا حصل التمايز بين العراق ولبنان
مع تحياتي وتقديري
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha