الحقوقي علي الفارس ||
بادي ذي بدء يمكن القول إنه لا يمكن أن تنشأ حضارة لأمة ما لم يكن وراءها ثقافة قوية تمتلك من العقيدة، والقيم، والأخلاق، ما يسمو بها فوق الأمم، والأمة العربية الإسلامية أمة ذات أصالة بما تعنيه الكلمة من معنى، والأصالة: تعني الانتماء إلى ثقافة الأمة والتحرر من عقدة النقص والتبعية والاستقلال من كل استعمار عسكري وفكري وثقافي اوربي. والحضارة العربية والإسلامية تمتلك قوة ثقافية وعلمية أساسها القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة المتمثلة (بأل البيت عليهم السلام) حسب قول الحديث الشريف (تَركتُ فِيكم الثَّقلين، ما إن تمسَّكتُم بهما، لن تضلُّوا: كِتابَ اللهِ، وعِترتي أهلَ بيتي) وهذه الثقافة استوعبت مستجدات الحضارة قديمها وحديثها.
لكن الاستعمار الغربي وجه سهامه إلى أمتنا، فراح يغزوها في دينها، ولغتها، وتاريخها، وتراثها، وقيمها، وسعى لفرض ثقافته من خلال التدخل في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية والاجتماعية.... الخ.
لا شك أن الله قدر على هذه الأمة الوقوع في "التبعية"؛ كما نراه اليوم من دول الخليج والأردن بقبولهم التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الذي يعتبر المركز الرئيسي للفساد والانحراف السياسي والاجتماعي والديني ونحن نرى شواهده في التاريخ القديم والمعاصر، وهو من التقدير الكوني الذي أمرنا بمدافعته ومقاومته قال تعالى. {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} [البقرة:251] وقولة تعالى ( وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة (120) وعبر التاريخ وقعت التبعية في مجال العقائد، والسياسة، والاقتصاد، والأخلاق، والعادات وغيرها.
تعود جذور التأثر بالغرب إلى بدايات التأثر بالتقنيات والتنظيمات الإدارية في مجال السياسة وتنظيم الجيش والقانون الإداري كما حصل في زمن الدولة العثمانية، وقد تطورت تدريجيًا لاسيما مع العلاقات والتواصل الدبلوماسي والبعثات، وقد وصل ذروته في الوقت الحالي بعد التشابك الدولي شديد التعقيد، وظهور الإنترنت والهواتف الذكية والإعلام والاتصالات والمواصلات والسفر والسياحة والإقامة والدراسة والتبادل التجاري مع البلاد الغربية. فتكونت حالة التبعية من ثنائية التغلب الغربي (الهيمنة)، والضعف العربي والإسلامي (الانهزامية).
هذه الثنائية المتداخلة بين الداخل والخارج هي التي أنتجت هذه التبعية المقيتة، والتي وصلت إلى العقل الباطن في مجتمعاتنا، وأصبحت تمارس بعض أنماطها بصورة عفوية، ولا يرى صاحبها الأشياء إلا من خلال المنظار الغربي، بل قد يمارسها أحيانًا وهو لا يدري أنها غربية، بل ربما ظنها مترسخة في ثقافته وحضارته.
ما يعرف اليوم (بالثقافة العالمية) هو في الحقيقة (الثقافة الغربية)، فالمتغلب هو الذي يفرض فكره وثقافته على المغلوب، فإذا وصلت الهزيمة في المغلوب إلى قلبه وضميره وعقله أصبح يقلد غالبه، ولا يرى أو يفكر أو يعمل إلا من خلاله واليوم ما نراه في العراق من تدخل اجنبي استعماري في شؤون العراق السياسية والاقتصادية بصورة مباشرة او عن طريق ادواتهم الموجودة في العراق او استطاعوا ترسيخ التبعية في عقولهم لكي يصبحون اداة سهلة الاستعمال والاستغلال’’ وفي الايام الأخيرة ما شاهدناه وما لمسناه او عرفنا مع التأكيد على وجود مراكز للموساد الاسرائيلي في شمال العراق والتحرك باتجاه هرم العراق والسيطرة على رئاسة الجمهورية يعتبر نوع من انواع التبعية الغربية ’’ التي تريد ان ترسم او تستهدف المذهب الشيعي حصرا على خلاف المذهب الاخر الذي يعتبر تربة خصبة لغرس التبعية او بالأحرى لا شك بانهم تبعية الدول الخليجية التي هي تعتبر من مراكز التطبيع والتبعية ,,
كما حاولوا ابعاد هذا الوصف عنهم والصقوه بالمكون الشيعي بوصفهم ( بتبعية الجمهورية الاسلامية الايرانية ) وهذا ما يزيدنا اصرار وعزيمه ان نكون تبعية لدولة مسلمة تطبق تعاليم وشعائر الاسلام ,, نعم فهم كلما ضغطوا علينا اتجهنا الى تطبيق الاسلام اكثر واكثر فلم ينالوا منا.. الا ان توجهوا الى محاولة المرور سياسيا ليكون الامر بين ايديهم وبذلك سوف تطبق قوانين تشيد بقوانينهم ويطبقون على العراق ما يريدون تطبيقه ’’ لكن كلا سوف نكون درعا حصينا للإسلام في العراق والتشيع بصورة خاصة..
وفي الأخير يمكن القول بأن الخروج من النفق المظلم للتبعية مستطاع؛ ولكن هذا يحتاج إلى عمل دؤوب، وجهد متواصل، وقبل ذلك اعتماد على الله، وثقة به، وصحة في المنهج والمعتقد. وإن من أوليات البدء في التحرر من التبعية: الاقتناع التام بإمكان ذلك، والشعور بخيبة هذه التبعية وذلتها وخسائرها الماحقة للدين والنفس والمجتمع، والنظرة الناقدة الفاحصة لهذا الانهزام والانقياد على غير هدى، والتأمل العميق في القرآن وسنة الرسول وال بيته والتاريخ الإسلامي في بناء الحضارة، والقيم الأخلاقية العظيمة التي أثرت في بقية الأمم، ومقارنة ذلك بالدمار الفكري والأخلاقي والقيمي الذي أوصلت الحضارة الغربية الإنسان المعاصر إليه..
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha