عبد الرحمن المالكي||
هنالك عدة تحديات للهوية الثقافية التي تخص الشاب العراقي, الذي يعتبر من اكثر الفئات استهدافاً في الحرب الناعمة, ومن جملة هذه التحديات نذكر اهمها:
1-التحدي الفكري العقائدي: ان المشكلة الحقيقية التي يواجهها مجتمعنا العراقي كونه مجتمعاً مسلماً ملتزماً تكمن في قصور نظرته الى معنى الهوية ومن خلال انتشار بعض الأفكار والمظاهر المستوحاة من الغرب والتي تحمل في ظاهرها معاني تختلف عن جوهرها، ولكنها تنتشر في المجتمع بسبب عدم التفكر العميق فيما تتضمنه، كما ان التعصب العقائدي يعد من اكثر صور التطرف حدة اذ يذهب سلوك المتطرفين فيه الى حد ارتكاب العدوان وربما يصل الى حد الاغتيال.
2- الصراعات السياسية: شهدت الساحة العراقية على امتداد الاعوام التي مضت صراعات مختلفة ذات غايات واهداف متعددة بين اطراف عديدة منها احزاباً سياسية, حيث ان تلك الصراعات متورطة بتهشيم الروابط الاجتماعية والوطنية لمكونات المجتمع العراقي والتي عملت على تفكك روابطه وجعل الافراد يفكرون في مصالحهم الشخصية بعيداً عن المصالح الوطنية اي كل واحداً منهم يمتلك هويته الخاصة به ولا تربطهم هوية وطنية واحدة وكل ذلك بفعل تلك الاحزاب والتكتلات السياسية بمختلف مكوناتها, التي بدأت تنهمر في فترة يمر بها البلد بصورة كبيرة جداً واصبح من الصعب السيطرة علها وبدأت هذه الأحداث خصوصاً بعد عام (2003) بشكل كبير جداً، اذ ان حالة الفوضى التي صاحبت الجيش العراقي وهدم مؤسسات الدولة ادى الى ان القوى العراقية قامت بتطوير عصابات داعش بها من اجل ضمان تحقيق مكاسب سياسية معينة عن طريق حماية مناطق نفوذها التقليدية او تطوير تلك المناطق.
3- التحدي الطائفي: عرفت الطائفية في معظم المجتمعات عبر مراحل تاريخية معينة في أوربا وامريكا والشرق الأسيوي، مثلها مثل العنصرية والمذهبية حيث تشترك هذه المجتمعات في عمومية هذه الظاهرة وتختلف في عناصرها وكيفية تحديدها حتى داخل المجتمعات الواسعة، وعندما ظهرت الطائفية في العراق خصوصاً بعد عمليات القمع والكبت والتهميش والأزمات في بروز تكتلات طائفية والتي اصبحت مصدر علة وليس مصدر اثراء وهي طوائف بعصبيات خاصة مغلقة على نفسها، والتي اصبحت بمثابة نظام سياسي في العراق حيث باتت الطبقة السياسية اولاً وقبل كل شيء تتصرف بناءً على مصالحها الضيقة حتى وان كانت على حساب المصالح العليا للشعب والوطن، ومن هذا المنطلق تعمل النظم السياسية على دعم وتقوية هذه الطوائف حتى تستطيع تحقيق مصالحها وتقوية نفوذها لكسب المعركة مع الطرف الأخر من خلال دعمها مادياً ومعنوياً، حيث لم تجلب لنا هذه الاثنيات والطوائف غير التفكك الاجتماعي من خلال الباس الانقسام الاجتماعي شكلاً سياسياً عبر حركات وتنظيمات وكيانات مختلفة.
4- التحدي الثقافي: ان الثقافة الاستهلاكية ليست جديدة حيث انها اصبحت اكثر وضوحاً في التسعينات من القرن العشرين ودخل العالم من خلالها على مرحلة عالمية الثقافة الاستهلاكية، فجميع سلع هذه الثقافة من ماركات وملبوسات ومأكولات وافلام وأغاني اصبحت موجودة في كل مكان وفي كل المجتمعات، واخذت هذه المنتجات دلالة اجتماعية ورمزية تدفع في اتجاه صهر العالم استهلاكياً وربما دمجه ثقافياً، ويرى البعض ان التكنولوجيا الحديثة تنطوي على طمس الهوية الثقافية العراقية وبعثرتها ، وتعني الهوية التفرد بكل ما تتضمن الثقافة من عادات وتقاليد واعراف وانماط سلوكية ونظرة الى الحياة وطريقة التفكير وان العامل الذي يؤدي الى تدهور ذلك كله هو التكنولوجيا, حيث ان التكنولوجيا تميل الى التنميط اي ان التكنولوجيا الحديثة تزيد من درجة النمطية التي هي بطبيعتها نقيض التفرد والهوية الفردية، من خلال قدرتها على تراجع اللغة العربية في مواجهة اللغات الاكثر تداولاً على المستوى العالمي من خلال زيادة الشعور بالاغتراب الثقافي اثناء ممارسة اللغات العالمية والتقليد الاعمى للغرب من قصات و موضى عند الشباب, فلا يوجد هنالك تناسق بين افراد المجتمع الواحد اطلاقاً والعمل على اضعاف الانتماء الوطني وزيادة التفكك الداخلي واتساع دائرة المخاطر وزيادة ظاهرة التطرف التي تهدد ثقافة المجتمع وامنه، حيث تعمل التحديات الثقافية على زيادة حدة الفوارق الطبقية التي يعاني المجتمع منها كثيراً والتي تعتبر من اهم الاولويات التي يتم التخلص منها ولكن بسبب هذه التحديات لا يمكن التخلص منها اطلاقاً فهي اصبحت خطراً يواجهه كل فرد من الافراد وتهديد السلام الاجتماعي لهم وصراع المناطق وصدام الحضارات حيث جعلت هذه العوامل بعض الدول ومنه العراق في الدخول في حروب ونزاعات افقدتها قدرتها الاقتصادية والبشرية والاخلاقية وصولاً الى تدمير هويتها, ومن هنا فأن العولمة الثقافية تعني قدرة المجتمع القوى تكنولوجيتاً وثقافياً والمتميز بالقوة الناعمة من الجذب والتأثير, يستطيع اختراق الثقافات والمجتمعات والحضارات الاضعف تكنولوجياً والعمل على تهميشها والغائها والعمل على اسقاط عناصر المقاومة والممانعة وهذا يؤدي بدوره الى تأسيس هوية جديدة معادية لهويتها السابقة.