دراسات

الإمام موسی بن جعفر (ع) والرسالة الناجحة

3048 2022-02-26

د.أمل الأسدي ||   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علی سيد المرسلين مولانا أبي القاسم محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين ... وبعد... إن  أهل البيت  امتداد رسالي لجدهم المصطفی (صلوات الله عليه وعليهم)، فكما كان رسول الله حاملا لرسالة إنسانيةٍ، موجَّهةٍ  إلی البشريةِ كلّها، كذا كان الأئمة من أهلِ بيته، فالإمام عليّ (عليه السلام) كان أنموذجا فذا ومنهاجا معصوما في ميدان الإنسانية ، فقد أنسن كل شيءٍ، وحوّل الحكمَ والسلطةَ إلی أداةٍ ووسيلةٍ تبني الإنسانَ وتُشعره بقيمته التي أرادها اللهُ  له. وهكذا لو تتبعنا أدوارَ أئمة أهل البيت من  الإمام الحسن المجتبی فالحسينِ الشهيد بكربلاء، فعليِّ( زين العابدين) ثم محمد الباقر ومن بعدهِ الصادق، وصولا الی صاحب الذكری، الذي جمعنا اليوم وهو الإمام موسی بن جعفر الكاظم( عليه السلام)،فحين نقولُ أن الأئمةَ أصحابُ رسالةٍ، فهذا يعني أن هناك عمليةً تواصليةً قائمةً بأركانها وأعمدتِها، فهناك المرسِل والمرسَل إليه، والرسالة، مع اختلاف قنوات التواصل وأدواتها من عصر الی عصر. وبناءً علی مقولة العنوان التي قدمناها وهي " الإمام موسی بن جعفر والرسالة الإعلامية الناجحة" سنتناول  ثلاثة محاور: ١-  عالمية الرسالة: ٢- إنسانية الرسالة: ٣- استمرارية  الرسالة ⭕️ عالمية الرسالة: إن الإمام موسی بن جعفر وآباءه  ينطلقون من منطلق قرآني ثابتٍ متجسد بقوله تعالی(( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) سورة سبأ، الآية ٢٨ وكذلك قوله تعالی:((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)) سورة الأنبياء،الآية ١٠٧ وقد قدم لنا رسول الله الأعظم حديثا ينبِّهنا إلی أن نطاقَ عملِ أهلِ البيتِ هو نطاق عمله عينه إذ قال :((كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)) سنن النسائي،الحديث ٨١٤٨ وعليه كان تواصلُ الإمام  مع الجميع، فدوره ليس مختصا بفئة من دون فئة، هذا ونحن نتحدث عن زمن كان فيه نطاق الدولة واسعا يمتد من بغداد الی الصين، فعلی الرغم من التضييق والملاحقة والسجن لم ينعزل الإمام ولم يترك وظيفته الرسالية. وإدارك السلطات لهذا الأمر جعل من وجود الإمام مهدِّدا لهم رغم  ابتعاده عن العمل السياسي- إن صح التعبير- فهو ملاحَقٌ في الأحوال كلِّها!! فقطبية  وجود الإمام وتمركزه بين المسلمين كافة،ومكانته العلمية الربانية جعلت منزله مختَلَفا للقاصدين والباحثين  من شتی البقاع، وعلی الرغم من أن السلطة العباسية كانت تضيق عليه  وعلی العلويين عموما، وكانت تغدق الأموال الطائلة من أجل الانتقاص من شأنهم، علی سبيل المثال توظيف الشعراء ودفع  الأموال إليهم من أجل هجاء الإمام،محاولةً في صرف أنظار المسلمين عنه  ولاسيما أن الشعر يمثل الوجه الإعلامي السائد آنذاك ، فنجد الشاعر مروان بن أبي حفصة ينشد بين يدي الخليفة العباسي المهدي: يا ابن الذي ورث النبيَّ محمدٍ دونَ الأقارب من ذوي الأرحامِ الوحيُّ بين بني البناتِ وبينكم قطعَ الخصامَ فلات حينَ خصامِ ماللنساءِ مع الرجالِ فريضةٌ نزلتْ بذلكَ سورة الأنعامِ أنی يكونُ وليس ذاك بكائنٍ لبني البناتِ وراثةِ الأعمامِ فلما سمع الإمام الكاظم بهذه الأبيات تأثر كثيرا وسمع هاتفا في الليل يتلو: أنی يكونُ ولايكونُ ولم يكنْ للمشركينَ دعائمُ الإسلامِ لبني البناتِ نصيبهم من جدِّهم والعمُ متروكٌ بغير سهامِ ماللطليقِ وللتراث وإنما سجدَ الطليقُ مخافةَ الصمصامِ إن ابن فاطمةَ المنوّهُ باسمهِ حازَ التراثَ سوی بني الأعمامِ (الاحتجاج، الطبرسي:٢/ ١٦٧- ١٦٨) فقد أصرت السلطة علی تفتييت قضية ارتباط الإمام بالرسول الأعظم كي تحدّ من  تواصله وتحجِّم تأثيره علی الناس، لكنها فشلت مع ما تملكه من إمكانات هائلة . ⭕️ إنسانية الرسالة: اتسمت الرسالة المحمدية منذ  إنطلاقها بسمة الإنسانية، فراحت تنقل الإنسان من العالم المادي  المشحون بالصراعات القبلية والعرقية، الی عالم البناء الإنساني،  القائم علی لغة المحبة والتسامح والرحمة ، فهي اللغة الكفيلة بأنسنة كلِّ  شيءٍ.، وهي اللغة الجاذبة المهيمنة علی القلوب أينما حلّت، فبعد مساواة الرسول بين الأفراد جميعا، وبعد مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار، وبعد قوله:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِأعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى) ميزان الحكمة، محمد الريشهري: ٤ / ٣٦٢٩ صارت الصفة الإنسانية لازمةً للعمل الرسالي المتمم لعمل الرسول الأعظم، فنجد الإمام علي (عليه السلام) أطلق مقولةً خالدةً ، وذلك حين وجه رسالة إلی مالك الأشتر، إذ بقيت مقولته قانونا يسعفُ كلَّ باحثٍ عن التواصل الإنساني غير المقيد.ألا وهي:(وأشعرْ قلبَك الرحمةَ للرعيةِ والمحبةَ لهم واللطفَ بهم. ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخٌ لك في الدين وإما نظيرٌ لك في الخلق ))نهج البلاغة، خطب الإمام علي (ع) :٣/ ٨٤  وكذا انسحب هذا السلوك الإنساني علی سائرِ أئمة أهل البيت ولاسيما الإمام موسی بن جعفر، فكان يتواصل مع فقراء المدينة، يزورهم ليلا تاركا لهم الطعام والمال من دون أن يكشف وجهه أمامهم حرصا علی حفظ كرامتهم. وكانت له  قطعة أرض يزرعهاو يعمل فيها بيده، وحين قال له رجل صديقٌ يُدعی (علي): ألا يوجد من يقوم بهذه الأعمالِ بدلا عنك؟ فأجابه الإمام: يا علي، قد عمل قبلي من هو  خير مني! فقال للإمام: من تقصد؟ فقال الإمام:[جدي (صلی الله عليه وآله) وأمير المؤمنين، وآبائي كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم، وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين] ـ ومن  مقولات الإمام الكاظم(ع) التي غيرت حياة رجل من حال الی حال أخری، قوله حين مرّ من  منزل يرتفع منه صوت الغناء الماجن،فرأی فتاةً تخرج من المنزل فقال لها بعد أن سلم عليها: صاحب البيت حرٌّ أم عبدٌ؟ فردت عليه: حرٌّ فقال الإمام: صدقتِ، فلو كان عبدا  لخاف سيّده! وحين دخلت الفتاة وأخبرت صاحب المنزل، ويدعی (بشر) هزت أعماقه هذه الكلمات، فخرج خلف الإمام يركض حافيا،معلنا توبته وإنابته، ليقضي بعد ذلك بقية عمره بالزهد والعبادة،واشتُهِر بين الناس إلی اليوم بـ(بشر الحافي). وهكذا ظل الإمام مصدرا للسمو الروحي والحضور الإنساني الملفت، فحين أرسل له هارون الرشيد، جاريةً لإغوائه، عادت الجارية مبهورةً بروح الإمام وخلقه، لتتحول حياتها من اللهو والفجور الی  العبادة والإيمان. لقد كان الإمام يحرص ويؤكد علی قضاء حوائج المؤمنين، نجده يقول لـ( علي بن يقطين): "من سرّ مؤمناًَ فبالله بدأ، وبالنبي(ص وآله) ثنَّى، وبنا ثلَّث"وهكذا كان يسعی بنفسه لقضاء حوائج الناس وسدِّ ديونهم، وبهذه الصفات الإنسانية العملية كلِّها؛هيمن علی القلوب وسيطرت محبتُه عليها.  ⭕️استمرارية الرسالة بيّنا سابقا دور الإمام موسی بن جعفر التفاعلي والتواصلي مع الإنسان بغض النظر عن لونه أو عرقه أو وضعه الاجتماعي،فقد دأب علی صناعة الجماعة الصالحة  التي تتصل به ، وتتواصل مع الآخر ليكتمل النظام العلائقي التواصلي، وبيّنا أيضا أن الإمام هو امتداد لجده الرسول الأعظم، وبينهما علاقة تلازمية بحسب حديث الرسول الذي جعل من أهل البيت والقرآن الكريم( صنوان لايفترقان) وهذا ماجعل أدوارهم مستمرة كاستمرارية القرآن الكريم وفاعليته في كل عصر ومصر، ولولا هذه الاستمرارية الربانية ما كنّا لنذكره الآن، ولما كانت تذكره  الناس رغم  البعد الزماني بين عصره وعصرهم!! فلو سلطنا الضوء علی ألقاب الإمام موسی بن جعفر التي خلعها عليه علماءُ المسلمين آنذاك ومنها:  الترياق  المجرب، الزاهر، الصابر،الكاظم، السيد، الوفيّ، ذو النفس الزكية،باب الحوائج.. وغيرها هذه الألقاب لها سلطة إعلامية علی المتلقي منذ إطلاقها وإلی الآن، فالحضور الروحي للإمام مازال مهيمنا، وكما كانت هناك دوافع لخلع هذه الالقاب علی الإمام، بقيت هذه الدوافع مستمرةً، وبقي  الإمام ملاذا لكل سائلٍ ولكل محتاج، ولو عالجنا  هذه الموضوعة من زاوية إعلامية برامجية أو درامية  ستری أن يوم السبت في ضريح الإمام الكاظم يكفي ليكون بنكا عامرا بالحكايات والقصص، فمنذ بزوغ فجر يوم السبت  تتوافد الناس الی ضريحه، ولكل زائر حكايةٌ خاصة به، ولكل زائر همٌّ يبثه الی  كاظم الغيظ، فزياته بمثابةِ عمليةِ تطهيرٍ بنّاءٍ يرمم الأرواح، ويمدُّها بالطاقة الإيجابية ؛لذا يدمن الزائر زيارته، ويفِرُّ إليه كلما ضاقت عليه الدنيا... فسلامٌ علی الترياق المجرَّب مابقي الليل والنهار
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك