دراسات

اختبارات صعبة أمام العلمانيين العرب والمسلمين/ 12

2721 2022-05-01

د. علي المؤمن ||        إذا كان علمانيو البلدان العربية والإسلامية، موضوعيين في التشبث بمعادلة صراع النخب العلمانية الأوروبية، خلال عصر التنوير والنهضة الأوروبية، مع الكنيسة المسيحية وأنظمة الحكم المطلق، وإسقاط هذه المعادلة على واقع المسلمين؛ فينبغي عليهم عدم إطلاق النار عشوائياً على دين محمد بن عبد الله وتشريعاته والنظم التي يفرزها، بل النظر بدقة الى حقيقة الدول والأنظمة المتشبِّهة بالثيوقراطيات المسيحية القسطنطينية، وتحديداً نسختها الأموية السلطانية، لأن الإسلام لايفرز دولة ثيوقراطية، ولا نظاماً سياسياً ملكيا وراثياً، ولا مؤسسة دينية كهنوتية، بل أن كل ما أنتجه واقع المسلمين منذ معاوية وحتى الآن، من أنظمة ثيوقراطية سلطانية وراثية، كالأموية والعباسية والإدريسية والفاطمية والأيوبية والبويهية والسلجوقية والعثمانية والصفوية والقاجارية والبهلوية والهاشمية والسعودية؛ أنما هي أنظمة تستند الى فكر سياسي أرضي استبدادي، لاعلاقة له بالفقه السياسي الأصيل الذي تفرزه الشريعة الإسلامية. أما دولة الشريعة الإسلامية، فهي دولة القانون والحقوق والحريات، وأن نظامها السياسي ــ في غياب إمامة أل البيت ــ هو نظام يمثل عقيدة الأمة وإرادتها ووعيها بنفسها.    وإذا كان العلمانيون الجدد الفاعلون في البيئة الإسلامية، صادقين في الانخراط في معركة نهوض العرب والمسلمين، وتقدمهم ونمائهم القانوني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، ومعركة تحقيق الاستقلال الكامل، وانتزاع الحقوق والحريات؛ فأدعوهم الى ما يلي:    1- دراسة تجربة النظم والأحزاب العلمانية في البلدان العربية والإسلامية التي حصلت على الاستقلال السياسي منذ أربعينات القرن الماضي وما بعده، وطنية وقومية وشيوعية، مدنية وعسكرية، والتي أمعنت في تبعيتها الفكرية الى الغرب أو الشرق، وفصلت الدين وشريعته عن الدولة والتشريع، وبالغت في محاربة الجماعات الإسلامية، وكذلك دراسة البنية القعمية والاقصائية لهذه الأحزاب والأنظمة، وأسباب تخلفها وفسادها، وفشلها الذريع في بناء الدولة، وفي إقامة نظمها القانونية والسياسية والاقتصادية والتعليمية، وفشلها في إحداث نماء اجتماعي مستدام أو تطور علمي وتكنولوحي، حتى وإن كان نسبياً.      2- دراسة تجربة ثلاثة بلدان إسلامية، حكمها الإسلاميون عبر آليات ديمقراطية، هي: ايران وماليزيا وتركيا، والقفزات النوعية التي حققتها على كل المستويات، قياساً بالأنظمة العربية العلمانية، المدنية والعسكرية، وإن كان لكل منها بعض القواعد المذهبية والفكرية والأنساق العامة التي تختلف عن الأخرى، لكنها تشترك في كونها أنموذجاً للحكومات المسلمة غير الثيوقراطية وغير العلمانية، وأنها استعارت أدوات وأليات ديمقراطية، وأن أحزاباً إسلامية ايديولوجية تتفرد بحكمها. ولا أتحدث هنا بمنطق الميول العقدية والسياسية إطلاقاً، بل بمنطق الواقع الملموس، سواء اختلفنا مع هذه البلدان الثلاثة أو اتفقنا.      3- إعلان العلمانيين عن استقلالهم الفكري والمفاهيمي الكامل، عبر رفض المذاهب الفكرية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الغربية، والتشريعات والنظم التي تفرزها، لأن سيادة الدولة واستقلالها السياسي واستقلال سلطاتها وأحزابها، لا تنفصل إطلاقاً عن استقلالها العقدي والفكري والتشريعي، ومن يعتقد بأن الفسلفات والأفكار والمذاهب والتشريعات التي أنتجتها البيئات الدينية والاجتماعية الأخرى، بناءً على الوقائع التراكمية؛ تصلح لبيئات أُخرى، مختلفة جذرياً، وأن بالامكان استعارتها وتطبيقها في بيئات أُخرى؛ فهو يجهل ببديهيات نشوء الأفكار والمذاهب والنظم والتشريعات، وامتداد صلاحيتها، وعلاقتها الجدلية بالواقع الاجتماعي وعقيدته وأحداثه التراكمية، ولا يختلف هنا المذهب الفكري بين علماني ليبرالي أو ماركسي شمولي.     4- بموازاة التخلص من أعباء التبعية والعمالة الفكرية والسياسية؛ ينبغي على علمانيي البيئة الإسلامية إنتاج أفكار ونظم اجتماعية وسياسية واقتصادية وتشريعية محلية وطنية، لا تتعارض مع الواقع العقدي والفكري والاجتماعي للمسلمين. ويعني عدم التعارض هنا، إمكانية استعارة الآليات والأدوات الإنسانية المفيدة والناجحة التي يمكن أن تكون مشتركاً عاماً بين البشر.     5- أن يكون تركيز العلمانيين لمعركتهم، مع النظم الثيوقراطية الوراثية التابعة سياسياً للغرب، والتي يتعارض أصل وجودها مع بديهيات الفكر العلماني والمذهبين الليبرالي والديمقراطي، ومع منظومة الحقوق والحريات الإنسانية، وكذلك مع الأنظمة العسكرية والدكتاتورية، الشبيهة بالنظم الثيوقراطية الوراثية في تبعيتها الفكرية والسياسية للغرب. ولعل من أكبر التناقضات التي ظلت النخب العلمانية في البلدان الإسلامية تسقط فيها، منذ تصاعد الغزو الفكري الغربي، هو دعمها لأنظمة الحكم الوراثي المطلق، والدكتاتوريات العسكرية والمدنية، بل وإصرار هذه الأنظمة على استخدام النخب العلمانية لتلميع صورتها والترويج لها، وبالتالي؛ يتبيّن أن مشكلة هذه النخب ليست مع هذه الأنظمة التي تتعارض شرعيتها وممارساتها مع الفكر العلماني وركيزتيه الليبرالية والديمقراطية، بل مشكلتها مع الإسلام نفسه، لأنها لا تكف عن الصراخ بأن الإسلام دين بلا دولة، أسوة بالديانات المسيحية والبوذية والهندوسية والفلسفات الطاوية والكنفوشيوسية، وأن الشريعة الإسلامية متخلفة تصلح لزمان صدور أحكامها فقط، وأن هذه الأحكام تتعارض مع الحقوق والحريات، وأن المؤسسة الدينية الإسلامية هي مؤسسة كهنوتية رجعية تعيش خارج العصر، أسوة بالكنيسة المسيحية قبل عصر النهضة الأوروبية. هذا في أحسن الأحوال طبعاً، وإلّا فإن مسلسل الإتهامات يطال حتى الرسول محمد نفسه والتشكيك برسالته وبكتاب الله.   
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك