دراسات

 مطالعة عن مجمل التحولات العالمية


   محمد صادق الحسيني ||   هذه مطالعة  عن مجمل التحولات العالمية قدمتها في آخر عهد ترامب اعيد نشرها الان نظرا للاحداث العالمية الراهنة وتعميما للفائدة... (1) .. تداعيات الهزيمة على أبواب دمشق مركز ثقل العالم ينقلب الآن من الغرب إلى الشرق. التحوّلات الكبرى ستطال حتى حلفاء واشنطن. بعض هؤلاء بات صدرهم يضيق بالتبعية لها. دونالد ترامب أهان الأوروبيين كما أهان السعوديين عندما طالبهم بالأموال مقابل الحراسة التي يوفرها لهم. سوف تنكشف الولايات المتحدة الأميركية مالياً أمام العالم عندما تصبح على درجة كبيرة جداً من الضعف. حالياً هي مديونة بـ22 ترليون دولار ولا تستطيع أن تحمي شركاتها. تركتها الأخيرة وهاجرت إلى الصين التي ستصبح أغنى دولة في العالم. هذا في عصر ترامب الذي يطالب بعودة الجنود والرساميل الأميركية من الخارج إلى بلاده، لكنه يجد نفسه مقيّداً نسبياً بالتبعية للاقتصاد الصيني. "بويينغ" للطيران مؤشر إلى ذلك. اضطرت تلك الشركة العملاقة بدافع المصلحة والاستمرارية أن تلجأ إلى الصين، وتقيم هناك مصنعاً لمدة عشر سنوات، وتتقاسم معها أرباحاً يُتوقع أن تبلغ نحو ترليون و200 مليار دولار. ** الانكفاء عن شرق آسيا سياسياً معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية تتراجع. تلك المعادلة التي أفرزت هيئات واقعة تحت النفوذ الأميركي مثل هيئة الأمم ومجلس الأمن والبنك الدولي وصندوق النقد، أثبتت فشلها في حل كل أزمات العالم. عسكرياً، الوجود الأميركي في بحر الصين بات مطوقاً بجزر صينية. الدفاعات الجوية والصاروخية هناك تجعل من أي مناورة عسكرية أميركية بالقرب منها عملية شبه مستحيلة. بالتالي أميركا مشلولة تقريباً في تلك البقعة. بلد مكبل بترليونات الدولارات من الديون كيف يستطيع أن يخوض حروباً ويتقدم؟ بدلاً من ذلك يسعى إلى سحب جنوده ويلغي مناورات عسكرية مع كوريا الجنوبية ويحاول التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية. هو عملياً سلم المنطقة للمبادرة الاستراتيجية الصينية وبات شبه منسحب منها. وجوده العسكري هناك لم يعد فاعلاً بسبب دفاعات الصين وجزرها المستحكمة عسكرياً. القوي ليس من يمتلك أسلحة متفوقة فقط، بل من يستطيع أن يفعّل استخدامها. باتت الصين تزاحم أميركا في مناطق أخرى خارج آسيا، وتشارك قوى صاعدة في إخراجها من كونها لاعباً وحيداً في العالم. انطلاقاً من قاعدتها العسكرية في جيبوتي لديها نحو 10 آلاف جندي يحرسون نحو 300 مليار دولار، استثمارات صينية في أفريقيا. ** وجه الشرق الأوسط يتغيّر من الآن وصاعداً سيصبح أمن إسرائيل عبءاً على الولايات المتحدة الأميركية. عندما تسلم تل أبيب إدارة ميناء حيفا للصينيين بدءاً من العام 2022 ولفترة 10 سنوات فهذا يعبّر عن تراجع القوة الأميركية. ثلثا القوة الجوية والبحرية الأميركية في حالة شلل اليوم. نحو 733 مليار دولار من ميزانية أميركا مخصصة للبنتاغون والأخير يعتبر أنها لا تكفيه في أي ظرف استثنائي. استراتيجية الصين مختلفة عن تلك الأميركية. هي تسعى للوصول إلى كل نقاط العالم والسيطرة عليها بالاقتصاد. الأميركي ينكفئ عالمياً وسوف ينسحب عاجلا او آجلاً من منطقتنا. لن يحصل ذلك بين ليلة وضحاها. لكن أفول النجم الأميركي يتسارع في مسار هادئ. أحد أهم المؤشرات على ذلك هو انبعاث ترامب من باطن الدولة مع شعار "أميركا أولاً" والمطالبة بعودة الرساميل الأميركية من الخارج كما الجنود المنتشرين في مئات القواعد العسكرية حول العالم (حوالي الف قاعده). لنسجّل نقطة هامة هنا قبل الاستفاضة. أميركا باعتبارها قوة استعمارية امبراطورية لم تخرج نهائياً من الملعب. هي أصيبت في الصميم بجرح عميق وتنزف وتقاتل قتالاً تراجعياً. في منطقتنا خسارتها أساسية. هي على وشك الخروج من سوريا والعراق وأفغانستان. بريطانيا سترث الوجود الأميركي في الخليج . إرهاصات ذلك بدأت تظهر في قطر والكويت وعمان من خلال قواعد عسكرية وعلاقات اقتصادية متقدمة. الصراع القائم داخل السعودية لإزالة محمد بن سلمان وإحلال أحمد بن عبدالعزيز بدلاً منه له بعدٌ صراعي بريطاني أميركي. الحكومة البريطانية نظمت مؤتمراً للمعارضة السعودية في لندن بحمايتها. هي من أعاد أحمد بن عبدالعزيز إلى السعودية بعدما كان ممنوعاً من دخول المملكة على خلفية تصريحه المعارض للحرب على اليمن. الآن كل "أمراء الريتز" يلتفون حوله رغم جبروت محمد بن سلمان. لم تعد أميركا قادرة على فرض إرادتها أينما كان. هي تتراجع أمام الإرادة الإيرانية، في البحار، وأمام حركات المقاومة في البر. نذكر في العراق أنها حاولت أن تفرض حيدر العبادي رئيساً للوزراء ولم تستطع. الرجل أعلن بنفسه أن إيران حرمته من ولاية ثانية بخلاف رغبة  السفارة الأميركية ومبعوث ترامب. لم تتمكن واشنطن من قطع طريق طهران بغداد دمشق بيروت والسيطرة عليه عسكرياً. جلّ ما تقدر عليه هو تحريك أدواتها الصغيرة في المنطقة لإيذاء محور المقاومة وهذا دليل ضعف. في أفغانستان قوة الإيرانيين ونفوذههم السياسي والأمني والمعنوي أقوى بكثير من الوجود الأميركي المباشر. ** سوريا.. فصل جديد ستشهد سوريا هذا العام وضع اللمسات الأخيرة على فشل المشروع الأميركي الكبير بملحقاته الإقليمية. ستتجلى صورة سوريا المنتصرة بقوة حلفائها الإقليميين وفي مقدمتهم إيران وحزب الله، والدوليين وعلى رأسهم الاتحاد الروسي. ستتحوّل الموازين العالمية كلها بناء على هذا الانتصار الاستراتيجي الكبير تماماً كما حصل في نهاية الحرب العالمية الثانية عندما هُزمت النازية والفاشية. هذا الأمر يرتب على المحور المهزوم والقوى الملتحقة به أن تدفع الفواتير السياسية والاقتصادية للمنتصر. أليس في الأمر مبالغة؟ لمن يسأل إذا كانت أميركا تقبل بالخروج مهزومة من سوريا رغم قوتها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، الجواب هو نعم. تماماً كما حصل في العراق عندما انسحبت تحت ضربات المقاومة. كما بات معلوماً فإن الدولة العميقة في أميركا ألحّت على ترامب بتمديد وجودها العسكري في سوريا، وذلك خوفاً من طغيان حلف المقاومة وصديقه الأساسي روسيا. السؤال هو كيف سيخرجون ببعض ماء الوجه من خلال جوائز ترضية تعطى لبعض الشركات العالمية. هناك ثروة كامنة في البحر المتوسط ومصادر طاقة ستكون موضع نقاش واسع وصراع عميق بعد انتهاء الحرب. ** ارتدادات الهزيمة ارتدادات الهزيمة الاستراتيجية في سوريا انعكست على مناوئيها صراعات بينية. كل ذلك بموازة التحوّلات في النظام العالمي مع وجود لاعبين كبيرين كروسيا والصين. هناك اتجاه في الولايات المتحدة لتفكيك الاتحاد الأوروبي. كبير مستشاري ترامب السابق ومدير حملته الانتخابية ستيف بانون يقيم حالياً في بروكسل. من مكتبه الجديد هناك يسعى إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي، كما أشارت صحيفة بيلد الألمانية، ويحاول السيطرة على البرلمان الأوروبي. شجعت إدارة ترامب سابقاً خروج بريطانيا من الاتحاد وهي تنظر بعين الرضا إلى تولي الشعبويين السلطة في إيطاليا وربما لاحقاً في البرتغال وفنلندا. لم تجاري أوروبا واشنطن في كل رغباتها. لم تفعل ذلك في نقض الاتفاق النووي مع إيران ولا في محاولة زرع شوكة في الخاصرة الروسية عبر أوكرانيا. لم يتمكن الأميركيون من توريط أوروبا في الحرب الدائرة هناك. لم ينالوا حتى الآن من ألمانيا كقوة اقتصادية وأمنية لديها إمكانية الحفاظ على نواة أوروبية مستقلة كما بدأ يحلم الأوروبيون. رفضت ألمانيا توريطها في أوكرانيا وبقيت متمسكة بالتعاون مع روسيا. هناك اعتقاد في برلين بأن العلاقة المستقرة مع روسيا وكل دول أوراسيا هي لصالح مستقبل أوروبا. هذه المواقف تساهم في تفكيك الاتحاد الأوروبي والناتو أيضاً بسبب الضغوط والتناقضات الناتجة عنها. لكن مهلاً. الحديث عن محور روسي ألماني وعن مصلحة أوراسية يشترك فيها كلا البلدين، تناقضها المواقف التي صدرت سابقاً عن برلين وبروكسل. هذه المواقف ما زالت تعكس تبعية للولايات المتحدة. كيف نفسر ذلك؟ بقايا العصر القديم ما زال موجوداً. نحن نشهد اليوم بداية عصر جديد لن يعود الدولار فيه حاكماً على سبيل المثال في التعاملات بين روسيا والصين وتركيا وإيران والهند. ستتعامل هذه الدول  بالعملات المحلية أو عبر تبادل البضائع الاستراتيجية. هذه الآلية سيبدأ تنفيذها هذا العام. الأوروبيون وضعوا من جهتهم نظاماً مصرفياً جديداً يشبه نظام "سويفت" خارج عملة الدولار. ** تركيا على ضوء المتغيرات خرجت تركيا مشتتة من نتائج الحرب العالمية على سوريا. إلا أنها بعكس دول خاسرة في المنطقة مثل إسرائيل وبعض دول الخليج تبدو حاجة ورقماً صعباً. تظهر موسكو كأنها تسعى إلى استمالتها. بين أنقرة وطهران ربط نزاع تاريخي عمره مئات السنين رغم تضارب المصالح في أحيان كثيرة. هل تخرج هي الأخرى من سوريا خالية الوفاض؟ الأكيد أن أردوغان خرج مهزوماً من سوريا. لكن بسبب هذه الهزيمة أجرى الداخل التركي مراجعة وأخذ العبرة. الدولة التركية العريقة أقوى من حزب العدالة والتنمية رغم أهمية اللعبة الديمقراطية في صناديق الاقتراع. تركيا بالنهاية دولة تاريخية وازنة سيختلف التعامل معها عن سائر الدول التي ساهمت في الحرب على سوريا مثل الأردن والسعودية وقطر. موقعها الجيوستراتيجي هام جداً. هي حارس مرمى الناتو الجنوبي، وتشكل الحد الفاصل بين المنطقة العربية وإيران وبين أوروبا. ستظل تركيا جزءاً من الناتو لكن لن يمنحها الأخير جائزة الانتماء للاتحاد الاروبي لأنها دولة مسلمة. في إطار الصراع بين العالم الغربي من جهة، والعالم الشرقي بقيادة روسيا سياسياً والصين اقتصادياً، هذا سيعطيها دوراً كبيراً سياسياً وأمنياً واقتصادياً. طريق الحرير الذي تبني عليه الصين طموحات كبيرة، إضافة إلى عوامل أخرى، سمحت لأردوغان بأن يلعب دور بيضة القبان في موضوع بناء العملية السياسية المستقبلية في سوريا كدور إقليمي خارجي يوازي الدور الإيراني، وذلك بالاعتماد على تفاهم تركي روسي يشمل ميادين عديدة من جملتها الميادين الاقتصادية. قضايا كثيرة تم التوافق عليها بين أنقرة وموسكو. مشروع "نورث ستريم" الذي باشروا العمل عليه في قاع البحر الأسود، وتزويد تركيا بمنظومة اس 400 من أهمها. الاتفاقات التي يمكن أن تحصل عليها لاحقاً ستعزز موقع تركيا عند الغرب وعند الشرق. بالتالي ستخرج تركيا دولة جديدة وازنة ليس في الإقليم فحسب وإنما في المجتمع الدولي. بمعزل عن سياسات حزب العدالة والتنمية بشخص أردوغان، فإن الوزن التركي يأخذ مكانه بسبب إعادة بناء جغرافية العالم وإعادة كتابة التاريخ الذي يجري في هذه الحقبة. (2) وجه الشرق الأوسط يتغيّر.. أميركا تنسحب الأميركي ينسحب من المنطقة، آجلاً من كل المنطقة. الإسرائيلي في حالة دفاعية. الصراعات البينية داخل المحور الأميركي باتت تتجلى في أكثر من مكان. هذا الصراع الداخلي هو من تداعيات الإخفاق الاستراتيجي الكبير على بوابات الشام الذي يشبه هزيمة المحور النازي على أبواب ستالينغراد. ليس في الأمر مبالغة. هم لم ينهاروا تماماً وما زالوا أقوياء عسكرياً لكنهم يقاتلون قتالاً تقهقرياً. للمرة الأولى في تاريخ الصراع مع إسرائيل يصبح "جيش الدفاع الإسرائيلي"، كما يطلقون عليه، اسماً على مسمى. لم يعد يستطيع أن يخطط لهجوم، لحرب خاطفة وسهلة وقليلة التكاليف، ويخرج منها منتصراً. الأميركي نفسه الذي يوظّف إسرائيل كقاعدة عسكرية له بات عاجزاً عن خوض الحروب.  ** ما الذي يحصل؟ العالم يتغير. ثمة قطب يأفل ببطء وآخر يتقدم مقابله. المعسكر الأمبريالي الأميركي الصهيوني يتراجع. محاولاته في الهيمنة على مقدرات المنطقة وضرب حركات الاستقلال والصعود فشلت. رهاناته على تحويل منطقتنا إلى ساحة حرب عالمية تمخّضت عن واقع جديد مغاير لمخططاته. تقدّم محور المقاومة. بات يمتلك زمام المبادرة الاستراتيجية. انتقل من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم. بات الإيراني في الجولان. يرصد تحركات العدو الصهيوني عبر منظار. كان يجابه في السابق من طهران. هذا التحوّل يجعل من إيران دولة مواجهة تقاتل في عمق يمتد لنحو 2000 كيلومتر. بالمقابل يقاتل الإسرائيلي وعمقه 12 كيلومتراً فقط تمتد من الحدود الأردنية إلى البحر المتوسط. هو في الشمال مهدد من حزب الله وفي الجنوب أخرجته جبهة غزة، وسوف تخرجه الضفة الغربية من قلب فلسطين المحتلة في ما لو تطورت الأحداث مستقبلاً إلى عمليات قتالية. يكتسب هذا التحول أهميته من كون إيران جزءاً من الحرب ضد الولايات المتحدة في البحار الأساسية في المنطقة. هذا يجعلها جزءاً من إعادة صياغة العالم انطلاقاً من الجغرافيا الجديدة والتاريخ الجديد الذي سيكتب عندما تنتهي الحرب على سوريا قريباً. ستسجل إيران لاعباً أساسياً في عالم متعدد الأقطاب تكون فيه الصين الدولة الأغنى في العالم، وروسيا الدولة الأقوى بإرادة الحرب والسلم، بينما إسرائيل القاعدة العسكرية المتقدمة للولايات المتحدة لا تجرؤ على كسر القواعد. لنراقب خطاب العدو الآن. هو يشتكي من أن المقاومة تخترق السيادة الإسرائيلية. دعاية الأنفاق و"درع شمالي" أحد الأمثلة على ذلك. يحذّر من أن حزب الله يحضّر للسيطرة على الجليل. يعلن أن إيران وحزب الله يحاولان التقدم باتجاه الجولان المحتل. جميع مناوراته دفاعية. أصبح همّه الاستراتيجي إخراج إيران وحزب الله من سوريا بعدما كان يطالب سابقاً بإسقاطهما. على صعيد المعادلة الدولية ما الذي حصل؟ هناك مثل إيراني يقول "عندما تصطدم محاريثهم في الصخور تتناطح أبقارهم بالقرون". اشتدّ الصراع القطري السعودي على السيطرة. ثمة خلاف حول من يسيطر على بقايا الإرهاب العالمي الذي كانوا يقودونه ضد دول أو مجموعات ثورية في العالم. هناك انقسام أوروبي أميركي أحد جوانبه اقتصادي، وفي جوانب أخرى تباين في دفة السياسة الدولية. الاتحاد الأوروبي نفسه بات موضع تساؤل. ** يحدث للمرة الأولى منذ داريوس الثالث على مدى 40 عاماً تكثفت مواجهات الجمهورية الإسلامية وقدراتها ومشروعها، وتجسدّت في النصر المحقق في سوريا. هذا الانتصار يعدّ خلاصة إرادة المواجهة في إيران مع ما تسميه بالاستكبار العالمي.  بعد أكثر من سبع سنوات خرجت إيران من الحرب على سوريا رابحاً أساسياً وقوياً. استطاعت أن تسهم بفعالية في منع انتقال سوريا من معسكر الصديق والأخ الشقيق للقضية الفلسطينية إلى معسكر العدو. هذا الأمر له تداعيات كبيرة جداً. هو يعني أن طهران تحوّلت إلى دولة مواجهة وأصبحت جزءاً من دول الطوق. القوات الإيرانية بأشكالها المختلفة باتت عملياً تتمتع بموقع استراتيجي قوي وهام شرق البحر الأبيض المتوسط. هذا يحدث للمرة الأولى منذ داريوس الثالث خلال حقبة الصراع بين مملكة الفرس آنذاك والاسكندر المقدوني. هذا التحول الجيواستراتيجي والتاريخي سيجعل طهران قطباً أساسياً في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب على حساب الأحادية الاميركية التي هُزمت من البوابة السورية. استطاعت إيران في هذه الأثناء أن تحدّ من حرية الحركة الأميركية في البحار الثلاثة: البحر الأحمر وبحر العرب والخليج. السدود النارية التي وضعتها صدّت أميركا من دون أن تشتبك معها بشكل مباشر، ومنعتها من الهيمنة على المياه كلاعب أوحد من دون منازع. لكنّ الأهم من ذلك أنها منعتها طوال 40 عاماً من أن تدخل أراضيها أو مياهها الإقليمية. لم تسمح لها بالتأثير في قراراتها السياسية والأمنية، ولا في قرارتها الاقتصادية والاجتماعية رغم الضغط الهائل في هذين الجانبين. أكثر من ذلك ظهرت قوات المارينز عام 2016 مذلولة في قبضة الحرس الثوري الإيراني، ولم يستطع الأميركي أن ينقذ ضباطه من هذا المشهد التراجيدي. ** العقل الإيراني العميق يتجه شرقاً العقل الإيراني العميق يتجه بقوة ناحية الشرق. سياسياً وعسكرياً باتجاه روسيا، واقتصادياً وتجارياً ناحية الصين. أي تحالف جدي اقتصادي عميق بين طهران وبكين هو الضمان لمشروع طريق الحرير. مبادرة "الحزام والطريق" الصينية تبدأ من شنغهاي وتنتهي في المياه الدافئة مروراً عبر أوراسيا، القوقاز، آسيا المركزية، وإيران. طهران نقطة تقاطع التاريخ والجغرافيا على صعيد البحار وطرق التجارة البرية. سيحيي المشروع الصيني موانئ كثيرة من جملتها ميناء جابهار في أفغانستان. سيصبح لميناء اللاذقية دور كبير على صعيد المنطقة.  هذه المشاريع العملاقة تعتمد على إيرادات سياسية أصبحت دول حلف المقاومة المناهضة للأحادية الأميركية تلعب دوراً أساسياً في صياغتها. ربطاً بهذه المشاريع سيكون لإيران دور هام. الصين موجودة حالياً في كل شبر من الجغرافيا الإيرانية. كل ما تخلى عنه الأوروبيون خوفاً من العقوبات الأميركية حلّ مكانه بديل صيني ناجح له علاقات قوية، ليس فقط مع الحكومات الإيرانية التي تتبدل عادة، بل مع الدولة العميقة في الجمهورية الإسلامية. ** أنظمة تغرق في سياق المواجهة الأميركية مع إيران، شهد العام الماضي عدد من العمليات والأحداث الأمنية التي حاولت اختراق المناعة الإيرانية ويقال انها نجحت في اماكن. بحسب ما عبّرت عنه مواقع مناوئة للنظام الإيراني دلّت هذه العمليات على ضعف السلطة من جهة والقدرة على مشاغلتها أمنياً من ناحية أخرى. لكن من ناحية واقعية أثبتت هذه الأحداث مدى قوة إيران. المجموعات التي استهدفتها هي  مجرد أدوات صغيرة لدى أميركا بنظر الدولة الايرانية.  أما العمليات فلم تحقق أي أمر سوى قتل مواطنين وجنود كما حصل خلال الاحتفال العسكري في الأهواز أو استهداف حرس الحدود، لكن لم تمس العمليات أي مؤسسة حيوية. حتى عندما اقتحمت داعش البرلمان ومرقد الإمام الخميني لم تحقق شيئاً وأبيدت خلال المحاولة، في حين استطاع الإيراني أن يخرج خارج الحدود ويحقق إصابات صاروخية مباشرة في صفوف هذه المجموعات. رسالته وصلت. في حالة الدفاع عندما تمنع العدو من تحقيق أي هدف من أهدافه الأساسية فأنت المنتصر، فهل سقط النظام؟ هل حصل خلل أمني كبير؟ هل ضربت العملية الاقتصادية أو تم شل الموانئ والمطارات؟ على العكس النظام بات أقوى. على صعيد العقوبات الاقتصادية، هي فشلت في مهدها. زعموا أن كل صادرات النفط سيتم تصفيرها ابتداء من تشرين الثاني نوفمبر 2018. لم يتحقق ذلك وتم توقيع اتفاقيات تصدير جديدة. الأوروبيون الذين عوّل عليهم الأميركي في الحصار باعتبارهم حليفاً له في الناتو، خرجوا يبحثون عن آلية تتجاوز إطار التداول بالدولار الذي يسيطر على الاقتصاد العالمي. حتى عندما شغلهم في مهمة محاولة فرض التفاوض مع الايرانيين على ملفات اخرى مثل المنظومة الصاروخية ودعم حركات التحرر وفي مقدمتها حزب الله وفلسطين وملف حقوق الانسان  كملحق اضافي للموضوع النووي فشل الامريكي في ذلك ايضا نتيجة تمنع الدولة الايرانية وتفلتها بنجاح من افخاخ الوقوع في مخطط التسويات السياسية الاوسع او الكبرى ...!   الميزان التجاري الإيراني ازداد بين 13 و15 في المئة عن العام الماضي. بالنتيجة فشل مشروع العقوبات بتأثيراته المستهدفة كما فشل مشروع "الناتو العربي".  تحوّل الأخير إلى اجتماع فقير وبائس بقيادة إسرائيلية من إحدى قواعد تل أبيب في أريتيريا. أبدلوا اسمه من "الناتو" إلى "الدول المطلة على البحر الأحمر" بعدما فشلوا في ضم المغرب والأردن والدول العربية مجتمعة إلى جانبهم ضد إيران. أما صفقة القرن فأظهرت هشاشة نتنياهو. بات الأخير يستعين فيها ويطلب من محمد بن سلمان اجتماع قمة برعاية ترامب لإنقاذ نفسه. يحاول الاستعانة ببعض حكام الخليج ليبقى في السلطة خارج القضبان. يكفي أن نقرأ لبعض الكتاب الإسرائيليين وفي مقدمتهم آري شافيط حتى نختصر الواقع الإسرائيلي. يقول إن إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة. يجب أن نذهب إلى سان فرانسيسكو وبرلين، والقول له، ومن هناك ننظر إلى حلمنا الذي يتهاوى. لكن ألا يعد إنجازاً يحسب لإسرائيل أن تجاهر دول عربية وإسلامية بمواقف غير مسبوقة لصالح المشروع الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية؟ وأن تمضي في تطبيع العلاقات معها؟ يصح ذلك لو كانت الدول المقصودة قوية وفاعلة في المشهدين الإقليمي والدولي. لكن هذه الأنظمة تغرق الآن. محمد بن سلمان سيخرج من معادلة الحكم حتى عند أصدقائه التاريخيين. هو مدان في الكونغرس الأميركي ووضعه ليس أفضل حالاً من وضع نتنياهو. لن يستطيع أن يحمي عرش والده كما يريد ولن يصبح هو ملكا  بالحد الأدنى. مؤتمر المعارضة السعودية الذي نُظم أخيراً في لندن يشبه الظروف التي أحاطت بالمعارضة العراقية قبل سقوط صدام حسين. قرار الدولة العميقة في واشنطن إضافة إلى الحكومة البريطانية بدعم أحمد بن عبدالعزيز يعبّر عن مشروع بديل للفرع السلماني داخل الأسرة السعودية، وربما يترجم هذا الحراك في وقت قريب. ** السعودية إلى أين؟ طرح مقال للصحافي السعودي تركي الدخيل المقرب من ولي العهد في صحيفة الشرق الأوسط أسئلة تتعلق بواقع السعودية، بعلاقتها مع كل من واشنطن وإيران، كما بمناعتها وقوتها واستقلالها عن القرار الأميركي. في المقال المذكور الذي تخلّل الأزمة الناجمة عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي، طرح الدخيل مجموعة من الإجراءات التي يمكن للسعودية أن تتبناها ضد واشنطن وعدها مراقبون بمثابة تهديد. هل تملك السعودية فعلاً هذه الأوراق القوية التي لوّحت بها ومن ضمنها سحب استثماراتها من أميركا والتلاعب بأسعار النفط وتبديل تحالفاتها؟ صراعها مع إيران من هذا المنطلق هل هو صراع جيوسياسي تفرضه قوانين السياسة والجغرافيا أم أن الرياض مجرد تابع لواشنطن تتذرع بالخطر الإيراني كذريعة للتغطية على استتباعها للإرادة الأميركية؟ باختصار شديد المملكة تحكم منذ مدة من السفارة الأميركية في الرياض والنظام الأمني المحيط بشركة "بلاك ووتر" بهدف إبقاء محمد بن سلمان ولياً للعهد وسلمان حاكماً. عندما سيتم الضغط على ترامب بحيث يشعر أن صهره كوشنير مهدد وأنه يمكن أن يغرق معه سيتخلى عن العهد السلماني وسيتجه إلى سعودية من نوع جديد.  بالتالي هذه الأوراق لا تملكها السعودية مطلقاً، وإرادة التحول من المعسكر الأميركي إلى المعسكر الروسي أو حلف المقاومة تساوي صفراً. لو كان صحيحاً أنها دولة تتمتع بسيادة لكانت لبّت نداء متكرراً من الايرانيين للحوار، لكنها لا تستطيع أن تحاور إيران بإرادة أميركية. ماذا عن اليمن؟ ألم تشكل تهديداً للسعودية بدعم إيراني؟ هم يعرفون أن لا وجود للإيرانيين هناك، ولأنهم يعرفون فهم يكذبون. هم أرادوا التخلص من اليمن والهيمنة على منطقة الخليج كلها لصالح الفكر السلماني الجديد. فشل هذا المشروع أدى للخروج من نفق السلمانية إلى واحة جديدة لكل المنطقة خالية من الاستعمار الأميركي المباشر. من يدعونهم انقلابيين أصبحوا الآن نتيجة صمودهم الاسطوري قوة شرعية معترف بها دولياً وشريكاً أساسياً في أي مستقبل. لم يعد الأميركي سيّد قرار الحرب هناك. اتخذت الدولة العميقة في واشنطن قراراً بإنهائها لا لدواعي إنسانية إنما بسبب كلفتها المرتفعة. سيكون لهذا الأمر تبعات خطيرة على المشروع الأميركي في المنطقة. من تداعيات هذا الإخفاق أن كل محاولات جعل الإسرائيلي سيّداً على البحر الأحمر باءت بالفشل. الأميركي من ناحيته لم يعد لاعباً سهل الحركة ولم يعد بإمكانه أن يسيطر بقوته العسكرية ويفرض إرادته السياسية.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك