د. علي المؤمن ||
يرى أصحاب الاختصاصات الأكاديمية، كالمناهج الفلسفية الغربية، والعلوم التجريبية والإنسانية والاجتماعية، بدأ بالانثربولوجيا وفيزياء الكون والهندسة الوراثية والاحياء، وانتهاء بعلوم النفس والاجتماع والقانون واللسانيات والتاريخ؛ بأن فهمم للدين هو فهم علمي ناجز، لأنهم يستندون الى اختصاصاتهم الأكاديمي والمنهجي. والأنكى أن أصحاب هذه المناهج يحاولون حصر الفهم العلمي بمناهجهم ونظرياتهم ورؤاهم الفلسفية والأكاديمية التجريبية؛ لكي تكون مخرجاتها ونتائجها ملزِمة.
ولكن؛ ليس بالإمكان طرح نظريات فهم ديني بادوات بشرية غير مقبولة دينياً، وليس بالإمكان منهجياً ومنطقياً فهم الدين، والإسلام ونصوصه تحديداً، فهماً حقيقياً لصيقاً بغاياته وأهدافه وكينونته وبنيته، وفق مناهج وفلسفات غير مقبولة دينياً أوعلوم غير دينية، بدءاً بالهرمينوطيقيا (فلسفة التأويل) والفينومينولوجيا (فلسفة الظاهر) والانطولوجيا (فلسفة الوجود)، وانتهاء بالابستمولوجيا (فلسفة المعرفة) والبلوراليسم (التعددية).
وبالتالي فإن الإتكاء على نظريات "ستيفن هاوكينغ" في الفيزياء الكونية مثالاً، أو الأخذ بنظريات "هوسلر" و "سارتر" و "ماركس" و "دارون"؛ لتقديم فهم للتكوين والخلق والوجود والأبدية والأزلية والمعرفة الدينية؛ سيكون مآله تهافت الغيب، والتشكيك بالله، ونفي الوحي، والنبوات، وإلهية النص المنزل، وآخره النص القرآني، وأبدبة التشريعات الثابتة.
صحيح؛ أن مناهج الفلسفة والعلوم التجريبية والإنسانية والاجتماعية وأدواتها ومعارفها، كالعلوم القانونية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية، وعلم النفس الإجتماعي والانثروبولوجيا والمثيولوجيا واللسانيات والهرمينوطيقيا، تساهم مساهمة مهمة في توسيع آفاق الفقيه والمتكلم، وقدرتهما على معالجة الإشكاليات، والإجابة على الأسئلة، وتشخيص الموضوعات والأحكام، وتحويل حُزم الأحكام الى نظريات، والنظريات الى نظم، و لكن هذه المناهج تمثل مناهج ساندة يستثمرها المتخصص الديني، وليست مناهج مستقلة لفهم حقيقة الدين.
ولاشك، أن فهم الفيلسوف والمفكر الغربي وفهم الفقيه والمتكلم الإسلامي، هما فهمان بشريان، إلّا أن أدوات الفقيه في فهم الدين منتزعة من الدين نفسه، أو أنها قواعد لا تتعارض معه. أما أدوات الفيلسوف الغربي لفهم الدين، فهي أدوات وقواعد بشرية محضة، وغالباً ما تتعارض مع مقاصد الدين وجوهره اللصيق بالغيب. لذلك يستحيل أن تكون الأدواتُ المتعارضة مع الدين مرجعيةً في فهمه. مثلاً: هل يمكن أن نفهم الغيب والوحي والتزيل والنبوات والنص القرآني وحجية السنة بمنهج يتعارض مع هذه المفاهيم أساساً؟
وإذا كان المتلقي وصاحب الحاجة لفهم الدين ومخرجاته متديناً، ويهدف الى فهم منطومته العقدية أو الحكم الشرعي الذي يريد العمل به، فإن الفقيه والمتكلم هما مرجعيته وحجته في هذا الفهم لا شك. أما إذا كان المتلقي يتبنى ايديولوجيا غير دينية أو معارضة للدين ـ وإن كان مسلماً بالوراثة ـ فإنه من الطبيعي أن يلجأ الى المناهج والفلسفات الغربية غير الدينية في فهم الدين.
27018
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha