دراسات

الاختلاف في فهم الثوابت الإسلامية

2984 2022-03-03

د. علي المؤمن ||

 

    تتمثل ملاكات الأصالة في التجديد ومعاييره ومقاييسه؛ في التمسك بالثوابت والقواعد  المستخلصة منها والادوات التي لاتتعارض معها، ثم التزام النتائج بها؛ لاقتران التجديد بالأصالة وكونه محكوماً بالثوابت. فمثلاً نظام الحدود والقصاص، والنظام المالي، وأنظمة الأحوال الشخصية عموماً، كالإرث والزواج وغيرهما، لا يمكن تغيير مقاييسها وأسسها المنصوصة في الثوابت، ولا يمكن الاجتهاد لتغييرها. فكل تغيير أو تجديد أو اجتهاد يتطاول على كتاب الله (تعالى) والسنة الشريفة، فهو يتجاوز الدائرة الإسلامية، دون أن يؤثر في ذلك زمان ومكان؛ لأن الأصول لا تخضع لعاملي الزمان والمكان. كما أن أي اختلاف في هذا المجال يعرض على الكتاب والسنة، لتحديد مواطن الخطأ والصواب، والأصالة والانحراف في النتائج، سواء أكانت نظريات في الفكر والثقافة أم أحكاماً في الفقه.

    والقضية التي لا جدال فيها، هو كون القرآن الكريم والسنّة الشريفة ملزمين بالمطلق؛ لأنها الأصلان الثابتان المقدسان والملزمان بالمطلق، ولكن الاختلاف ينشأ حول فهم ذينك الأصلين المقدسين، وهو ما يتلخص فيما نسميه بـ«الفكر الإسلامي».

   قد يقال إن الفكر الإسلامي نتاج بشري يستند إلى النص الإلهي، وبالتالي يكون فيه جانب ملزم (مقدس) وجانب غير ملزم (غير مقدس). وهذا الرأي يتوسط الرأيين الآخرين اللذين يقول أحدهما بأن الفكر الإسلامي نتاج بشري محض، ليس فيه أي جانب إلزامي، والرأي الآخر القائل بأن الفكر الإسلامي محاط بالقدسية، وهو ملزم. وحقيقة الأمر، أن حدود الإلزام تتمثل في حدود العلاقة بين الإلهي والبشري في الفكر الإسلامي. فحين نتحدث عن الفكر الإسلامي، فلا نقصد به التراث وحسب، بل إنه يشتمل على النتاجات الإسلامية المعاصرة أيضاً، والتي تحظى بالشروط المطلوبة لصفة «الفكر الإسلامي». وهذا التحديد له أهمية خاصة؛ لعلاقته بموضوع إلزام المكلّف بالأحكام الفقهية. فالفكر الإسلامي ينقسم إلى مجالين رئيسيين، أحدهما المجال العقائدي، ويدرسه علم الكلام، والآخر المجال الفقهي، وفيه ترتبط القضية ارتباطاً وثيقاً بموضوع «التقليد»، أي تقليد المكلّف للمجتهد في المسائل الفرعية. فكل مكلّف ملزَم بالتقليد (حسب الأدلة التي تطرحها المدارس الفقهية الإسلامية)، والإلزام بالتقليد يتبعه التزام بالفتاوى التي يصدرها ويتبنّاها مرجع التقليد. وهذا النوع الأول من الإلزام. بينما نجد أن المكلّف غير ملزم بفتاوى المجتهدين الآخرين الذين سبقوه أو المعاصرين (عدا الأحكام الولائية).

    وهناك اختلاف بين المدارس الفقهية حول حدود الالتزام بمنهج الاستنباط والقواعد لمؤسس المدرسة الفقهية. وهذه القضية عند الإمامية محلولة. حيث إنهم يلتزمون - بشكل مطلق - بالقواعد التي نصّ عليها أهل البيت(ع). وتلك هي أنواع من الإلزام وعدم الإلزام، وهنا تضع معظم المدارس الفقهية الإسلامية الأحكام التي أجمع عليها مجتهدو المدرسة، في إطار أصل «الاجماع» باعتباره كاشفاً عن السنة الشريفة؛ على أنها أحكام ملزمة - أيضاً - للمجتهد وللمكلّف.

    أما المجال العقائدي أو موضوعات علم الكلام، فلا فرق فيه بين التراث أو الأفكار المعاصرة، لحرمة التقليد في هذا المجال، والموضوعات العقائدية التي فيها نص مقدس ملزمة للجميع، أما الناتجة عن حركة العقل البشري، والتي تتمتع بالأصالة، ففيها كلام كثير بين أصحاب الاختصاص. يقول مفكر إسلامي: «إن كل ما جاءنا من تراث فقهي وكلامي وفلسفي هو نتاج المجتهدين والفقهاء والفلاسفة والمفكرين، من خلال معطياتهم الفكرية، ولا يمثل الحقيقة إلا بمقدار ما نقتنع به من تجسيده للحقيقة. وبهذا، فإننا نعتبر أن كل الفكر الإسلامي، ما عدا الحقائق الإسلامية البديهية، ليس فكراً إلهياً؛ بل هو فكر بشري يخطئ فيه البشر في ما يفهمونه من كلام الله وكلام رسول الله(ص)».

    ويجب هنا الأخذ بنظر الاعتبار أن عدم الإلزام بالتراث الفكري الإسلامي لا يتناقض مع الاعتزاز به واحترامه وإكبار أصحابه وإجلالهم، بل ولا يتناقض مع مبدإ الاستفادة منه إلى أقصى درجات الاستفادة، بما يلبّي حاجة العصر ومصلحة الشريعة، فذلك التراث هو الخزين والأرضية والمنطلق لصياغة الفكر الإسلامي المعاصر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك