جمعة العطواني ||
مقدمة
لاول مرة، وتحديدا بعد عقود من الزمان تتجلى صورة الصراع الوجودي بين الدين الإسلامي واعدائه، وبخاصة بعد ان ارتدى الإسلام الاصيل ثوبه الحقيقي، واخذ جزءا مهما من مساحته التي كان ينبغي ان يتخذها منذ انظلاقته في الوجود الإنساني بوصفه المنهاج الروحي والمادي والعملي المرافق لمسيرة الإنسان في هذه الدنيا.
بالمقابل فان اعداء الإسلام ايضا تنبهوا لنهوض الدين واخذه مساحته المطلوبة، هذه المساحة بالتاكيد ستكون على حساب مساحتهم وحيزهم الذي يتحركون فيه، وهو امر طبيعي في طبيعة صراع الاضداد.
عقود وعقود واعداء الإسلام يتحركون بمفردهم في الوجود الإنساني الا بمقدار هامش من المساحة للدين التي لا تتعارض مع اصل مشروعهم، بل وهامشية الدين هذه ربما تعطيهم زخما اضافيا في التقدم والسيطرة على عقول وعواطف وغرائز المجتمعات، بحكم (الهوّة) في الاداء.
كنا نقرا عن الاصنام التي تعبد من دون الله، والطواغيت التي تحارب الله في وحدانيته ووجوده، وترفض اصل وجوده، وربما كنا نبرر ذلك الانكار الوجودي لله وعبادة غيره بسبب جهل وتخلف المجتمعات البشرية انذاك، وبساطة الحياة وحاجات المجتمعات، وعدم تواصل المجتمعات البشرية فيما بينها.
اليوم نرى حالة الاستنساخ لتلك الاصنام والطواغيت بشكل اوضح واجلى، وبمساحة اكبر واوسع تغطي كل الارض والاغلبية الساحقة من بني البشر.
الفراعنة اوالطواغيت او الاصنام قد تكون بشرا او حجرا او انظمة، وعلى حد وصف القرآن الكريم هي كل معبود ومطاع لغير الله، او يامر بمعصية الله جهرا او من خلال السلوك والتشريعات .
يقول الامام محمد الجواد (عليه السلام): (من اصغى الى ناطق فقد عبده، فان كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وان كان الناطق ينطق عن لسان ابليس فقد عبد ابليس).
فقد يكون الناطق تعبيرا عن نظام وتشريعات، او شخصا يقنع الناس بمشروعه او فكرته، فان كان هذا الناطق يدعو الى التوحيد وقيم الإسلام ومكنون فطرة الإنسان فانه بالنتيجة يدعو الى عبادة الله تعالى، وان كان يدعو الى محاربة الدين وتشويه قيم الإنسان والفطرة السليمة التي فطر اللهُ الناسَ عليها فانه يعبر عن اوضح مصداق للصنم او الطاغوت البشري.
جذر المشكلة التي يعيشها العالم اليوم هي مشكلة التوحيد، والاخلاق، والقيم، وان كانت تتمظهر بمظهر اقتصادي او سياسي او عسكري او ثقافي ايضا.
طبيعة المواجهة اليوم، وطبيعة الالحاد في المواجهة ليست تقليدية كما كانت تحصل في العصورالغابرة ابتداءا من هبوط ادم وحواء الى الارض مرورا بصراع ومواجهة الانبياء مع طواغيت وفراعنة عصورهم، فالمواجهة اليوم هو مواجهة انظمة وقوانين وضعية، وتربية شعوب واخضاعها لتلك القوانين، وهذه القوانين تحارب الله تعالى ليس في عباده واخلاقهم وقيمهم فحسب، بل في اصل وجوده ايضا.
ان احدث الانظمة السياسية والاقتصادية التي تتحكم بمصير وحركة بني البشر هي انظمة اسست على اساس الالحاد ومحاربة دين الله في اغلب مفاصله، وثوابته، لان هذه الانظمة في حقيقتها انظمة طاغوتية فرعونية.
وفي الواقع ان هذه الانظمة هي ليست حديثة، بل مر عليها قرون من الزمان اذا ما عرفنا اعمار مؤسسيها، فما بين 300 الى 400 سنة قد مرت على تاسيس هذه النظريات الالحادية اوالعلمانية، وبعض مؤسسيها ماتوا بالجنون، ولكن اتباعها لا زالوا يعدونها من ارقى الانظمة السياسية والفكرية، بينما لم يمر على بعثة رسول الله الا بضعة مائة عام حتى انهال الشرق والغرب على عَدِّ هذه الرسالة والدين غير صالح لاكثر من زمانه ومكانه، وبداوا منذ ذلك الوقت بشن الحملات العدائية على الدين بمختلف الاساليب العسكرية والاعلامية والفكرية والنفسية وغيرها.
بالمقابل هنالك في مجتمعاتنا الإسلامية، فضلا عن المجتمعات التي تاسست فيها تلك الانظمة من يعتبر تلك الانظمة واولئك المؤسسين الذين يتربعون على عروش الدول هم البديل الحقيقي عن الدين والقيم والاخلاق.
بتعير اخر فان ما توصلت اليه الانظمة العلمانية او الليبرالية في نظر اصحابها واتباعهم هو البديل الحقيقي عن الدين وعن الوحي .
https://telegram.me/buratha