دراسات

سر خلود الامام الحسين عليه السلام وثورة عاشوراء


الشيخ الدكتورعبدالرضا البهادلي لا||

 

١١/ محرم / ١٤٤٤

الخلود هو الدوام والبَقاء والاستمرار ، وعادة الخلود يطلق على عالم الاخرة  ولكن مجازا يطلق على الاشياء التي تبقى لفترة طويلة في  عالم الدنيا دون ان تنسى وتمحى من الذاكرة وهكذا هي ثورة الامام الحسين عليه السلام فهي رغم عدم انتصار الثورة في ساحة المعركة وعدم استلام الامام الحسين عليه السلام زمام الحكم والسلطة والدولة لكن لهذه الثورة انتصار من نوع خاص وهو خلودها  في التاريخ وبقائها في النفوس حتى صارت منارا لكل الثائرين في الحياة على مدة التاريخ .

نعم حدثت ثورات كثيرة في التاريخ ومرت شخصيات كثيرة ولكن لم يكتب لها الخلود والبقاء مثل ما بقيت لثورة الحسين وللامام الحسين عليه السلام ، فما سر خلود ثورة الامام الحسين وخلود  في الدعور والعصور ….يمكن القول هناك عناصر مهمة اسهمت في خلود الثورة ومنها ……

1- القيادة الالهية المتمثلة بالامام الحسين عليه السلام.

 “إن الحسين(ع) مصباح الهدى وسفينة النجاة” كما ورد عن رسول الله ’ وهو الانسان الكامل والمعصوم والمنصب من قبل الله تعالى واحد الائمة الذين اذهب الله عنهم الرجس باية التطهير كما في قوله تعالى ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ([1]). فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ‌ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي خَمْسَةٍ فَقَرَأَهَا وَ سَمَّاهُمْ‌ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فِي رَسُولِ اللَّهِ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ) ([2]).

 ومن الذين قال النبي صلى الله عليه واله فيهم اني تارك فيكم الثقلين كما عن زيد بن أرقم قال: (ثم قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي…) ([3]).

2-  الاهداف الالهية التي تحملها حركة الامام الحسين  .

يمكن معرفة الاهداف الالهية من خلال وصية الامام الحسين عليه السلام لاخيه محمد بن الحنفية .  كتب  عليه السلام: ( بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، هذا ما أوصى‌ بِهِ الحُسَينُ بنُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ لأَِخيهِ مُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ المَعروفِ وَلَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام : إنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ يَشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ، جاءَ بِالحَقِّ مِن عِندِهِ ، وأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ ، وَالنّارَ حَقٌّ . وأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها ، وأنَّ اللَّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبورِ ، >وأنّي لَم أخرُج أشِراً([4]). لا بَطِراً([5]). ، ولا مُفسِداً ولا ظالِماً ، وإنَّما خَرَجتُ لِطَلَبِ النَّجاحِ وَالصَّلاحِ في اُمَّةِ جَدّي مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، اُريدُ أن آمُرَ بِالمَعروفِ وأنهى‌ عَنِ المُنكَرِ ، وأسيرَ بِسيرَةِ جَدّي مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وسيرَةِ أبي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ … فَمَن قَبِلَني بِقَبولِ الحَقِّ فَاللَّهُ أولى‌ بِالحَقِّ ، ومَن رَدَّ عَلَيَّ هذا أصبِرُ حَتّى‌ يَقضِيَ اللَّهُ بَيني وبَينَ القَومِ بِالحَقِّ ، ويَحكُمَ بَيني وبَينَهُم بِالحَقِّ ، وهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ ، هذِهِ وَصِيَّتي إلَيكَ يا أخي ، وما تَوفيقي إلّا بِاللَّهِ ، عَلَيهِ<([6]).

3- الاهداف الانسانية .

الاهداف الانسانية في ثورة الحسين عليه السلام فهي ثورة ضد الظلم والفساد والانحراف الذي يمارسه الحاكم الفاسد المستبد والجاهل وهو عليه السلام الاحق بان يغير في واقع المجتمع الانساني ولذلك قال عليه السلام (  وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الامة براع مثل يزيد  ([7]).

وقال عليه السلام :  أنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله([8]) .

4- ان حركة الامام الحسين كانت من اجل احياء الدين

 ومن اسرار خلود ثورة الامام الحسين عليه السلام ان حركته كانت من اجل ايحاء الدين وإماتة البدعة, وتفظيع أعمال المناوئين، وتفهيم الأمة أنهم (ع) أحق بالخلافة من غيرهم ومن اجل تحرير الانسان من العبودية ومن اجل وضع منهاج للثورة ضد طغاة الامة الذين يستولون على الامة ….

لذلك قال الامام الحسين عليه السلام : (من لحق بنا استشهد ومن لم يلحق لم يدرك الفتح) ([9]).

وهنا المراد بالفتح (انا فتحنا لك فتحا مبينا ) وهو عزة الاسلام وبقائه في المجتمع الاسلامي وازالة ما يمكن ان يطيح بالدين والقيم والشريعة ،وهذا معنى كلمة الإمام زين العابدين (ع) لإبراهيم بن طلحة بن عبيد الله لما قال له حين رجوعه إلى المدينة: من الغالب ؟ فقال السجاد (ع): إذا دخل وقت الصلاة فأذن وأقم تعرف الغالب) ([10]). وهذا هو مفهوم النصر فليس النصر محصورا بالانتصار العسكري في ميدان المواجهة  بل النصر هو بقاء القيم والدين باي طريقة حصلت وهنا انتصر الدم على السيف .

وبعبارة أخرى مختصرة لولا ثورة الإمام الحسين ودمائه التي سالت في أرض كربلاء لأصبح ديننا واسلامنا كماهو الدين المسيحي واليهودي وبقية الأديان الإلهية التي لم يبق منها الا الاسم....

 5- الحسين عليه السلام اعطى كل شيء لله تعالى 

الخلود في التاريخ لا يعطى مجانا لكل احد من الناس ، فالذين يخلدون في التاريخ والحياة هم العظماء لانهم عرفوا الله تعالى وعرفوا ان العطاء لله الخالص وحده هو الباقي ، هم عندما اعطوا لله تعالى كل شيء لم يطلبوا الخلود او يطلبوا عوضا عن عطائهم انما كان عطائهم لله خالصا ، فسر بقاء ثورة عاشوراء وبقاء الحسين عليه السلام هو العطاء التام والكامل مع الاخلاص لوجه الله تعالى، ولكن الله تعالى وضمن قوانينه ان من يعطي لله تعالى فان عطاء الله له غير محدود.

 لذلك ايها الانسان تعلم من الحسين عليه السلام ان تعطي لله تعالى وحده  ، فالآخر مهما اعطيته قد لا يعطيك مثل ما اعطيته وقد يرجع عليك بالاذى ، ولكن العطاء لله تعالى وحده هو الذي يرجع عليك بعطاء اعظم واكبر في الدنيا والاخرة

6– ارادة الله تعالى بقاء الثورة 

بالاضافة الى ما تقدم من اسرار خلود ثورة الامام الحسين عليه السلام فاني اعتقد ان هناك ارادة الهية ومشيئة ربانية ان تبقى ثورة الامام الحسين عليه السلام حية في الامة الاسلامية وتبقى هذه الثورة حجة على المجتمع الاسلامي من اجل اخذ الدروس والعبر منها كما ان الله حافظ على القرآن الكريم من التزوير والتحريف حافظ على ثورة الامام الحسين عليه السلام من الزوال والاضمحلال ، وكما ان حركة الحسين كانت ضمن مشيئة الهية (شاء الله ان يراني قتيلا، وشاء الله ان يراهن  سبايا) كذلك مشيئة الله تعالى ان تبقى هذه الثورة خالدة عبر العصور ، ولاجل ذلك راينا كم من الظالمين ارادوا محو ذكر الحسين عليه السلام ولكن الله محاهم وهذا سر كلمة السيدة الحوراء زينب عليها السلام في مجلس يزيد عندما قالت  :  فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم يناد المناد ألا لعنة الله على الظالمين، فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة والرحمة([11])

 7- مأساة الحسين يوم عاشوراء تستدعي بقائها وخلودها  

يقول أحد الخطباء : كنّا نقيم مجالس العزاء على الحسين عليه السلام في بلد أجنبي في صالة نستأجرها كلّ عام ، فسألني أحد الأشخاص المسيحيين قائلاً : انّكم تأتون إلى هذه الصالة ، وتستأجرونها سنويّاً لتبكوا ، في حين انّ الآخرين يستأجرونها لإقامة مجالس الأعراس والأفراح ، فلماذا تفعلون ذلك ؟. فقلت له : لأنّنا في عزاء ، فقال: عزاء من ؟ فقلت : عزاء سيّدنا وإمامنا وقائدنا. فقال لي : متى أصيب وكيف ؟ فقلت : قبل ألف وأربعمائة عام. فتعجّب من ذلك ، وأصابته الدهشة لأنّنا مازلنا نبكي على رجل مات قبل مئات السنين. فقلت له : إنّ مقتله لم يكن عادياً ، فلقد قتل مظلوماً وبشكل مأساوي بعد أن دعاه الناس ، ووعدوه بالنصرة ، فإذا بهم يخذلونه ، ويسلّمونه للأعداء ، ويحيطون به في صحراء قاحلة حيث لا ماء ولا طعام ، وحتى طفله الرضيع لم يسقوه شربة من الماء بل رموه بدلاً من ذلك بسهم قاتل !

يقول الخطيب : وبعد ان شرحت للرجل المسيحي سبب بكائنا على الإمام الحسين عليه السلام إذا به يجهش بالبكاء ، وتتقاطر دموعه ، ويظهر تعاطفه معنا ، ثمّ طلب منّا ان نسمح له بأن يشاركنا في العزاء على أبي عبد الله عليه السلام.

ــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك