خالد جاسم الفرطوسي ||
غالباً ما يسأل الكثير من الأصدقاء والمعارف، السؤال التالي:
ما الذي يدفع إنسان ما إلى تقمص شخصية في مواقع التواصل الاجتماعي مناقضة لشخصيته الحقيقية في الواقع؟
كثيرة هي الكتابات التي تناولت موضوعنا المذكور، ويمكن إيجاز ما قرأته وما سمعته من هنا وهناك، بالشكل الآتي:
البعض لا يرى في هذا التناقض أي مشكلة، ويقول أن الإنسان يُعبر في مواقع التواصل الاجتماعي عن الشخصية التي يتمنى الوصول إليها، وليس بالضرورة الشخصية التي هو عليها بالفعل، أما البعض الآخر فيرفض هذا الطرح جملة وتفصيلاً، ويقول إن الإنسان يميل إلى تجميل نفسه في مواقع التواصل الاجتماعي فيعمل على مُداراة مساوئه، من خلال تقمص المثالية الزائدة.
أغلب الآراء ووفقاً لاستبيان في إحدى الجامعات اتضح فيها إلى أنه لا توجد مشكلة في التجمل بحد ذاته إن لم يصل إلى حد الكذب الصريح، وخلصت إلى أن الكل يكون على طبيعتهم في بيوتهم، لكن أمام الناس يتغير حالهم، ويتصرفون باتزان أكبر.
ما يمكن أن نخلص إليه في ذلك هو:
إن المشكلة تبدأ عندما نتجاوز التجّمل إلى الخداع، فنظهر للناس في الواقع الافتراضي بشخصيات منفصمة عن حقيقتنا، ونحجب قناعاتنا الحقيقية لنتجنب نقدهم، ونتبنى قناعات لا نؤمن بها لنكسب رضاهم، فيتحول حضورنا إلى حفلة تنكرية مخيفة، لا يعرف فيها أحدنا حقيقة الآخر.
لذلك ومن الحكمة وحسن الأخلاق أن نُجمل حضورنا في مواقع التواصل بقدر ما نستطيع دون أن نرتدي أي أقنعة مزيفة.
ولغرض أن نكون أحطنا بإجابات أكثر، نذكر لكم ما قامت به مجموعة غير المجموعة الأولى، بطرحها نفس السؤال المذكور على بعض الطلاب والأساتذة الجامعيين في استطلاع أجرته احدى الجامعات العراقية. يذكر المسؤول عن الاستبيان أنه تباينت آراء الطلاب حول هذا الموضوع وانقسمت آراء الشباب عن الشابات نوعاً ما، حيث قال أغلب الشباب أن معظم الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي تختلف شخصيتهم فيه عما هي عليه في الحقيقة وأنهم دائماً ما يدعون المثالية ويظهرون صفات هي غير موجودة فيهم أصلًا لتعويض نقص ما في شخصيتهم لا يستطيعون إظهاره في الحقيقة، وإن الشخصيات التي هي خلف الكواليس تفتقد لملامسة الاحاسيس والتعابير وقد تفقد المصداقية في بعض الأحيان.
كما جاءت آراء أخرى تقول بأن سبب أختلاف الشخصيات بين الواقع ومواقع التواصل هو عدم الثقة بالنفس وأيضًا من خلال زرع الأفكار الخاطئة في عقول الناس، نتيجة العولمة والتأثيرات الخارجية.
بينما جاءت آراء الطالبات إن نسبة قليلة من الذين يعرفونهم تختلف شخصياتهم عن الحقيقة وأنهم يتكلمون كما في طبيعتهم إلا بعض المنشورات أو الآراء التي يخجل البعض قولها في الحقيقة فيلجأ إلى مواقع التواصل للتحدث بها.
أما رأي الاساتذة الجامعيين جاء مختلف عن الإثنين حيث بينوا أن أختلاف الشخصية بين الحقيقة وبين مواقع التواصل هو أمر طبيعي جداً، فالتحدث مع الأشخاص في هذه المواقع يجعل المشاعر وتعابير الوجه ونبرة الصوت وردود الأفعال والاتصال وجه لوجه (لغة الجسد) فيترك تحليل الشخصية حسب المقابل، وإن الفرد يتكلم بحرية لأنه يكون متخلص من الرقابة الموجودة في الحقيقة ويعتبر هذا الشيء هو تطور طبيعي ويحدث مع أي إنسان، لكن يجب أن يكون تحسين للسلوكيات فكما تكون الأخلاق والانضباط في الحقيقة ينعكس في مواقع التواصل.
وبخصوص إن كانت مواقع التواصل الاجتماعي أثرت بحياتنا الحقيقية أم لا ؟ وكم نسبتها؟
كانت أغلب الإجابات: (نعم)، والنسب متقاربة وقالوا أنه أمر طبيعي بسبب كثرة استخدام هذه المواقع والتي تصل إلى عدة ساعات يومياً.
نستنتج من هذا الاستطلاع بأن كل شخصية هي معرضة لتأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي وقد تخلق شخصية جديدة تختلف عن واقعها.
الأمر المهم من كل ما تقدم، هو كيفية الربط بين الشخصيتين الواقعية والافتراضية؟
وهل الشخصية الافتراضية التي تكون خلف الكواليس هي تجسيد لشخصية مثالية داخل الإنسان يعبر عنها ويظهرها خلف الكواليس قد يكون خجلاً أو خوفاً من الواقع؟
قد يكون الربط بين الشخصيتين صعباً نوعاً ما نتيجة للظروف أو الضغوطات التي تمر بها شخصية الإنسان، ولكن أن كانت الشخصية الافتراضية هي تجسيد مثالي صحيح فيجب المحاولة حتى ولو بنسبة ضئيلة.