دراسات

العلمانيون الشيعة الجدد وتكرار الأوهام/10

3009 2022-04-22

علي المؤمن ||

 

    إن مقولات العلمانيين الشيعة الجدد ضد النظام الاجتماعي الديني الشيعي ومكوناته، أو ما يغلفونه بالمصطلحين المتهافتين: (السلطة الدينية) و(الإسلام السياسي)؛ إنما هو تكرار لمقولات ومفاهيم بائسة قديمة، ظل يكررها المفكرون العرب والمشرقيون، المهووسون بمناهج الفكر الأوروبي الليبرالي والقومي والماركسي، أمثال: شبلي شميل وفرح أنطون وسلامة موسى ومحمد امين وأحمد لطفي السيد وميشيل عفلق وزكي الأرسوزي وفؤاد زكريا وصادق جلال العظم ومراد وهبة ومحمد أركون وفرج فوده وعزيز العظمة وطيب تيزيني وجورج طرابيشي، وكثير من المفكرين الإيرانيين والأتراك، من منظري ما يسمونه بمشروع (التنوير) الإجتماعي المدني العلماني المعاصر، والذي أسبغت عليه أدبيات الشيوعيين والبعثيين والناصريين والقوميين الفرس والاتراك، مسحة ايديولوجية فلسفية اجتماعية محلية،

    والحقيقة أن فكر العلمانيين العرب والإيرانيين والأتراك، إنما هو ترجمات للعنف الفكري الذي مارسه مفكرو ما عرف بعصر النهضة الأوربية ضد الكنيسة والفكر الديني؛ بدءاً بـ "جون لوك" و"فولتير" و"كانت" و"دنيس ديدرو" و"باروخ سبينوزا" و"جيمس ماديسون" وانتهاءً  بخلفائهم "جورج جاكوب" و"بويسون"  و"برتراند رسل". ثم تبناها وطبقها في أنظمة البلدان المسلمة، طغاة مؤسسون، أمثال أتاتورك ورضا بهلوي وسوكارنو والحبيب بورقيبة.

     كما أن أغلب العلمانيين الشيعة الجدد، يستقون أفكارهم الهجينة من المشاكسات الفكرية لليسار الديني الإيراني في عقود الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وخاصة أفكار عبد الكريم سروش ومحمد مجتهد شبستري ومحسن كديور، وقبلهم علي شريعتي في كتابه الرديء "التشيع العلوي والتشيع الصفوي" وغيره، والذي يخلط بين الفقهاء ووعاظ السلاطين، ويساوي بين عالم الدين و(الروزخون)، ويحمِّل الفقيه الشيعي وزر المفتي الوهابي.

    وبالرغم من أن أفكار علي شريعتي ( التنويرية) الستينية والسبعينية أصبحت (خرده) في ايران، وتبخرت منذ ربع قرن تقريباً، لكن العلمانيين الشيعة الجدد المهووسين بمصطلح (التنوير)؛ حوّلوا هذه الأفكار الى تابوهات مقدسة، ليس حباً بشريعتي أو سروش، ولكن بغضاً بالمؤسسة الدينية الاجتماعية الشيعية والحركات الإسلامية. وبات هذا البُغض جزءاً من أدبيات ما يسمونه "التيار المدني" أو "الدولة المدنية" أو "عقلنة الحكم" أو "فصل العقيدة عن الدولة"، و"تاريخية النص الديني" و"ظرفية التشريعات الإسلامية"، وهي صيغ تقليدية من النظم الفكرية العلمانية الغربية التي ترددها قواعد العلمانيين في البيئات العربية والإسلامية دون وعي بمفاهيمها، ودون معرفة بجذورها غالباً. ولذلك؛ فإن وزر ترديد هذه المقولات لاتتحمله - غالباً - هذه القواعد البريئة فكرياً، بل يتحمله المثقفون العلمانيون الشيعة، الذين يدرك أغلبهم أن الفلسفات الإجتماعية العلمانية لا يمكن أن تحكم واقع البلدان الإسلامية؛ لأنها تتعارض مع المنظومات الدينية الإجتماعية للمسلمين، ولاسيما الشيعة.

   ويتحدث هؤلاء العلمانيون عن المجتمع الشيعي وكأنه يعيش منعزلاً في جزيرة نائية، وأن بإمكانه رسم مصيره لوحده، دون أية موانع وعقبات موضوعية، ودون تأثير وتأثّر بمحيطه الإقليمي، سواء المعادي أو المتعاطف، ودون اعتبار لمشتركاته المذهبية وتاريخه السياسي والاجتماعي المذهبي المشترك مع الشعوب الأخرى، ككل أمم العالم المؤثرة والمتأثرة. كما أنهم لا يضعون في حسبانهم (بيئة الأمة) أو (بيئة المكون الإجتماعي) وتأثيراتها وضغوطاتها؛ فهذه البيئة هي (الوسط الموضوعي) الذي يعيش فيه المكون الشيعي. وبالتالي؛ لاعلاقة للفقهاء و(سطوتهم) بايجاد هذا الوسط، بل أن الفقهاء وشيوخ العشائر وقادة الأحزاب يعيشون تحت وطاة هذا الوسط أيضاً. وبما أن الشيعة يعيشون ـ كغيرهم ـ وفق قوانين الفيزياء الإجتماعية ( رد الفعل الإجتماعي) من جهة، وقوانين علم النفس الإجتماعي (الموروث النفسي والعقل الجمعي) من جهة أخرى؛ فإن ضغوطات الوسط الموضوعي التي تجر قسراً الى تطبيق هذه القوانين؛ تزيد من لجوء الشيعة ـ يوماً بعد آخر و بزخم أكبر ـ الى الكيانات الاجتماعية المحضة، أو الاجتماعية الدينية، أو الاجتماعية السياسية، والتي يعتقدون أنها تحميهم، كشيخ العشيرة وقائد الحزب الديني وعالم الدين، في مقابل كيان الدولة السياسي القانوني وسلطتها. وإذا أصبح هذا الكيان محايداً تجاه شيعة البلد، فإنه كان و لايزال على خصومة مع الشيعة في البلدان الأخرى، ويستهدف وجودهم بقوة.

    وفضلاً عن أوهام الخلط بين شريعة عيسى وشريعة محمد، وإلزامات كل منهما؛ فإن العلمانيين الشيعة الجدد يخلطون أيضاً بين مشايخ الحكومات ووعاظ السلاطين، الذين يلوون عنق الدين ويصادرون عقل الأمة ويكفرون الآخر وينشرون الكراهية ويشجعون على الطائفية، وبين فقهاء الشيعة المسالمين المدافعين عن مجتمعاتهم، والداعين الى السلام وحقن الدماء ونبذ الطائفية والعنصرية.

   ويتصور العلمانيون الشيعة، إذا أحسنا الظن بهم، أن الترويج للعلمانية ومناهج التفكير الليبرالي والدعاية المضادة الرامية الى هدم النظام الاجتماعي الديني الشيعي وإضعاف مؤسسة المرجعية الدينية وضرب الحركات الإسلامية، سيساهم في توعية المجتمع الشيعي واستنهاضه، وفي إنقاذه من سطوة الفقهاء ومن يحتمي بهم من سياسيين إسلاميين كما يقولون، لكن الحقيقة غير ذلك؛ فهم يساهمون في تحفيز المنظومة الطائفية ضد المجتمعات الشيعية، وتوفير المسوغات الفكرية والدعائية لتكفير الشيعة وذبحهم من ناحية الخصم التكفيري الطائفي، كما أنهم يفتحون الأبواب على مصراعيها لدخول التكفيريين الى بيوت الشيعة، وتقديم مادة جاهزة لهم لضرب التشيع وأتباعه. ولعل بعض العلمانيين والليبراليين الشيعة الجدد، لا يحملون في دواخلهم نوايا الإضرار بمجتمعاتهم، وإيذاء أبناء جلدتهم، لكنهم يعيشون انفعالات الواقع السياسي وفشله وفساده، ولايفكرون بموضوعية تجاه الدين ونظمه، والنظام الاجتماعي الديني الشيعي وعلاقتهم العضوية بمكوناته، شاءوا أم أبوا.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك