دراسات

الاحتلال الأمريكي للعراق..الأسباب، الغايات، والنتائج

2866 2022-03-21

فهد الجبوري ||

 

·        مدخل

يشكل الاحتلال الأمريكي للعراق في عام ٢٠٠٣ حدثا مهما وكبيرا ، ولعله بمثابة الحدث الأهم والأخطر في مطلع القرن الحادي والعشرين ، وقد مضى عليه أكثر من ١٨ عاما ومازال يحظى بالبحث والتمحيص والتحليل من قبل الباحثين والمؤرخين ، ومراكز الدراسات العربية والعالمية ، وذلك لأنه شكل نقطة تحول استراتيجي في الرؤية الأمريكية للعالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، ونهاية حقبة الحرب الباردة ، ويرى الكثير من الباحثين أنه دشن مرحلة جديدة في الاستراتيجية الأمريكية أبرز مصاديقها هو السيطرة على العالم ، وفرض سياسات الهيمنة على الدول والشعوب ، ونهب خيراتها لاسيما في منطقة الخليج والشرق الأوسط التي تزخر بالثروات الطبيعية وفي مقدمتها النفط والغاز .

ومن مبادئ هذه الاستراتيجية هي استخدام القوة وفرض العقوبات على الدول التي ترفض سياسات الهيمنة والتدخل الخارجي في شؤونها ، وقد ظهر ذلك جليا في التصريحات والمواقف لكبار المسؤولين في واشنطن ، وأصحاب الشأن ، ومراكز الدراسات ، وخاصة في مجال استخدام القوة المفرطة لتحقيق الأهداف ، بغض النظر عن الكوارث والأضرار المادية والبشرية الهائلة التي تسببها الحروب والعمليات العسكرية .

وقد جاء على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش نفسه ما يلي " إن الحرب هي الوسيلة التي تكتشف بها الأمم موارد قوتها الداخلية ، والبوتقة التي تتبلور فيها شخصيتها ، وتتجسد ارادتها ، ثم هي بعد ذلك أوثق رباط لوحدتها ، وأقوى حافظ لتماسكها " .

وهذا المنطق ليس غريبا على " الإمبراطورية الأمريكية " ، منطق استخدام القوة والتدخل العسكري ، فقد شاركت الولايات المتحدة خلال حقبة الحرب الباردة في ٧٠ نزاعا مسلحا ، وتدخلت بالعنف في الشؤون الداخلية لأكثر من ١٠٠ دولة .

ويذكر الكاتب المصري الشهير محمد حسنين هيكل في كتابه " الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق " الذي صدرت طبعته الأولى في عام ٢٠٠٣ ، ( لقد عبر منطق القوة الأمريكية عن نفسه بأصرح وأصدق ما يمكن بنظرية الدكتور هارلمان أولمان ، وهو أحد المستشاريين المسموعين في البيت الأبيض ، حيث كتب مذكرة بعنوان " الصدمة والرعب " ، وضعت أمام الرئيس الأمريكي ونشرتها الصحافة الأمريكية ومنها صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست ولوس أنجلس تايمز ، وفيها هذا النص : إن الولايات المتحدة عليها أن تستعمل أقوى شحنة من القوة المكثفة والمركزة والكاسحة ، بحيث تنهار أعصاب أي عدو يقف أمامها ، وتخور عزيمته قبل أن تنقض عليه الصواعق من أول ثانية في الحرب الى آخر ثانية ، ويتم تقطيع أوصاله وتكسير عظامه وتمزيق لحمه دون فرصة يستوعب فيها ما يجري عليه ) .

وقد تم تقديم هذه النظرية في تقرير الى جامعة الدفاع الوطني الأمريكية في العام ١٩٩٦ من قبل أولمان وجيمس ويد ، ووصف الباحثان النظرية بأنها محاولة لتطوير عقيدة عسكرية لأمريكا لفترة ما بعد الحرب الباردة ، وقالا " إن الهيمنه السريعة ، واستخدام الصدمة والرعب قد أصبحا تغييرا ثوريا ، في وقت يتقلص فيه الجيش الأمريكي من ناحية الحجم ، ويصبح لتكنولوجيا المعلومات دورا متزايدا في الحروب ".

وقد طبقت الولايات المتحدة هذه النظرية في حربها العدوانية على العراق ، وغزوها العسكري له في العام ٢٠٠٣ ، وهي الحرب التي لم يكن لها أي مبرر قانوني  وأخلاقي ، بل شنت بناءا على مزاعم باطلة وأكاذيب ، وهي الحرب التي ألحقت الدمار الشامل والهائل بدولة مستقلة ، وتسببت في مقتل وإصابة مئات الآلاف من العراقيين ، وتعريض شعب بكامله الى أكبر كارثة إنسانية عرفها التاريخ الحديث .

وفي هذه الدراسة ، سوف نحاول قدر المستطاع سبر أغوار هذه الحرب العدوانية ، وبيان اسبابها ودوافعها الحقيقية ، ونتائجها الكارثية على السلم والأمن في العراق وعموم المنطقة والعالم ، والجرائم والانتهاكات الخطيرة التي قامت بها قوات الاحتلال ضد بلد كان أحد المؤسسيين لمنظمة الأمم المتحدة ، وله تاريخ وعمق حضاري قل نظيره في العالم ، وتراث علمي وفكري ، ومكانه ساميه بين دول وشعوب العالم ، وذلك اعتمادا على المصادر الموثوقة والمعتبرة والدراسات القيمة التي تناولت هذه الحرب التي توصف بأنها جريمة وانتهاك صارخ للقانون الدولي ، والمواثيق الدولية والشرائع السماوية ، ومعاهدات حقوق الإنسان .

أسباب ودوافع الاحتلال

·        التحضيرات

لقد ساقت الإدارة الأمريكية حججا وتبريرات  واهية وغير واقعية وغير مستندة الى اي دليل صحيح لتبرير عدوانها وغزوها للعراق ، ولقد كان الطريق الى الحرب قد بدأ بعد أيام قليلة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ ، عندما قاد نائب الرئيس ديك تشيني مساعديه الى مقر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA في فرجينيا ، حيث أكد على ضرورة أن يتم التركيز على العراق والنظام الحاكم فيه بالرغم من قناعة موجودة لدى CIA بأنه لايوجد دليل على تورط عراقي في هجمات ١١ سبتمبر .

ويذكر الكاتب روبرت درابر في كتابه " لبدء الحرب : كيف ادخلت ادارة بوش امريكا الى العراق " ،كان بوش بحاجة الى القليل من الإقناع ، فقد أمر بخطط حرب العراق بعد شهرين فقط من هجمات سبتمبر ، وقد كان الإندفاع الى الحرب مدفوعا بالخوف ، وليس الذكاء الشديد ، وبالخيال وليس الحقائق " .

وقدمت ادارة بوش مجموعة من التبريرات لاقناع الشارع الأمريكي والرأي العام بشرعية شن الحرب ومنها استمرار حكومة صدام بتصنيع أسلحة الدمار الشامل ، ووجود علاقات بين نظام صدام وتنظيم القاعدة . وقد تبين كذب وبطلان هذه المزاعم بعد الغزو حيث لم يعثر على أسلحة دمار شامل ولم يتوفر دليل على علاقة النظام العراقي بتنظيم القاعدة .

وفي الرابع من سبتمبر ٢٠٠٢ ، قالت شبكة CBS الإخبارية الأمريكية أنها حصلت على وثائق تظهر أن قرار غزو العراق اتخذه وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بعد ساعة من وقوع هجمات سبتمبر في العام ٢٠٠١ .

وقالت الشبكة " إن الوثائق تفيد بأن رامسفيلد خاطب معاونيه العسكريين " فكروا فيما اذا كان مناسبا ضرب صدام في الوقت نفسه وليس فقط اسامه بن لادن ".

ولأجل فهم قرار الحرب على العراق ، لابد من الاطلاع على الوثائق التي صدرت خلال تلك الفترة ومنها الوثيقة الصادرة عن ادارة بوش والتي تحمل عنوان " استراتيجية الأمن القومي الأمريكي " وكذلك وثيقة إعادة بناء القوة الدفاعية الأمريكية .

إن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي كشفت عنها ادارة جورج بوش يوم ٢٠ سبتمبر ٢٠٠٢ تتمحور حول نظرية التحرك الاستباقي Preemptive Action ، وهي نظرية استراتيجية أمريكية جديدة ولدتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، ولتزيح نظرية الاحتواء والردع Containment & Deterence والتي سادت خلال حقبة الحرب الباردة ، وتعاملت بها امريكا مع النزاعات والأزمات الإقليمية مثل الحرب الكورية عام ١٩٥٣ ، وحرب فيتنام في السبعينيات ، واحتلال الكويت عام ١٩٩٠ ، وحرب كوسوفو عام ١٩٩٩ .

وتنص هذه النظرية على تحديد مكامن الخطر ودرئها قبل حدوثها ، أي إن ادارة بوش منحت لنفسها حق التدخل في أي مكان تشعر فيه أن مصالحها الاستراتيجية القومية ، أو أمنها الداخلي ، مهددة أو معرضة لخطر ما ، سواء كان التدخل في إطار الشرعية الدولية ، أو بشكل منفرد .

وفي ٢٦ يناير ١٩٩٨ ، وجه المحافظون الجدد رسالة عامة الى الرئيس الأمريكي بيل كلنتون " مشروع القرن الأمريكي الجديد " وقع عليها كل من ديك تشيني ، دان كويل ، دونالد رامسفيلد ، بول وولفيتز ، وبوش الأب ، جيب بوش وريتشارد بيرل .

ويتركز مبدأ بوش ومنطق المحافظين الجدد على " إن احتواء العدو كما كان في ظل السياسة الواقعية لدونالد ريغان لم ينجح ، وأنه يجب تدمير عدو الولايات المتحدة بشكل استباقي مثل الهجوم - باستخدام جميع الوسائل المتاحة للولايات المتحدة والموارد والتأثيرات للقيام بذلك ".

وقد لاحظ محللوا السياسه أن مذهب بوش كما ورد في وثيقة مجلس الأمن القومي  لعام ٢٠٠٢ كان له تشابه قوي مع التوصيات المقدمة في الأصل في مسودة توجيه الدفاع المثيرة للجدل والتي كتبها بول وولفتز خلال ادارة بوش الأب في عام ١٩٩٢ .

ـــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك