د. محمد أبو النواعير ||
· كيف يؤثر الخطاب الديني في تكوّن أنماط المعرفة السوسيولوجية في مجتمعات المذاهب الإسلامية؟!
ينقسم الخطاب الديني الشيعي من وجهة نظر الباحث إلى قسمين:
الأول الخطاب الديني الشيعي الذي تأسس بالضد من حالات الإفناء والإقصاء التي مارسها الآخر ضده.
الثاني: هو الخطاب الديني الشيعي الموجه نحو الداخل الشيعي
.اختلف الباحثون والمفكرون في تقييم الخطاب الديني الشيعي, ومقدار تداخله في بناء سوسيولوجية معرفة نسقية, يمكنها من التأسيس لمجتمع متدين, يستطيع التعايش مع الآخر, ويستطيع في الوقت نفسه التعاطي مع متغيرات وتعقيدات العصر المدني الحاضر.
لا نستطيع أن نحكم على الخطاب الديني الشيعي بنفس أدوات الحكم والتقدير التي نستخدمها في تقييم بقية أنواع الخطابات الدينية, سواء الإسلامية منها, أو في الديانات الأخرى, فمقدار الظلم والتغييب القسري, وخطاب الكراهية الذي كان مواجه للطائفة الشيعية خلال التأريخ, حصرها في إطار خطاب ديني سوسيولوجي, يكتفي بالحفاظ على أشكال التدين فكرا وممارسة, ويحاول جاهدا الإبتعاد عن التأسيس لمجتمعات تتميز بقوة الوعي والتماسك الديني بمنهج وطريقة أهل البيت عليهم السلام, وبسبب الكم الكبير من القتل والتهجير والتصفية والإبادة التي حكمت آليات التعامل مع الشيعة من قبل أغلب السلطات ذات اللون المذهبي المغاير, نجد أن الخطاب الديني الشيعي, قد اصطبغ بصبغة علمية تثقيفية بحتة, حاول من خلالها سبر وعي المجتمع, والتعاطي مع مشاكله ووجدانياته باستخدام أدوات مختلفة, مكانه منها التعدد والتنوع في مناهج التعاطي السوسيولوجي هذه , ما بين العاطفي (السردي التأريخي) وما بين العقلاني والعلمي.
وهذا ما جعل الطرح الإسلامي الشيعي طرح ذو مواصفات ومميزات علمية وفاعلية سوسيولوجية بطراز خاص وهذه هي الحقيقة التي يذعن لها المتتبع للشأن الشيعي على المستوى العلمي والذي يتوخى ألأنصاف والتجرد في الوصول للحقيقة.
لقد تعرض الخطاب الديني الشيعي المعاصر إلى ضربات صميمة تم توجيهها له من قبل قوى وأدوات فكرية ومؤسسات بحثية متنوعة, حاولت أن تعمل أدوات التفكيك والتقييم النصي لهذا الخطاب, فكان تقييم هذه المؤسسات لهذا الخطاب تقييما مبتورا يفتقر لروح الموضوعية الحدثية والظرفية التي كانت تحتم على الخطاب الديني الشيعي, اجراء تغييرات, أو اتباع حالات الإنكفاء على الداخل أحيانا, بسبب الظروف القهرية التي تم تسليطها عليها. ولكن مع كل هذا وذاك هناك أزمات طفت على الواقع الشيعي ومن المشاكل التي طفت على الواقع الشيعي والتي تحتاج الى وقفة جادة وبروحية تعتنق ألأصلاح والتقويم وبتجرد تام يبتعد عن ألأنحيازية التي تنبع من التعاطف وألأرتجال بالقراءة.
لذا, يرى بعض الباحثين توهما, بأن الخطاب الديني الشيعي (بداء يفقد الكثير من مواطن القوة التي يتظمنها ومن نقاط القوة التي فقدها.. الشمولية..، حيث انه في مساره وهدفه أصبح ينحصر بالدائرة الشيعية وكأن الرسالة السماوية ومنهجيتها في البناء ألأنساني لا تهم أي أحد سوى الشيعة وحدهم وهذا ما أفرز حالة لا تتناغم وأخلاقية ألأسلام العظيم الذي هو دين ألأنسانية كل ألأنسانية ولأنها لم يكن في حساباتها أن تكون شرقية أو غربية، عربية أوغير عربية ولم تجيء للأبيض دون ألأسود بل كانت وما زالت وستبقى عالمية بكل ما للكلمة من معنى من أجل ألأنسان وأنسانيته الكريمة السمحاء وبذلك أنفرزت حالة ألأنفكاك الشيعي عن الجسم ألأسلامي وبدا الشيعة وكأنهم حالة شاذة عن هذا الجسم أو الوجود الذي اسمه ألأسلام وهذا ما عزز حالة التنافر والتقاطع ومن ثم ألأصدام ألأيدلوجي بين الشيعة وغيرهم من المسلمين وما شكل بالتالي مشكلة أسمها (الطائفية) المقيتة التي طفا معها على السطح ألأسلامي المجتمعي الكثير من التقاطعات والتشابكات التي اتخذت أشكال وصور متعددة، وبذلك على كل من يوجد الخطاب أن يكون متوخي للدقة كل الدقة من خلال التركيز على البعد الشمولي الجامع الذي لا يتحدد بحدود الطائفة جغرافياً ومجتمعياً وأيدلوجياٌ، ومن نقاط القوة التي فقدها الخطاب الديني الشيعي). وصريح القول يضطرنا إلى نقد هذا النوع من التقييم للخطاب الشيعي الذي حاول دعاته أن يكونوا في حالة توائم ما بين قدسية الدم الشيعي, وصونه من محاولات الهدر والهتك, وما بين النظر بنظرة الأخوة لبقية أبناء المسلمين, حتى وان كانوا مخالفين لمذهب التشيع مذهبيا أو مناصبين العداء لأهله.
وهذا لا يعني أن كل الخطاب الديني الشيعي هو خطاب رزين ومعتدل, حيث ظهرت بعض أنواع هذا الخطاب بمظهر السطحي الساذج الذي يبتعد كل ألأبتعاد عن العمق الذي تتسم به المدرسة الشيعية وعندما صار سطحي وساذج صار لا يستطيع أن ينهض بالفكر ألأسلامي الجمعي حتى يكون بالتالي فكر يختزل عملية التكامل التي تحقق بدورها الصيرورة والسيرورة التأريخية ومعهما صار هذا النوع من الخطاب ألأسلامي الشيعي لا يستطيع أن يوجد العقل الجدلي الذي ينسف كل ما يجب نسفه من العادات والتقاليد التي أستشرت على الواقع ألأسلامي بأسم الدين.
تداخل العرف الإجتماعي مع الديني, شكل أهم مشكلة من مشاكل الخطاب الديني الشيعي الداخلي
من ناحية أخرى, يرى الباحث أن وجود نوع من أنواع التشظي في سوسيولوجيا الخطاب الديني الشيعي (كما يدعي البعض) هو أمر طبيعي لمدرسة تؤمن بالاجتهاد, وتسير ضمن أطر معينة يتوافر فيها كم لا بأس به من حرية الفكر, مع عدم وجود مناهج للقسر والفرض والتحييد والتغييب, لذا انبثقت الكثير من أنواع الخطاب التي اتسم بعضها بالضعف والسطحية, واتسم بعضها الآخر بالضلال والابتعاد عن جوهر الدين, فبما أن عامل القسر والإرهاب الفكري غير موجدين في أدوات التعاطي الفكري والعلمي الأصيل في المدرسة الشيعية, من الطبيعي ان نجد الكثير من حالات الشذوذ, والتي من الألطاف اللإلهية نجد أن التحييد المجتمعي لها, يشتغل بمشارطه وأدواته التوعوية , لنبذها وهجرها ومن ثم اضمحلالها. لذا فهو ليس تشظي, بقدر ما هو عملية سننية طبيعية, لإعادة تشذيب الوعي الديني النخبوي و المجتمعي, من إرهاصات التراكم الحدثي, وترسبات المشاكل العامة في الحياة.
د. محمد أبو النواعير دكتوراه في النظرية السياسية/ المدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة
ــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha